سلوكيات خاطئة في رمضان

منذ 2013-07-15

اعتاد كثير من الناس -للأسف- على سلوكيات خاطئة يمارسونها سنوياً في شهر رمضان، حتى صارت عادة لهم، لا ينفكون عنها، وهي من العادات السيئة التي ينبغي للمسلم التخلص منها.

 

اعتاد كثير من الناس -للأسف- على سلوكيات خاطئة يمارسونها سنوياً في شهر رمضان، حتى صارت عادة لهم، لا ينفكون عنها، وهي من العادات السيئة التي ينبغي للمسلم التخلص منها، ومن تلك السلوكيات الخاطئة:

السهر:
إن وقت المسلم وقت ثمين جدًّا، سواء في شهر رمضان أو غيره، ولا مجال فيه للمسلم الجاد أن يقضيه في اللهو والسهر الفارغ الطويل، وفي السهر بالليل تضيع الفرائض بالنهار، أو تتأخر عن وقتها، أو يقل فيها الخشوع، ويفوّت المسلم على نفسه وقت البكور وما فيه من خير، وتضيع لذة الصيام، والشعور بالحكمة من مشروعيته من مجاهدة النفس، والشعور بالجوع، وتذكّر الفقراء والمحتاجين، وتذكر نعمة الله عليه بالطعام والشراب التي يتمتع بها طيلة العام، ثم تحجب عنه في هذه الأيام القليلة.

قال ابن مفلح: "واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، فكم يضيع الآدمي من ساعات، يفوته فيها الثواب الجزيل، وهذه الأيام مثل المزرعة، وكأنه قد قيل للإنسان: كلما بذرت حبةً أخرجنا لك ألفاً، هل يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر أو يتوانى؟" (1)، وقال علي محفوظ: "ومن سيء العادات إضاعة الناس الأوقات الفاضلة، واشتغالهم بالبطالة، كما يكون منهم في ليالي شهر رمضان، فإنهم يلهون فيها بالسهر، وكله غيبة أو نميمة، وقد كان السلف رضوان الله عليهم إذا دخل عليهم ذلك الشهر تناكر بعضهم من بعض، حتى إذا فرغوا اجتمعوا، وأقبل بعضهم على بعض" (2).

قال ابن عثيمين: "فالرجل الحازم هو الذي يتمشى في رمضان على ما ينبغي من النوم في أول الليل، والقيام في التراويح، والقيام آخر الليل إذا تيسر.." (3)، فمن ابتلي بالسهر عليه أن يعمل جاهداً للتخلص من هذه العادة، وذلك بطلب العون من الله تعالى، ومحاولة تعويد النفس على النوم مبكراً، فإن النفس إذا عوّدت اعتادت، النفس كالطفل إن تهمله شب على حبِّ الرضاع، وإن تفطمه ينفطم.

كثرة النوم:
الوقت في رمضان رأس مال المسلم، ومضمار سباقه، وكنزه الثمين الذي ينبغي ألا يضيعَ منه، كما لا ينبغي أن يفوته فيما لا ينفعه، ولا يعود عليه بفائدة، ككثرة النوم في نهار رمضان، ففي النوم في النهار تضيع للفرائض المكتوبة، أو تأخريها عن وقتها، وفوات كثير من الطاعات والأوقات الفاضلة، فتضيع معها لذة الصيام، واستشعار حكمة مشروعيته، فيقضي المرء يومه دون أن يعيش حقيقة الصيام، ولا يدخل أثره إلى قلبه.
فيجب على المسلم أن يقضي نهار رمضان في قراءة القرآن، والتسبيح، وكثرة الذكر، والاستغفار، ومطالعة ما يفيده من الكتب النافعة، والعلوم المفيدة.

