ألسنة الشياطين

منذ 2013-06-24

يعيش الكيان الصهيوني على مبادئ مستمدة من التوراة ويرفض قادته وضع دستور يحتكم له الناس حتى لا يكون بديلاً عن الأصل، وهو التشريع اليهودي الذي يريدونه، وبعيدًا عن جدلية ما هو حق وما هو باطل بالنسبة له، فإنهم استندوا إلى عقيدتهم لتحديد مصير دولتهم ومستقبلهم.. وهكذا في كل دول العالم الجميع لديهم قناعات دينية وإن كانت القوانين وضعية، وباعتقادي فإن المسار الذي يسيرون فيه حتى وإن أبهرتنا مظاهر نجاحه، فإننا نغفل عن الكثير من عيوبه.


يعيش الكيان الصهيوني على مبادئ مستمدة من التوراة ويرفض قادته وضع دستور يحتكم له الناس حتى لا يكون بديلاً عن الأصل، وهو التشريع اليهودي الذي يريدونه، وبعيدًا عن جدلية ما هو حق وما هو باطل بالنسبة له، فإنهم استندوا إلى عقيدتهم لتحديد مصير دولتهم ومستقبلهم.. وهكذا في كل دول العالم الجميع لديهم قناعات دينية وإن كانت القوانين وضعية، وباعتقادي فإن المسار الذي يسيرون فيه حتى وإن أبهرتنا مظاهر نجاحه، فإننا نغفل عن الكثير من عيوبه.

في حالتنا العربية نحن ننتمي إلى الأرض التي يعيش عليها أجدادنا منذ سنين، وبعد أن منّ الله علينا بنبي من بين ظهرانينا شرفنا أمام الأمم في هذا العالم منذ قرون، وجعلت لغتنا هي لغة ربانية يخاطب فيها رب البشرية عباده. أصبح لدينا من أصول الوحدة ثلاثة، وهي وحدة الدم ووحدة الدين ووحدة اللغة.

أمر الدين يحارب منذ بداية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يحرك هذه الحرب هي عقائد أخرى بأقنعة مختلفة، وتشن هذه الحرب لأنها تعلم جيداً أن مظاهر الوحدة التي تجتمع في هذه الأمة تجعلها مؤهلة لريادة العالم، فلم يتمتع أحد من قبل أو بعد بهذه النعمة العظيمة.

في العصور الوسطى لما كان الأوربيون قطيع من الذئاب ينهشون بعضهم بعضًا، ولما كان كريستفور كولمبوس يرتكب مجازر هو ومن جاء بعده لإبادة الهنود الحمر وبداية بناء إمبراطورية الإجرام الموجودة حاليا باسم "أمريكا"، كانت لنا دولة دستورها شرع الله الذي خلقنا، وكانت لنا الريادة ونمتلك القوة ومن شدة عظمة هذه الدولة كان يقف هارون الرشيد خليفة المسلمين رحمه الله ويقول للغيوم في السماء: "أمطري حيث شئتي فإن خراجك سيأتني هنا".

وأنا أتابع برنامج حواري على قناة بي بي سي الإخبارية مساء أمس خرجت عجوز شمطاء تتحدث في أمر بظني هي أداة ولسان من ألسنة شياطين الإنس والجن لمحاربة الإسلام ومحاربة استقرار أي دولة إسلامية، وهي فريدة النقاش وللتعريف بها أكثر فهي كاتبة صحفية ويسارية مصرية، ورئيسة تحرير لجريدة الأهالي التي تصدر عن حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي المعارض في مصر، ولإثارة حماستكم أكثر فإنها طالبت بإعادة تأويل القرآن في مؤتمر عقد في واشنطن للدفاع عن حقوق المرأة العام الماضي، كما صرحت قبل ذلك بأنها لن ترتدي الحجاب أبدًا، بأي حال سواء ارتدت الحجاب أو لم ترتديه فلا أعتقد أنها ستفتن الكثيرين، فالحجاب فرض على المرأة المسلمة لكي يستر جمالها، ويحفظها من أذية أصحاب النفوس الضعيفة.

