حافظ وبشار: خائنان مُنْدَحِران
لقد اقترب بإذن الله اليوم الذي سنتحدّث فيه عن الطاغية الوريث الذي مضى أو سقط، أو صار في ذمة التاريخ، فقد مضى الطاغية الأب واندثر، بينما بقيت سورية وشعبها، وسيندثر الطاغية الابن الخائن، مع كل فاسديه وممالئيه وحلفائه الطائفيين المجرمين الخونة، فقبضة الشعب المجاهد المصابر التي سيقع فيها هؤلاء كلهم، باقية ما بقيت الشام.
الطاغية الذي مضى ذهب ولم يبقَ إلا عمله (الصالح)! الذي أسبغ على الوطن والأمة والشعب (نعيماً) لا ينفد! فقد زرع في كلّ بيتٍ مصيبةً، وفي كلّ عائلةٍ قصةً حزينة، وفي كلّ شارعٍ أو ركنٍ أو زاويةٍ وجهاً كئيباً يختصر في عينيه ذلاًّ بدأ منذ أكثر من أربعة عقود، وقهراً لن يُنسى، على الرغم من كلّ المكائن الإعلامية الوطنية، التي تحوّل الأبيض إلى أسود، والأسود إلى أبيض!
الطاغية الذي مضى، رسّخ في الوطن (وحدةً) وطنيةً رائعةً.. مفكّكةً ممزّقة! وحريةً مجهريةً لا يتنسّمها المواطن -العزيز على قلبه- إلا مرةً واحدةً كل سبع سنوات، تتجسّد في قول كلمة: نعم، للسيد الذي لا قبله ولا بعده سيد! الطاغية الذي مضى، خلّف لشعبه كلّ (خيرات) قانون الطوارئ والأحكام العرفية، التي تدعو لبناء سجنٍ بجوار كلّ مدرسة، ومعتَقَلٍ صحراويٍ في كلّ بادية، ومركزٍ لصناعة العبودية بجوار كلّ مصنع، وزنزانةٍ مترامية الأطراف تبتلع الوطن كلّه.
الطاغية الذي مضى، ترك في خاصرة الوطن جرحاً نازفاً، يئنّ تحت بساطير الصهاينة المحتلّين، الذين ما كانوا قادرين على احتلال الأرض وانتهاك العِرض، لولا (حنكته) و(عبقريته)، وصموده الإذاعيّ والتلفزيونيّ بلا هوادة، وممانعته مع الأوغاد من حلفائه الصفويين المجرمين، الذين اقتحموا القصير بدل القدس، وهاجموا حمص ودمشق وحلب بدل تل أبيب ويافا وحيفا!
الطاغية الذي مضى ورّث (عدلاً) و(رغداً)، فتحوّل الوطن إلى: سجينٍ مشوّهٍ أو مُعاقٍ يئنّ تحت سياط جلاّديه، ومعتَقَلٍ مجهول المصير، ومهجَّرٍ مطارَدٍ في أصقاع الأرض بعد الاستيلاء على بيته وأملاكه، ومقرَّبٍ لصٍّ يغرف من خيرات الوطن بلا رقيبٍ أو حسيب، وفقيرٍ مسحوقٍ يدفع ضريبة هويّته ودينه، ومواطنٍ ذليلٍ سُلِبَت كرامته، ومسجدٍ دُكَّت أركانه، ومصحفٍ شريفٍ مُزِّقَت صحفه، ومدينةٍ هُدِّمت فوق رؤوس أهلها، وقريةٍ مزروعةٍ بالرعب، وامرأةٍ انتُهِكَ حجابها، وطالبةٍ مسلمةٍ ممنوعةٍ من الالتزام بحجابها الإسلاميّ، وطبيب عيونٍ فُقِئت عيناه، وطبيب أعصابٍ شُلَّت أعصابه، وحُرٍّ اغتيل في أقاصي الأرض، ومجزرةٍ رهيبةٍ في كلّ باديةٍ أو صحراء أو مدينةٍ أو قرية.. وأمٍ ثكلى، وزوجةٍ حائرة، وطفلٍ ميتَّمٍ، وشيخٍ عجوزٍ مكلوم، ومقبرةٍ جماعيةٍ في باطن كلّ أرض!