إضاعة الجماعة:
من السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها بعض الصائمين في شهر رمضان إضاعة الجماعة لعذر الكسل أو النوم، أو الاشتغال بما لا يجدي نفعاً، وليعلم مضيع الجماعات أنه بذلك يضيع عليه الصلاة في أفضل بقاع الأرض وهي المساجد، وأن عظم الأجر مع كثرة الخُطا إلى المساجد، وأن الملائكة تدعو له وهو ما زال في انتظار الصلاة، ويصلون على الصف الأول في الجماعة، وأن الشياطين لا تستحوذ عليه، وأن من خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله إن عاش رزق وكفي، وإن مات دخل الجنة، فأين كل هذا من مضيع صلاة الجماعة؟

كثرة الأكل:
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26- 27]. أصبح رمضان في أذهان كثير من الناس مقترناً بكثرة الأكل، وإنما افترضه الله على المسلمين ليضيقوا على الشهوة مساربها، ويضيعوا على النفس الأمارة مآربها.

قال أبو حامد الغزالي: "لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه، فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال، وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله، وكسر الشهوة، إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره؟! وربما يزيد عليه في ألوان الطعام، حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر" (4).

قال ابن عثيمين عن ظاهرة التهافت على الأطعمة في رمضان: "أرى أن هذا في الحقيقة يتضمن إضاعة الوقت، وإضاعة المال، إذا كان الناس ليس لهم هم إلا تنويع الطعام، والنوم في النهار، والسهر على أمور لا تنفعهم في الليل، فإن هذا لا شك إضاعة فرصة ثمينة، ربما لا تعود إلى الإنسان في حياته، فالرجل الحازم هو الذي يتمشى في رمضان على ما ينبغي من النوم في أول الليل، والقيام في التراويح، والقيام آخر الليل إذا تيسر، وكذلك لا يسرف في المآكل والمشارب.." (5).

الانشغال في إعداد الأطعمة:
إن الانشغال في إعداد أنواع الأطعمة المختلفة مما يضيع الوقت في شهر رمضان المبارك، فرمضان ليس شهر أكل وشرب، وانغماس في إعداد الأطعمة، وإنما هو شهر عبادة وطاعة، وقرب من الله تعالى، فعلينا تفريغ أكبر قدر من الوقت للعبادة، وقراءة القرآن، وذكر الله عز وجل، والدعاء وغير ذلك، وهذا يخالف سر الصيام، وهو التخفف من المطعومات، لكن بعض الناس يحسب الفطور والغداء والعشاء، ثم يقضيه مرة واحدة، فيهيئ حتى تصبح بعض البيوت كأن فيها حرائق، يبدءون بعد صلاة الظهر، هذا للإفطار، وبعضهم يبدأ من وقت الضحى؛ ليكون كمن أهدى بدنة في الساعة الأولى، فتجد البيت في حالة استنفار وطوارئ، ثم تُعرض الموائد، وهذا فيه ما فيه من: إشغال النفس عن مطلوبها وهو الله عز وجل، والتبذير والإسراف، وإرهاق أهل البيت، حيث يقضون معظم وقتهم في الطبخ بعيداً عن قراءة القرآن، والتسبيح، والاستغفار.

وليعلم الجميع بأنَّ كلنا راعٍ، وكلنا مسؤول عن رعيته؛ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ، ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها..» (6).

إضاعة الأوقات بسماع البرامج والألعاب:
في شهر رمضان وهو شهر العبادة والذكر والصلاة والدعاء، نجد بعض الصائمين من يلعب ألعاباً أقل أحكامها الكراهة، مثل لعب البلوت، والإسراف في لعب الكرة، وكذلك ألعاب يزعمون أنها مسلّية تضيّع الوقت، وتفني الساعات في غير منفعة، قال الغزالي رحمه الله: "رُوي عن الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون، فقال: إنَّ الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلّف أقوامٌ فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء، لاشتغل المحسن بإحسانه، والسيّئ بإساءته"، أي: كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسدّ عليه باب الضحك (7).