نعود للأمر الذي تتحدث فيه وهي تحارب بقوة لأجله وهو "أخونة مصر" الذي تحالف كل شياطين الإنس في مصر لوقفه، أنا صحفي ولا أنتمي لأي فصيل سياسي أوديني لكني أكتب ما أراه صوابًا، لأنني مؤمن بأن خالقي سبحانه وتعالى مثلما يمنح الحياة ويأخذها له، القدرة المطلقة على تحديد المسار الصحيح لحياة الناس، إذا كانت أمريكا تستطيع تحريك الشمس من مكانها أعتقد أنني سوف أمتلك القدرة لأقول بأنني مؤمن بها.

لكن هم يحاولون إضعاف قوة الإسلام، وفي ذلك قول واضح من رب العباد في سورة الصف حيث يقول سبحانه وتعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8]. إذن هو نور لماذا لا نريده؟ ونريد أن نعيش في الظلام. بحثت في مراجع كثيرة حول جماعة الإخوان المسلمين ولم أجدها جماعة ماسونية أو بوذية أو نصرانية، بينما يقوم البعض بتبادل الأحضان مع النصارى وغيرهم، فإنه يدير ظهره للمسلمين.

حينما نشأت هذه الجماعة كان العالم العربي يعيش تحت الاستعمار ولم يكن هناك خلافة حتى نقول بأنها خرجت عن جماعة المسلمين، والأجمل في ذلك أنها خرجت بعد سقوط الخلافة العثمانية لتجدد للناس دينهم، البعض يدور في ذهنه أن الخلافة العثمانية كان يوجد فيها منظومة فساد، صحيح كان الفساد موجود لأننا لسنا منزهين والكمال لله وحده، لكن هل كانت الدولة العثمانية تبيع أراضي المسلمين للغرب ولليهود؟ هل كانت تغلق حدود ولاياتها في وجه رعاياها؟ وهل كانت تحاصر غزة حينما احتاجت إليها؟ وهل ستترك مسلمي "أراكان" يقتلون على يد البوذيين؟ أم أنها ستترك المسلمين العرب في سوريا يسبحون بدمائهم على يد مجرم سفاح مثل بشار الأسد وعصابته؟!

ما تدافع عنه "النقاش" وزمرتها ليست قيم، ولا منظومة فكرية متكاملة تريد الترويج لها، ولكنها تحمل معول هدم وتصير فيه بين عامة الناس وبسطائهم، لتقنعهم بأن الإسلام سيجلب لهم الفرقة والخلاف ويقص يد السارق، وحتى قص يد السارق فأنا معه لأن الذي يأخذ حق ليس حقه، يجب أن يحاسب، وهذا أنسب حساب، أم أنهم يقفون ليهاجموا أمريكا حينما هاجمت العراق! أم يهاجموا اليهود حينما أخذوا فلسطين، هذا حق طبيعي أن ينال الظالم حسابه، وفق شريعة خالقه، فهو الوحيد الذي يمتلك حق تقرير المصير لكل شيء في هذا الكون.

هي فقط تريد وأمثالها أن تبقى مصر تعيش في فوضى فكرية وأمنية، ولا أعتقد أنها تفعل ذلك فقط لأنها ترغب في ذلك، ولكن مصر لها أهمية في معادلة الأمن والسياسة في الشرق الأوسط، وليس من صالح الغرب أو الكيان الصهيوني أو إيران أن يحكمها نظام قوي يستمد تشريعاته من المصدر الصحيح وهو القرآن الكريم، لذلك هم يرسلون شياطينهم ليعيقوا تقدم هذه الأمة منذ زمن وسيواصلون ذلك حتى ينالون عقابهم الذي يستحقون، فلا يجب أن نعطيهم المساحة في الإعلام، حتى يواصلوا ممارسة تضليلهم؟ والخوف منهم على البسطاء، لأن التعليم في عالمنا العربي مع الأسف لم يمنح الكثير من الناس الذكاء الكافي للتمييز ما بين الخطأ والصواب.

نريد تبسيط الأمور أكثر حينما نتحدث عن الصراع العلماني الإسلامي، فالدين الإسلامي يعتمد على ما جاء في القرآن بوصفه منهجاً يدعو لقيام نظام اجتماعي يتبنى التعليمات والقيم الإنسانية والأخلاقية الواردة فيه.

