حصرياً في رمضان
مصيبة عظيمة وخسارة جسيمة لمن ضيع ساعات شهره في الترهات، وفرط بدقائق عمره في الملهيات.
أقبل شهر الجود والإحسان، والرحمة والغفران، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، فطمع في رحمة الله المتنافسون، ورغب في مغفرة الله المحسنون.
فكم في رمضان من تكفير السيئات ومغفرة الخطيئات، وكم في رمضان من رفعة الدرجات وزيادة الحسنات.
في كل عام لنا لقيا محببة *** يهتز كل كياني حين ألقاه
بالعين والقلب بالآذان أرقبه *** وكيف لا وأنا بالروح أحياه
لكن في خضم تلك الأجواء الإيمانية، وفي ظلال تلك النفحات الربانية، لازالت دهاليز الفضائيات تروج بضاعتها، وتبث سمومها، وتشيع رذيلها بأثمان باهظة، للظفر بإحدى البرامج المقيتة التي نالت من الشهرة مبتغاها ومن الصيت أعلاها، ليلتف الناس حولها عاكفين، وعلى متابعة جديدها مترقبين.
كل ذلك لينالوا حظاً دنيوياً وغروراً زائفاً ومالاً وفيراً فويل لهم مما صنعت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
عجباً والله من ذلك السيل الجارف من المسلسلات، وأسفاً والله من ذلك الكم الهائل من البرامج والمسابقات، لكن تلكم الغرابة لن تجد مأوى لها إذا علمتم أن أرباب هذه البرامج الهدامة قد عكفوا في تجهيزها وإعدادها عاماً كاملاً يكدحون ليل نهار ويعملون صباح مساء كل ذلك لترويج بضاعتهم، وتسويق منتجهم في هذا الشهر الفضيل.
وإن تعجب فعجب قولهم: حصرياً في رمضان! فلم لا يكون حصرياً في شعبان؟! لم لا تعرض تلكم المشاهد في شهر سوى رمضان؟! هل أصبح شهر رمضان مرتعاً خصباً للمشاهدة؟!
هل صار رمضان فرصة سانحة للربح والمتاجرة؟ إننا نعلم جميعاً أن من يق? أمام هذه الشاشات صامتاً متفرجاً ضاحكاً مصفقاً، أن هؤلاء كان لهم الأثر الفعال في ازدحام الفضائيات بتلكم البرامج الهدامة.
فلقد أصبحت أوقات المشاهدين في رمضان ساحة للإعلام المضلل لإشغالها فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
أما علم هؤلاء المشاهدين أن ليلة من رمضان هي فرصة عظيمة للعتق من النيران.
أما علم هؤلاء المتفرجين أن لحظة من رمضان هي غنيمة باردة للفوز بالجنان، ألا فاغتنموا شهركم وأعدوا له عدته واقدروا له قدره: « » قيل: من يا رسول الله؟ قال: « ».
مصيبة عظيمة وخسارة جسيمة لمن ضيع ساعات شهره في الترهات، وفرط بدقائق عمره في الملهيات.
أحسب أننا مع ذلك التنافس المشئوم بحاجة ماسة لتنافس محمود في قنوات فاضلة، تقدم برامج هادفة، تدعو للفضيلة، وتنبذ الرذيلة، وتسموا بالمبادئ الرفيعة، لتضمد لنا جراح ما يخلفه الإعلام المضلل.
لكن رجاءنا وطمعنا أن يصبح إعلامنا الإسلامي إعلاماً نبيلاً ينشد له الجماهير، وينجذب له الملايين، ولن يكون كذلك إلا بمسابقة الزمن، وتحدي المصاعب، وسمو المقاصد عندها سوف نرى ما تقر به العين ويفرح به الفؤاد.
ونحن مع ذلك كله مؤمنون أن المدافعة بين الحق والباطل من سنن الله الكونية، وأقداره الحتمية، وصدق الله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
محمد الشهري
- التصنيف: