سوريا وأبوابها المفتوحة

منذ 2013-08-25

لتفتح سوريا جميع أبوابها وليضع المثبطون جميع الخيارات السوداوية فلا بديل عن الجهاد ونحن ليس لدينا إلا باب واحد وهو ما أمرنا الله به من نصرة المستضعفين فإن فعلنا ذلك فليمُكنن الله عباده المخلصين.

 

بدا العالم وكأنه مسلوخ من الإنسانية يكتنفه الغموض وتدفعه المصلحة المادية يسير بلا قانون وقانونه مسيّر.
المشهد السوري الصارخ بالدماء والأشلاء لم يحرك ساكن الأمم المتحدة، بل سكّن المتحرك منها، باختصار لم تبق على المنظمات الدولية والمتفيهقين علينا بالإنسانية قطعة لباس واحدة تُوارِي عوراتهم.

سوريا بعامها الثالث الدموي وما زال من يُعوَّل عليه الرأي لا يصل إلا بعد انقطاع النفس، ولا أقول متأخرًا.
ولنبدأ مؤخرًا كيف طاب لعلماء الأمة أن يعلنوا الجهاد بعد المخاض الشديد الذي تعرض له المجاهدون، وبعد أن قدموا آلاف الشباب الذين هم زينة الحياة، وبعد أن هتك النظام آلاف الأعراض وقطع حبل الوريد من الطفل الذي لم يفطم.

المشهد السوري يلح علينا بالسؤال في كل حين.. لماذا؟ وكيف؟ وإلى متى؟
وهذه الأسئلة وإن كانت حرجة علينا إلا أنه سيكون وقعها علينا في القابل كوقع السكين.
الأسئلة أكبر من أن يجيب عليها واحد، بل أكبر من أن تجيب عليها مراكز البحوث فالعَرض لم ينته، والعدو يعدنا بالكثير، وهذا التخاذل الشديد له أهداف منها:
- إضعاف القوة العسكرية في المنطقة العربية وإشغالها ببعضها وتأجيج الصراع فيها؛ لأن النتائج كلها تصب في صالح واشنطن كما ترى هي.
- تحريك الركود الذي منيت به شركات السلاح، وتعجيل سير شركات الدواء، وحثّ القوى المتنازعة على تقديم التنازلات تلو التنازلات؛ لأن الأكثر تنازلًا هو وحده من يليق دعمه.
- البحث عن الإثارة ويبدو هذا مضحكًا إلا أن الإثارة هذه من شأنها أن تفيد أمريكا داخليًا وخارجيًا، فصراعاتها الداخلية يضعف أوَرُاها ويقل شرَرُها، والخارجية التي تتجه نحو بوصلة الخنوع للقوة البشرية التي لا مثيل لها في أي دولة أخرى، وإلى غير ذلك مما كتب فيه أهل التخصص.

وعودًا على بدء، فأبواب سوريا القلقة مفتوحة لأي نتيجة مزعجة أو غير مزعجة، لكننا نحن الذين ننطلق من منطلق الدين والعقيدة أولًا والعروبة وأنفة الضيم ثانيًا، ليس لدينا بديل عن المقاومة والجهاد حتى ولو بأيدينا العارية كما قالها أحد الثوار، لذا يبدو من الرعونة أن نُخوَّف بالعواقب ما دمنا لا نخاف سوى الله، ومن الجيد أن نصف هؤلاء بالمرجفين الذين لم يبدأ إرجافهم باستعداد الولايات المتحدة لتسليح المعارضة عقب إعلان العلماء الجهاد، بل من أول يوم ظهرت فيه طلائع الجهاد التي هي من الداخل أو جاءت من الخارج نصرة للمستضعفين.

* حسنًا أيها المرجف فما هي الأبواب؟
يقول: "الاستمرار في هذا الصراع يؤجج الطائفية، ويزعج ويهدد الدول المجاورة، وهو نذير شؤم في حال تدخل قوى استعمارية غربية، ويضعف دولة مقاومة ولو شكليًا لإسرائيل، ونخشى من تكرار المشهد العراقي، ونخشى من عودة هؤلاء المقاتلين إلى ديارنا ليقاوموا أنظمتهم مجددًا، وهؤلاء لهم أطفال وأهل فلا يجوز التغرير بهم إلى غير ذلك...".
والجواب أولًا: عندما يعتدي طائفي عليك ويسلب مالك وينزع روحك ويهتك حرمتك فمن غير اللائق بعقل بشري أن يصف المقاوم لهذا العدوان الصائل بالطائفية؛ لأنه حق مشروع في كل كتاب وعند كل دين، فعند تنديدك بالطائفية المزدوجة من الشيعة تجاه السنة ومن السنة تجاه الشيعة وصبها على المشهد السوري تكون في غاية الحمق، وتكون كلمتك كلمة حق أريد بها باطل.

فكيف إذا كنا لا نسمع مثل هذه الكلمات إلا عندما تظهر المقاومة السنية؟ فتاريخ إيران الذي تقيأ طائفية لم نسمع لك كلمة عنه وتاريخ النظام السوري ونوري المالكي الذي يسبح في الطائفية لم نسمع لك تنديدا به، لذا يؤسفني أن أخبرك بأنك مركوب لهذه الأنظمة الجائرة لتسيير عدوانها على المستضعفين، والتاريخ يشهد أن هذا الصراع بين السنة والشيعة لا ينشأ إلا من تمتع الشيعة بالقوة والغلبة علينا وإذا كنا نعتبر التشيع أحد أعدائنا فإننا العدو الوحيد لدى الشيعة! أفهمت؟

ثانيًا: الدول المجاورة لم تفعل المطلوب منها ولا المنوط بها من دولة ذات سيادة وقوة وغلبة، بل صارت دولنا موظفة يُملَى عليها ما يُراد لها لا ما تريد شعوبها، فهي أصلًا دول يعاني شعوبها من قهرها وظلمها وفجورها، والظالمون بعضهم أولياء بعض، حتى أنها لم تبد اعتذارًا مقبولًا عن عدم مساندتها لهذا الشعب المسكين بل اكتفت بترديد الحياد الخسيس.