أما السلطة؛ فهي أداة تنفيذية لإدارة شؤون الناس من خلال مؤسساتها المنتشرة في البلاد، وما حصل في مصر هو تولي شخص إسلامي لديه قناعات بأن الإسلام هو الذي سوف يخرج مصر من الحالة المزرية التي تعيشها، وهذا ما يخيف العلمانيين وغيرهم هناك، لأنه في حال بدأ هذا النظام يستقر فسوف تقفل مؤسساتهم التي يدعمها أعداء الأمة ويعتاش منها زمرة كبيرة من شياطين الإنس، وأتباعهم، فهي أشبه بالنظام المصري السابق، كان له دائرة محيطة به وأتباع يستنفعون من بقاءه ولما رحل انتهت مشاريعهم.

هذه الزمرة من البشر في عالمنا العربي تعتقد أنها من أصحاب القيم، ونرى أتباعها يقولون: إن الإسلام لا يجب أن يطبق بهذا الشكل، فهو يصلح للمسلمين لكن لا يصلح لغير المسلمين، إذا كانت ديانات الأرض كلها تقول بأن الله سبحانه وتعالى خالق لكل شيء في هذا الوجود، أليس هو أعلم بخلقه؟! الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون والحاكمية له فيه، وهم يريدون أن تكون الحاكمية لهم، هذا ما أستطيع فهمه حتى اللحظة، ويريدون أن ينازعوا الله في ملكه!

للذين لا يعلمون معنى الأيديولوجية؛ فهي نظام من الأفكار تتصف بالانسجام والتكامل بخصوص الحياة البشرية بمجالاتها المختلفة وأوجهها المتعددة، تتبناها مجموعة من الأفراد تعمل على تحويلها إلى نظام واقعي(عملي) من خلال السلطة. وبخصوص مسألة فصل الدين عن السياسة فإنهم لا يريدون أن يقوم رجل الدين بغض النظر عن ديانته بإدارة سياسة الحكومة في بلاده أو توجيه اقتصادها أو غيرها من الأمور، ويريدون له أن يبقى في مكان عبادته فقط ولا يخرج منه، وكأنه حيوان مؤذي لا يريدون أن يخرج على الناس فينشر الخوف بينهم!

قرأت مقالة لأحد الكتاب العرب، وللأسف لم أذكر اسمه قال في هذا الشأن: "إن رجل الدين مواطن، ومن حق المواطن أن يكون سياسياً، فلماذا يصر البعض على أن ينصرف رجل الدين للأمور الخاصة بالعبادة والإرشاد والوعظ ويحرمه من هذا الحق؟!".

لماذا دائما نقارن التدين بالتخلف والعلمانية بالتطور؟! الطبيعة البشرية مجبولة بحب السلطة وتدافعها نحوها، وكذلك الرغبة في السيطرة على كل مفاصل الحكم، والأحزاب الإسلامية جزء من هذه الطبيعة البشرية، وهي أشبه برجل تاه في الصحراء فلم يجد إلا ناقة توصله إلى أقرب نهر ليشرب منه، مع العلم بأننا في عصر الطائرات، لكن فرصة الإسلاميين للوصول إلى حكم لم يكن لها وسيلة سوى الديمقراطية؟ وحينما كانت العلمانية تحكم وتسيطر على كل شيء لم تكن زعاماتها تعيب على نفسها الاستئثار بالسلطة لكنها اليوم تفتح جبهات ضد الإسلاميين، والمستفز في الأمر حينما يتحدث أبله عبر وسيلة إعلام وتشعر بالرغبة في صفعه بالحذاء على وجهه، لأنه يعتبر نفسه مواطناً صالحاً وهو الوحيد الذي يمكن أن يحكم البلاد بينما ينظر للإسلاميين على أنهم من الطبقة الدنيا في المجتمع الذي صنفته لهم العلمانية منذ زمن، بل ولربما تصل هذه النظرة إلى أنهم غير بشر ولا يستحقون الحياة، أليس هم مواطنين مثلهم مثل غيرهم؟ فلماذا لا نعطيهم حقهم في الحكم وننظر النتائج وإن أخطأ المسيء في تصرفه فإن الناقة يمكن تركله من على ظهرها قبل أن يصل النهر.