تأخير الإفطار بلا عذر:
نجد في شهر رمضان أن هناك الكثير من الصائمين يؤخرون الإفطار ومخالفين بذلك كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] يقتضي الإفطار عند غُرُوب الشمس حكماً شرعياً"، عن أبي الدرداء رضي الله عنه رفعه قال: "ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة" (8). وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" (9).

قال النووي رحمه الله: "فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس، ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه" (10)، وقال المناوي رحمه الله: "أي: ما داوموا على هذه السنة، لأن تعجيله بعد تيقن الغروب من سنن المرسلين، فمن حافظ عليه تخلق بأخلاقهم، ولأن فيه مخالفة أهل الكتاب في تأخيرهم إلى اشتباك النجوم، وفي ملتنا شعار أهل البدع؛ فمن خالفهم واتبع السنة لم يزل بخير، فإن أخر غير معتقد وجوب التأخير ولا ندبه فلا ضير فيه، كما قال الطيبي أن متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي الطريق المستقيم، ومن تعوج عنها فقد ارتكب المعوج من الضلال ولو في العبادة" (11).

الفطر مع عدم التيقُّن من الغروب:
نجد في شهر رمضان أن هناك من الصائمين من يتعجل الإفطار دون التيقن من غروب الشمس، مخالفين بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعراً، فقالا لي: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت، حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عويّ أهل النار، ثم انطلق بي، فإذا أنا بقومٍ معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم» (12)، قال ابن حزم رحمه الله: "من أكل شاكًّا في غروب الشمس أو شرب فهو عاصٍ لله تعالى، مفسدٌ لصومه" (13)، وقال ابن القيم رحمه الله: "إذا شك الصائم في غروب الشمس لم يجزله الفطر، ولو أكل أفطر) (14).

تعجيل السحور:
نجد في شهر رمضان أنَّ هناك من الصائمين من يتعجل السحور، دون النظر إلى سنية تأخيره، مخالفين بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه رفعه قال: "ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور..." (15)، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الآذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" (16). وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" (17). فتأخير السحور هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تعجيله مخالفة صريحة له.

--------------------

(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (4/128).
(2) الإبداع في مضار الابتداع (ص381) بتصرف واختصار.
(3) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) (19/174).
(4) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/174).
(5) إحياء علوم الدين للغزالي (1/235).
(6) رواه البخاري (893)، ومسلم (1829).
(7) إحياء علوم الدين للغزالي (1/236).
(8) رواه الطبراني كما في (مجمع الزوائد) للهيثمي (2/108).
قال الهيثمي: (رواه الطبراني في الكبير مرفوعا وموقوفا على أبي الدرداء والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه)، وحسنه السيوطي في (الجامع الصغير) (3443)، وصححه الألباني في (صحيح الجامع) (3038).
(9) رواه البخاري (1957)، ومسلم (1098).
(10) شرح صحيح مسلم) للنووي (7/208).
(11) فيض القدير للمناوي (6/450) .

(12) رواه النسائي في (السنن الكبرى) (2/246) (3286)، وابن خزيمة (3/237) (1986)، وابن حبان (16/536) (7491)، والطبراني (8/155) (7666، والحاكم (1/595)، والبيهقي (4/216) (8263).
قال المنذري في (الترغيب والترهيب) (3/260): لا علة له، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (1/81): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في (صحيح الترغيب) (1005)، والوادعي في (الصحيح المسند) (483) وقال: على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(13) المحلى لابن حزم (6/230).
(14) بدائع الفوائد لابن القيم (4/384).
(15) رواه الطبراني كما في (مجمع الزوائد) للهيثمي (2/108).
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير مرفوعاً وموقوفاً على أبي الدرداء، والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه"، وحسنه السيوطي في (الجامع الصغير) (3443)، وصححه الألباني في (صحيح الجامع) (3038).
(16) رواه البخاري (1921)، ومسلم (1097).
(17) رواه البخاري (1920).
 

المصدر: الدرر السنية