الطاغية الذي مضى، ترك لوطنه جيشاً متمرّساً في احتلال المدن السورية والمخيّمات الفلسطينية، ومدرَّباً على قصفها وانتهاكها، وخبيراً في تمزيق المقاومة وسحقها، جيشاً منظماً منضبطاً، مبرمَجَاً على ضبط النفس أمام كلّ عدوانٍ صهيوني، وعلى الالتزام بالخطوط الحمراء التي رسمها اليهوديّ الصهيونيّ (هنري كيسنجر)، جيشاً هادئاً هدوء الأموات على جبهات القتال مع العدوّ الصهيونيّ منذ أكثر من أربعين سنة! ومختصاً بالاستعراضات العسكرية الاحتفالية السنوية!
الطاغية الذي مضى، أرسى لوطنه وشعبه إرثاً من المبادئ (العظيمة)، أولها: إنّ مقاومة (الإمبريالية) لا تكون إلا بالتحالف معها! وآخرها: إنّ الخيار الإستراتيجيّ أو (مفاوضات ما يُسمَّى بالسلام) هو الطريق المثمر الوحيد، لتحرير الأرض من الغاصب المحتلّ، ولو بعد آلاف السنين.
الطاغية الذي مضى، سنّ لشعبه وللعالَم كلّه سنّةً (حسنةً) محَسَّنة، هي أنّ الحاكم الجمهوريّ الذي يأتي على ظهر دبابةٍ، عليه ألا يغادر كرسيّ الحكم إلا على عربة مدفع! ثم عليه أن يستنسخ حكمه، فيجعل من الوطن مزرعةً يرثها الأبناء، تحت غطاءٍ مزيَّفٍ من الانتخابات (الحرّة النـزيهة)، والاستفتاء الشعبيّ القسريّ العارِم! وبذلك تصبح مدّة الحكم (الجمهوريّ) من المهد إلى اللحد!
الطاغية الذي مضى، بنى في وطنه دولة (المؤسسات)، فأصبح الحزب الحاكم هو الوطن! والبرلمان هو بصمة إبهامه الأيسر، ومكان التصفيق له والهتاف بحياته! والمعارضة متحف صامت! والدستور مِشجب دائم، لا يُنتَهَك إلا برغبته ورغبة زبانيته، وقابل للتفصيل بدقّةٍ حسب الطلب أو الرغبة! والأحزاب الوطنية نَصْب تذكاريّ! وقانون الطوارئ والأحكام العرفية هي الخيمة التي (تنعم) في ظلّها كلّ المؤسسات (الديمقراطية) العجيبة، بما فيها أجهزة الأمن المزروعة في كلّ مترٍ مربّعٍ من أرض الوطن، لحماية نظام الحكم من الوطن، والحاكم المتسلِّط من الشعب!
الطاغية الذي مضى، علّم الأمة دروساً بليغةً في (نظافة) اليد و(طهارة) الجيب، والمحافظة على الثروات الوطنية، فاحتلّ مع بعض أفراد عائلته وطائفته المراكز المتقدّمة في قائمة أثرياء العالم، من أصحاب مليارات الدولارات الأميركية!
ذلك بعض ما خلّفه الطاغية المندثر، الذي مضى على عربة مدفع! أما الوريث المجرم بالوراثة، الذي قدم على ظهر حصانٍ مجهول اللون والهوية، فبفضله هلك الزرع والضرع، وصار الوطن مَداساً لحثالات الفرس والروس، وأصيبت البلاد بالانهيار، واستشرى الفساد وتجذّر في مؤسسات الدولة! وتكاثر الفاسدون، وتناسل المجرمون الساديّون!