إن تاريخ السلطة في العالم يؤكد أنها تعلن أشياء وتخفي أشياء أخرى، وأن لها وجهين، وجه يبشر بقيم إنسانية وأخلاقية مصاغة في إيديولوجية تتقبلها الناس، ووجه يمارس الاستبداد والقهر والحرمان ضد المتبنين لأيدولوجيات أخرى، لكن الإسلام هو السلطة الوحيدة التي أنصفت البشر لأن الذي وضع نظام الحكم هو خالق البشر وليس بشرياً منهم ينتمي إلى عرق أو تيار معين يريد فقط استغلال السلطة في نصرة تياره، الإسلام جعل الحاكم خليفته في الأرض ينفذ شرعه في خلقه ورعيته أي كان دينهم أو توجهاتهم، وإن كان الحاكم فاسدًا فإن القرآن عالج هذه القضية، فلا طاعة لأحد في معصية الخالق.

البعض أيضا يقول: إن علماء الدين يعطون الحق لأنفسهم بفرض الأمر الواقع على الناس، لكن برأيي إن الأمر مخالف بذلك تمامًا، بغض النظر عن القدر الكبير من الرفعة الذي يحصل عليه العلماء في ديننا، وأن وضعهم القرآن الكريم في مرتبة النجوم في السماء وجعلهم ورثة الأنبياء فإنه لم يقل أنهم يتملكون رقاب الناس، ولكن كل ما في الأمر أن أعلم الناس بأمور دينهم يقوم بتوجيههم، والله عز وجل لا يحاسب الناس على أفعال غيرهم، ولكن يحاسب العلماء على ضلالة مجتمعاتهم إذا قصروا في ذلك، وهو أشبه بأن يكون مثل توجيه الأب لأولاده؛ لأنه أكثر خبرة منهم، ويريد أن يسلكوا مسلكًا صحيحًا، أم الأفضل أن يتركهم مثل قطيع أغنام ليس له راعي، وكأنها سنة كونية، إذا زرعت واعتنيت بزرعك ستحصد جيدًا، وإذا لم تفعل فستموت جوعاً.

الإسلام لم يشرع قتل الناس إذا لم يسلموا، ولكن أمرهم بإعطاء الدولة الإسلامية حقها إذا كانوا يقيمون في رعايتها؛ لأنها هي المسؤولة عن توفير الأمن لهم والصحة والتعليم، كذلك فهو عادل في ذلك، وحينما تدخل الدول التي تجعل من العلمانية مصدرًا لحكمها في حروب فإنها لا تفرق بين طفل وكهل وما حدث في أفغانستان والعراق وحتى في نزاعات الأوروبيين في بداية العقد الماضي كان لنا برهان على جرمهم وسوء أخلاقهم.

يعاب على الديمقراطية الكثير لأنها تعطي الحق للجاهل بأن يقرر مصير العاقل وهذا ما يجري في الانتخابات، أما الإسلام فإنه يجعل صفوة النخب في الأمة هم من يقررون الطريق الصحيح لها استنادًا لما شرعه القرآن الكريم، وما جعلهم الصفوة درجات علمهم، وهم يوجهون الناس بالقرآن وليس بما تأتي به عقولهم.

بأي حال أقول لفريدة النقاش: إن القيم التي تدعين بحسن بهائها أنت وأمثالك ممن دخلوا في عباءة فلاسفة أوروبا لا أرها سوى وسائل تجتمع لغاية واحدة، وهي تدمير الإسلام، فأمريكا التي تحكمها الكنيسة سرًا لا تريد أن يحكم المسلمين شرع الخالق الذي يوحدهم. وما يجب علينا نحن المسلمين فعله هو محاربة هذه الظاهرة لأن زمانها قد انتهى، والإسلام لا يجب أن نحمله أخطاء الجاهلين الذين يعملون باسمه بالإضافة إلى ضرورة التنبه لمن هم من أعدائه ويستغلون اسمه لتشويه صورته، الإسلام منهاج الكثيرين يجتهدون لتطبيقه لكن منهم من يخطئ ومنهم من يصيب.

أنا مع التدرج في تطبيق الشريعة في مصر وتونس وغيرها من الدول، لأن السلم الثقافي العربي في أدنى مستوياته، ومع وجود العراقيل فإننا بحاجة إلى الصبر، فرجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا لم ينشر تعليم القرآن في المدارس إلا بعد أكثر من عقد من حكم هذه الدولة التي كانت تحكمها العلمانية لعقود طويلة. والله غالب على أمره.


أحمد أبو دقة