ما كشفت عنه الثورة السورية

منذ 2013-07-02

طال أمد هذه الثورة وقد أثخنت سوريا بالجراح، وذاق أهلها التشريد والعيش في الخيام، ولعل في ذلك بعض الحكم والعبر، فقد كشفت هذه الثورة عن المخبأ، وعن السرائر والضغينة عند فريق من الناس، وعن زيف ادعاءات دول وأحزاب كانت تدعي البطولات ومحاربة الأعداء، كشفت عن المنافقين الذين في قلوبهم مرض يظنون أنه ربما يبقى النظام.


طال أمد هذه الثورة وقد أثخنت سوريا بالجراح، وذاق أهلها التشريد والعيش في الخيام، ولعل في ذلك بعض الحكم والعبر، فقد كشفت هذه الثورة عن المخبأ، وعن السرائر والضغينة عند فريق من الناس، وعن زيف ادعاءات دول وأحزاب كانت تدعي البطولات ومحاربة الأعداء، كشفت عن المنافقين الذين في قلوبهم مرض يظنون أنه ربما يبقى النظام.

بعض اليساريين في البلاد العربية وبعض الذين ينادون بالقومية العربية -والحقيقة ليس فيهم حس العروبة- هؤلاء أعمى الحقد على الإسلام قلوبهم وأبصارهم فراحوا يؤيدون نظاماً؛ مجرماً عاتياً لايعرف إنسانية، ولا أخلاقاً، ولا عروبة. هؤلاء يعيشون على شعارات الدجل والنفاق عن المقاومة والممانعة ومجابهة أمريكا، شعارات كاذبة ليس لها رصيد من الواقع، ولاشك أن بعضهم من المرتزقة للنظام. خرجوا في عمان والقاهرة يؤيدون نظاماً يقتل شعباً عربياً مسلماً، نظاماً يهدم المدن والقرى على رؤوس أصحابها، هل كل هذا كرهاً للإسلام؟! لاشك إنهم لايعقلون في كل زمان ومكان.

كشفت هذه الثورة عما يسمى حزب الله في لبنان على حقيقته، هذا الحزب الذي يتستر بالمقاومة لتنفيذ مآرب إيران في المنطقة، وهو يشارك الأن في قتل أهل السنة في سوريا، هذا الحزب الذي انخدع به الكثيرون في كل البلاد العربية، وذلك لضعف الوعي الديني والسياسي، وأخشى أن لوعاد الحزب إلى ألاعيبه ومسرحياته مع "إسرائيل" لعاد أمثال هؤلاء لتأييده، إيران التي صنعت هذا الحزب هي التي تتحالف سراً مع الصهيونية، ومع أمريكا لتحقيق أهدافها التوسُّعية -انظر كتاب (تحالف الغدر)، (العلاقات السرية بين إيران)، و(إسرائيل وأمريكا) لـ تريتا بارس-، إيران التي انخدع بها قيادات من بعض الحركات الإسلامية ومايزال البعض على صلة بها.

كشفت هذه الثورة عن وجود خلل كبير في بنية المجتمعات العربية؛ ففي أحد البلدان اشتكى أهلها من كثرة الوافدين السوريين، وكأن هؤلاء السوريين سيقطعون أرزاقهم، ولا يتذكر أهل هذا البلد أن السوريين استقبلوا كل العرب في أيام المحن، فأين الأخوة الإسلامية، بل ونقول وأين النخوة العربية.

ومن هذا الخلل أن بعض الناس يشككون في هذه الثورة، لأن الجهل بالنظام السوري ومن أين أتى بشار وأبوه قد غطَّى على عقولهم و(الجزيرة) و(العربية) مشبوهتان بنظرهم، وأوروبا تؤيد الثورة -تؤيدها بالكلام-، إذن النظام يتعرض لمؤامرة، هم مصابون بعقدة الغرب، وسطحية باردة تظهر كم هي هذه الفئة مضللة مسحَّرة، والواجب على العلماء والدعاة تصحيح عقول هؤلاء ويبينوا لهم خطر الباطنية؛ لأن هذه الفئة لاتعرف من الذي يحكم سوريا، ومن الذي باع الجولان في حرب 1967.

كشفت هذه الثورة عن جزء من المجتمع السوري من ضعفاء الإيمان؛ الذين يقفون وقفة المتفرج ينتظرون لمن تكون الغلبة فينحازون إليه، وجزء باعوا أنفسهم للشيطان وسخَّروا أنفسهم للنظام، يتجسسون على الشرفاء الأحرار الذين يريدون إزاحة الظلم والطغيان، كل ذلك في سبيل حفنة من المال، أو مقابل مجرد التقرب من النظام، إنه مؤشر على قدرة الأنظمة الإستبدادية في تخريب الإنسان في دينه وأخلاقه. إنها ظاهرة لافتة للنظر ليس لأصل وجودها فهي موجودة في كل مجتمع ولكن لهذه الكثرة الذين يبيعون دينهم وضمائرهم وارتدوا إلى أسفل سافلين، وقد وجد مثل هذا في الإنتفاضة الفلسطينية. لماذا يوجد مثل هذا العدد من أبناء جلدتنا؟ هل هو ضعف في التوجيه الديني أو التعليمي؟ أم هو بسبب الاستبداد الذي يؤدي إلى حالات من اليأس، والإحباط، والفقر؟ وتعلم الناس من هذا الاستبداد الكذب والاحتيال، إنها مجتمعات تحتاج إلى إعادة البناء.

وأخيراً كشفت هذه الثورة عن تخاذل أكثر الدول العربية عن نصرة الشعب السوري وهذا موقف لن يشرفها وسيكون صفحة سوداء في تاريخها. إن الشعب السوري لن يبكي كما بكى الشاعر أبو المظفر الأموي السفياني وهو يستنهض الأمم لنصرة الشام عندما غزاها الصليبيون ويقول:

 


وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم *** ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومـهم الروم الهــوان وأنتم *** تجرون ذيل الخفض فعل المسالم


لن يبكي الشعب السوري ولكنه يطالب المسلمين والعرب أن يكون لهم موقف مشرف ضد الظلم والطغيان.


 

محمد العبدة

رئيس تحرير مجلة البيان الإسلامية سابقًا وله العديد من الدراسات الشرعية والتاريخية.