ثم إن هذه الدول معنية بسقوط هذا النظام؛ لأن انتصاره خطر عليها حيث أن هذا النظام يتوعد كل من لم يقف معه، فكيف إن كانت هذه الدول تدعم هذه المعارضة دعمًا طفيفًا هزيلًا؟ وهو رسول لإيران ويد لها وهي التي تهدد دول الجوار لذا حيادها مخالف للدين والعقل السليم.

ثالثًا: التخويف بالغزو الصليبي المختبئ خلف دعم المعارضة فالجواب عليه: أننا في الحقيقة مستعمرون شئنا أم أبينا تُسيّرنا الدول الغربية كما تشاء، فما معنى أن تدخل مرة أخرى بشكل آخر؟ وهذا ليس تأييدًا لتدخلها بل إني كافر بكل تدخل غربي، ثم إن طلب الدعم الأمريكي لم يقله مجاهد واحد نعم تفوه به بعض الثائرين أو المنتفعين وسيحتمل عاقبة هذا الطلب.

نحن لا نخاطب أمريكا ولا نخاطب الدول الغربية الظالمة، نحن نخاطب الدول المعنية بشأننا وهي الدول العربية والإسلامية أن تنزع قبضتها عن الشعوب العربية الأخرى لتأخذ حقها في تسليح ودعم المعارضة ونحن لا نريد لها حرجا من النظام ولا من العالم بأن تتدخل بجيشها وسلاحها الهزيل بل نطلب كف الأذى عن الشعوب المسلمة والسماح لها بدعم الثورة، لكن حتى هذه لا تستطيعها الدول الإسلامية.. فوا أسفاه.

رابعًا: وأما تخويفك من ضياع المقاومة الشكلية لإسرائيل فنحن لا نوافقك حتى على اعتبارك أنها شكلية، فهي حامية لإسرائيل وهي متاجرة بقضية فلسطين، وهي في أصلها ونظامها تحارب الله ورسوله وكل أشكال التدين فماذا نرجو من نظام كافر بالاعتبار الشرعي؟! إنّ استرداد فلسطين إذا جاء من طريق هؤلاء فهو احتلال آخر سيكلفنا جهودًا مضاعفةً لاسترداده من أيديهم فقد أثبت التاريخ أن اليهود الملاعين أهون منهم وأقل شرًا وضررًا.

خامسًا، وسادسًا: تكرار المشهد العراقي وعودة المقاتلين هؤلاء إلى ديارهم مهددين لأوطانهم أمر بعيد، وما يحصل في سوريا ثورة كالثورة الليبية وهي عملية تطهير كاملة لفروع الفساد، وهذا بعيد عن المشهد العراقي والذي صنعه المحتل الأمريكي وزرع فيه الفتنة وساند الشيعة وجعلهم حكامًا على أهل السنة، فحَدا استكبار الطائفة الشيعية إلى استضعاف أهل السنة وضيمهم وأكل حقوقهم وانتزاع أرواحهم وكل هذا بمباركة جنود الاحتلال! هذه ثورة لن تفسح المجال لأن يعلو طيف عليها دون طيف آخر وهي بعيدة عن الاقتتال الداخلي فيما بينها في حال الانتهاء؛ لأنها بالكاد انتهت من أفظع حادثة مرت على الأمة منذ عقود.

وهب مثلًا أن ظهر غلو من طرف معين كالقاعدة فإن الدول العربية الخاذلة هي التي تتحمل كامل المسؤولية؛ لأن القاعدة فزعت وساندت حيث ركن المجتمع الدولي لضغوط الأمم المتحدة وبذلت وضحت حيث اكتفى زعماء العرب بتعبئة كروشهم والاستمتاع في الخارج، ولئن صدر منهم غلط لا قدر الله فالثورة السورية أكبر من أن تعجز عن تداركه، وهل الحل أن يُمعن النظام ذبحا وقتلا وتشريدا ونقف كالجدران خوفا من تطرف مظنون؟

في الختام:
لتفتح سوريا جميع أبوابها وليضع المثبطون جميع الخيارات السوداوية فلا بديل عن الجهاد ونحن ليس لدينا إلا باب واحد وهو ما أمرنا الله به من نصرة المستضعفين فإن فعلنا ذلك فليمُكنن الله عباده المخلصين.
قال تعالى: {وَنُرِ‌يدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْ‌ضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِ‌ثِينَ} [القصص:5]. فإن صعد على أكتف المجاهدين صاعد واستثمر ضعفهم ليقطف الثمرة أو تدخلت قوى غربية خبيثة لتحول دون رفع راية لا إله إلا الله ولتُثبت في الحكم ما تريد وتنزع ما تريد فلا حول لنا ولا قوة إلا بالله، وهذا لن يُثْني العزيمة عن الجهاد أبدًا، ثم إن هذه القوى الغربية آيلة إلى الزوال والهلاك وفي كل يوم تزيد ضعفا ويزيد الله المؤمنين قوة، فأبشروا بالنصر والعز والتمكين أيها المسلمون عاجلا أم آجل، عليكم بذل السبب والباقي على المولى عز وجل.
 

 

داود العتيبي