مَن هم الخوارج... الثوار أم الانقلابيون؟

منذ 2013-08-30

ن الدماء التي سالت على أيدي الانقلابيين الخوارج يتحمل وزرها معهم من أفتاهم بجواز قتل المتظاهرين السلميين، ويا لها من مسئولية عظيمة بين يدي الله يحملها مَن يسوغ قتل النفوس بغير حق عبر فتاوى تؤول النصوص وتميل مع الهوى..


في كل فتنة ومحنة تمر بها الأمة فإن استخدام بعض أهل العلم الشرعي من قِبل مديري الفتنة يبدو واضحًا؛ إذ هناك دائمًا من الشيوخ من لديه الاستعداد لمساندة أصحاب القوة والسطوة وللتجاوب مع سيف المعز وذهبه، وتقديم التسويغ الفقهي للباطل الواضح. من ذلك ما هو منسوب للشيخ علي جمعة مفتي مصر السابق من اعتبار سلطة الانقلاب سلطة مشروعة، واعتبار المتظاهرين ضدها خوارج يجوز قتلهم والتنكيل بهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ونحب أن نُذكِّر الشيخ بأنه سبق أن اعتبر الثورة على المستبد المخلوع مبارك حرام، ودعا المتظاهرين حينها للرجوع إلى منازلهم في الوقت الذي كان المخلوع يتحدث فيه عن حقِّ التظاهر ويعترف بمطالب الثوار، حتى تنحَّى المخلوع عن السلطة بشكلٍ قانوني ونزل على إرادة الثوار الأحرار.


أما في الحالة الراهنة فالرئيس الذي تم الخروج عليه والانقلاب عليه هو رئيس منتخب في انتخابات حرة، ومن ثَمَّ فقد انعقدت له بيعة الأمة، وصارت طاعته واجبة ما لم يأمر بمعصية، وصارت منازعته والخروج عليه بالسلاح بغيًا وعدوانًا يلزم الأمة أن تتصدى له، وهو لم يتنحَّ عن منصبه، ولم يُسقطه الشعب في انتخابات حرة، إنما خانه وزير دفاعه مستغلاًّ وجود قسم من الشعب معارض له ولسياساته، فنازعه في حكمه وخرج عليه بالسلاح، واختطفه واختطف معه إرادة الأمة التي انتخبته.


ومن ثَمَّ فالحقيق بوصف الخوارج هم الانقلابيون ومَن رضي بخيانتهم، وهذا ما أكده حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»، وفي حديثٍ آخر قال صلى الله عليه وسلم: «وفوا ببيعة الخلفاء الأول فالأول»، وفي حديث عرفجة بن شريح عند مسلم أيضًا قال صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون بعدي هنات وهنات، فمن جاءكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه كائنًا مَن كان».

والأحاديث في هذا كثيرة يعلمها الشيخ علي جمعة وغيره من أهل العلم، ولهذا كانت فتاوى سائر العلماء والروابط العلمية والهيئات والاتحادات العلمائية في كل أنحاء الدنيا واضحة في التأكيد على أن الحاكم الشرعي لمصر هو الدكتور محمد مرسي، وأن ما جرى من انقلاب هو خروج غير مشروع، وأن على الأمة أن تنتصر للرئيس الشرعي، وأن المظاهرات السلمية المنددة بالانقلاب هي صورة من أعظم صور الجهاد، لأنها كلمة حق في وجه جائر مغتصب لإرادة الأمة، خصوصًا وأنها مظاهرات سلمية، لا يحمل المشاركون فيها غير إيمانهم بقضيتهم، ولا يمارسون غير حقهم الطبيعي والشرعي في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم، ويعلنون بكل وضوحٍ رفضهم للعنف، أو للانجرار إليه أيًّا كان حجم الاستفزاز العنيف الذي يمارسه الانقلابيون ضدهم.


لهذا فإن الدماء التي سالت على أيدي الانقلابيين الخوارج يتحمل وزرها معهم من أفتاهم بجواز قتل المتظاهرين السلميين، ويا لها من مسئولية عظيمة بين يدي الله يحملها مَن يسوغ قتل النفوس بغير حق عبر فتاوى تؤول النصوص وتميل مع الهوى، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]. وأملنا أن يفيق أهل العلم، وأن يراجعوا فتاويهم قبل أن يستغلها المجرمون لمزيدٍ من سفك الدم الحرام وعلى الله قصد السبيل.

-----------

د. عبد الرحمن البر
أستاذ علم الحديث في جامعة الأزهر الشريف