الطاغية الوريث الذي أتى، أضاف إلى سلسلة المنجزات (العظيمة) للعهد الذي مضى، منجزاتٍ أخرى أكثر خطورةً! فاكتشف الشعب والوطن أنّ الطاغية الذي مضى، قد خلّف حِمْلاً ثقيلاً من الاقتصاد المتخلّف المنهار، وحِمْلاً أثقل من الفساد الاقتصاديّ والاجتماعيّ والقِيَمِيّ والتعليميّ والثقافيّ والسياسيّ، وحِمْلاً مروّعاً من العلاقات العربية والدولية المقطّعة الأوصال، ثم أضاف الطاغية الوريث الخائن إلى سجلّ عاره وعار أبيه وعائلته وطائفته: الخيانة العظمى التي مارسها ويمارسها، بلا حياءٍ ولا خجل!
مع ذلك.. مع ذلك كله، فإنّ الطاغية الذي مضى، هو (بطل) كلّ قضيةٍ، مما يخطر أو لا يخطر على قلب بَشَر! من التحرير والوحدة والحرية، إلى التقدّم والازدهار والحداثة! ومن الديمقراطية واحترام كرامة المواطن وحقوق الإنسان، إلى العدل والرخاء والمساواة!.. ومن الحُنكة والدهاء والذكاء الخارق، إلى العبقرية والفكر الأصيل العميق! ومن الوطنية القُطرية، إلى القومية العربية! ومن النزاهة والنظافة والطهارة، إلى السماحة والحُبّ الخالص للوطن والأمة والشعب!
إنّه عصر (البرمجة)، الذي تُبَرمَج في ظلّه العقول الخاوية، والقلوب الداكنة، والضمائر الميّتة، والأفئدة التافهة، فيتحوّل (المبرمَجون) في طول الأرض وعرضها، إلى (جَوْقةٍ) ضخمةٍ ممتدّةٍ، لا تغيب عنها الشمس! العالَم الذي ترسم سياساته حفنةٌ من التافهين، ليس صعباً عليه أن ينشغل بذكر مناقب الطغاة الجبّارين المفسدين في الأرض، الذين (أحبّوا) أوطانهم وشعوبهم وأمّتهم، حتى العظم!
هنيئاً للمتشدّقين والمتفيهقين والعبيد، من ذوي الذاكرة المثقوبة والضمائر المشلولة، الذين ماتوا ولم تُقبَض أرواحهم بعدُ! أو الذين خُلِقوا لمهمة مَصّ أصابعهم! فلعلّ أهم منجزات الطاغية الذي مضى، تأسيسه (صناعةً إعلاميةً تحويليةً)! مزوّدةً بكلّ المكائن الحديثة المتقدّمة، التي تُحَوّل الخِزي إلى عِزّ، والظلمَ والجَوْرَ إلى عدل، والباطلَ إلى حق، والقهرَ إلى حرية، والاستبدادَ إلى ديمقراطية، والهزيمةَ المنكرة إلى نصرٍ مؤزّر! وتُحوِّل مَن كان وراء كلّ نكبةٍ وهزيمةٍ وخيانةٍ وتشرذمٍ ومؤامرةٍ وعبوديةٍ ومصيبةٍ، وأزمةٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وتعليميةٍ وثقافيةٍ وسياسيةٍ، إلى زعيمٍ تاريخيّ! تماماً كتحويل (اللا) إلى (نعم)، بواسطة صناديق عصريةٍ (ديمقراطيةٍ) مُحَسَّنة، أطلق عليها الطاغية المجرم الذي مضى اسم: صناديق الاقتراع أو الاستفتاء!
لقد اقترب بإذن الله اليوم الذي سنتحدّث فيه عن الطاغية الوريث الذي مضى أو سقط، أو صار في ذمة التاريخ، فقد مضى الطاغية الأب واندثر، بينما بقيت سورية وشعبها، وسيندثر الطاغية الابن الخائن، مع كل فاسديه وممالئيه وحلفائه الطائفيين المجرمين الخونة، فقبضة الشعب المجاهد المصابر التي سيقع فيها هؤلاء كلهم، باقية ما بقيت الشام.
محمد بسام يوسف
- التصنيف:
- المصدر: