الشيخ عبد الحكيم السعدي يحذر من تقسيم العراق لأقاليم

منذ 2013-09-02

حذر الشيخ عبد الحكيم السعدي أحد علماء أهل السنة بالعراق من خطورة تقسيم الدولة العراقية لأقاليم، وأكد في رسالة وجهها إلى اللجان الشعبية وساحات الاعتصام في العراق أن حصر الخيارات بين الإقليم والمواجهة لا مبرر له، ومشددًا على أن خيار الإقليم مرفوض شرعًا، وأوضح الشيخ السعدي أن إقامة الإقليم تعد خطوة أولى لتقسيم العراق، مبينًا أنه لن يحول دون هيمنة المركز وحكومته على مجريات الأمور الهامّة كتقسيم الثروات والأمن والجيش والأمور الخارجية، وغيرها.. وفيما يأتي نص الرسالة..


حذر الشيخ عبد الحكيم السعدي أحد علماء أهل السنة بالعراق من خطورة تقسيم الدولة العراقية لأقاليم، وأكد في رسالة وجهها إلى اللجان الشعبية وساحات الاعتصام في العراق أن حصر الخيارات بين الإقليم والمواجهة لا مبرر له، ومشددًا على أن خيار الإقليم مرفوض شرعًا، وأوضح الشيخ السعدي أن إقامة الإقليم تعد خطوة أولى لتقسيم العراق، مبينًا أنه لن يحول دون هيمنة المركز وحكومته على مجريات الأمور الهامّة كتقسيم الثروات والأمن والجيش والأمور الخارجية، وغيرها.. وفيما يأتي نص الرسالة..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والآه، وبعد:
فإنه رغم أن -ما يطلق عليها اللجان الشعبية– تجاهلتني فلم ترسل لي بيانها المرقم (3) 19/5/2013، بينما أرسلته إلى من هم علماء وغير علماء من أطباء وغيرهم، ولعل السبب في ذلك هو معرفتهم سلفًا برأيي الذي لا يوافق توجهاتهم، رغم هذا فاني أرى أنه لزامًا عليّ أن أقول كلمتي الصريحة فيما استفتوا به غيري باعتباري أحد علماء العراق ويهمهم شأنه، إبراءً للذمة أمام الله تعإلى، فأقول:

أولًا:- إن حصر الخيارات في خيارين –المواجهة أو الإقليم– حصر لا مبرر له، ولا ينم عن تجرد في عرض المسألة، بل هو قائم على إرغام الناس ومنهم العلماء أن يختاروا ويفتوا وفق رغبة اللجان وتوجهاتهم، التي استشعرناها من خلال عرضهم على مدى أشهر لمسألة الإقليم، وتثقيفهم المعتصمين في بيان إيجابياته حسب نظرهم، بينما يغضون الطرف عن سلبياته ومساوئه، بل ولا يفسحون المجال لمن يريد بيانها على المنصات توصلًا إلى إقناع الرأي العام بأن الإقليم هو الحل.

ثانيًا:- أن خيار الإقليم مرفوض -في نظري- شرعًا لأنه:
1. روع أمريكي إيراني جاء الاحتلال لتنفيذه عبر الدستور البغيض، الغرض منه العبور إلى تمزيق العراق وتقسيمه وإضعافه، حتى لا يعود فاعلًا كما كان.
2. إن الإقليم لا يحل المشكلة القائمة حاليًا -كما يصور ذلك المروجون له- إذ إن المشكلة ليست بين السنة والشيعة شعبًا، لأنهم كانوا وما زالوا لحمة واحدة، فمنذ مئات السنين لم تحصل بينهم أية مشكلة طائفية عبر القرون الماضية، إنما المشكلة بين الشعب العراقي وبين ثلة من الخونة والمارقين والطائفيين الصفويين، ممن كلفوا بتنفيذ أجندة خاصة تخدم الاحتلالين الأمريكي والإيراني من أجل القضاء على وحدة العراق وتماسكه، والاستيلاء على ثرواته وإضعاف قدراته، فظلموا وهتكوا وعاثوا في العراق فسادًا، لم يفرقوا في ظلمهم بين سني وشيعي أو مكون آخر، لكن كان نصيب أهل السنة من هذا الظلم والتهميش أكثر من غيرهم لأسباب يعرفها الجميع.

3. إن قيام إقليم سني في ظل هذا الدستور وهذه الحكومة يعني:
أ- الخطوة الأولى والهامة لتقسيم العراق.
ب- يبقى المركز وحكومته المهيمن على مجريات الأمور الهامّة كتقسيم الثروات والأمن والجيش والأمور الخارجية، مما يتيح للمالكي وأتباعه بالتدخل في الإقليم متى شاءوا وكيف شاءوا، وبذلك لن يحقق أهل الإقليم ما كانوا يأملون من الأمن والاستقرار والحياة الكريمة بحماية الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

4. إن قيام إقليم سني يعني بالنتيجة قيام إقليم شيعي في الجنوب، وهذا في ظل هذا الدستور وهذه الحكومة الطائفية يعني تمكين إيران والمدّ الصفوي من الجنوب، لأن الحكومة الطائفية ومعظم ملاليها وأحزابها تدين بالولاء المطلق بولاية الفقيه، وعمل كهذا والتسبب فيه خيانة لله ولرسوله وللوطن.

5. كما أن قيام إقليم شيعي في الجنوب يعني أن الملايين من أهل السنة الذين ولدوا وعاشوا وترعرعوا منذ مئات السنين فيه سيكونون تحت خيارات صعبة، فهم إما أن يهاجروا ويتركوا أراضيهم وممتلكاتهم وهذا تدمير لهم، وإما أن يبقوا تحت رحمة الحكومة الصفوية والحكم الفارسي أذلاء دون أن يستطيع أحد من أهل السنة إعانتهم والوقوف معهم، وفي ذلك من الانسلاخ من مبادئ الإسلام الحنيف التي أمرتنا بالتكاتف والتعاون كي نعيش أعزاء أقوياء، وإما أن يضطروا إلى الرضوخ لولاية الفقيه وترك مذهبهم، وكل ذلك يكون أهل الإقليم السني قد شاركوا في هذه الجريمة بالتسبب، وما يقال في سنة أهل الجنوب يقال في أهل السنة في بغداد البالغ عددهم نصف عدد السكان أو يزيدون.

6. أن قيام إقليم شيعي في الجنوب يعني التنازل لولاية الفقيه والفرس في الجزء الأهم من العراق؛ لأنهم سيحكمونه حكمًا فعليًا، وبذلك نكون قد فرطنا بالتسبب بإرث الدولة الإسلامية العربية التي فتحها المسلمون بدمائهم، وقدموا لها الغالي والنفيس حتى طردوا الفرس من أرض العرب، ثم يأتي دعاة الإقليم ليسلموها لهم على طبق من ذهب ليعيدوا هيمنتهم عليها من جديد، وفي ذلك خيانة لله ولرسوله وللأمة، وجريمة بحق الوطن الذي فتحه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا من أجله، فهل يملك دعاة الإقليم السني الحق في التنازل عن أرض فتحها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقابل قيام الإقليم السني؟!

7. إن قيام الإقليم السني يعني محاصرة أهل السنة من قبل إيران، فبعد أن كانت إيران تبعد عنهم مئات الكيلومترات وإذا بها تحكم قبضتها على الإقليم الشيعي في الجنوب، مما يجعلها ملاصقة للإقليم السني، وبالتالي فإن أهل السنة حوصروا حصارًا لا يمكنهم من أن يحققوا ما كانوا يصبون إليه من أمان واستقرار وتحقيق للهوية كما يزعم دعاة الإقليم.
8. لكل ما تقدم وغير ذلك من أسباب ومفاسد عظيمة في مقابل مصلحة موهومة، فإني أقول بتحريم الدعوة إلى الإقليم جملةً وتفصيلًا تحت ظل الدستور الفاسد والحكومة الطائفية.

ثالثًا: أما خيار المواجهة فإنه:
1. ليس هو الأصل في حل المنازعات بل ينبغي حلها سلميًا.
2. لكن إذا داهمهم العدو كان الواجب الدفاع عن النفس، ولا يخالف في ذلك أحد من أهل العلم.
3. كما أن المسلم له حق الدفاع عن النفس والعرض والمال، بل له الحق في انتزاع ذلك من الظالم بالقوة إذا استنفذت جميع الحلول السلمية، ولكن الذي يتخذ قرار المواجهة هم:
أ- العقلاء غير المسيسين من المعتصمين عسكريين ومدنيين.
ب- العقلاء غير المسيسين من شيوخ العشائر.
ت- علماء الدين المخلصون غير التابعين للحكومة الفاسدة ممن هم في داخل العراق.
ث- علماء الدين المخلصون غير المسيسين ممن هم خارج العراق.
ج- الفصائل الجهادية الممارسة الملتزمة بتعاليم الشريعة غير المتهورة أو التي تتخذ مفتيين جهالًا.
فهؤلاء هم أهل الحل والعقد الذين باستطاعتهم تقدير المرحلة وطبيعتها، وقدرات المجاهدين واستعدادهم دون تهور واستعجال..

أما الإفتاء بحرمة المواجهة بحجة إن ذلك يؤدي إلى اشتعال حرب أهلية واسعة -كما ورد في فتاوى البعض- فهذا غير دقيق لأنه:
أ- من المستبعد ذلك لأن الشعب العراقي شعب متماسك يقوم تماسكه على أساس نبذ الطائفية والعرقية، وعلى أساس التناصر بينهم ضد عدوهم، وعلى التعايش بينهم مهما اختلفت مذاهبهم وأعراقهم منذ مئات السنين، وسأسوق لذلك مثالين معاصرين: أولهما: رأينا ورأى العالم معنا وقفتهم بشتى مذاهبهم وطوائفهم وقومياتهم وقفة الأبطال المتلاحمين ضد العدو الفارسي الصفوي على مدى ثمان سنوات، يدافعون عن وطنهم العراق إلى أن أذاقوا المدّ الصفوي الويلات وأشربوهم السم الزعاف.
وثانيهما: ما قام به أهل السنة من واجب المواساة والتعاون مع إخوانهم في محنة الفيضانات، ثم ما قام به إخوانهم في الجنوب من استقبال وترحيب مما أكد للقاصي والداني اللحمة بين أبناء الشعب العراقي الواحد من أقصاه إلى أقصاه.

ب- إن كل مواجهة لا بدّ لها من تضحيات ولا تقاس القوة بالقلة والكثرة، بل بالعزيمة والإيمان ولنا من معارك المسلمين بدءًا من معركة بدر إلى آخر معارك الفتح الإسلامي خير شاهد على ذلك، ولم يذكر التأريخ إن المسلمين فاق عددهم وعدتهم على عدوهم في معركة من المعارك، ومع هذا فإنه لم يقل أحد منهم بتحريم المواجهة لهذا السبب، بل واجهوا عدوهم بكل صبر وإيمان وقوة حتى فتحوا البلاد وأسعدوا العباد.. ثم إنه إذا كانت المواجهة حرامًا بهذا السبب! فعلى المفتيين أن يحرموا على ثوار سوريا مواجهتهم، وعلى مجاهدي فلسطين جهادهم، بينما لم يقل بذلك أحدٌ من الفقهاء الذين لهم فقه مبني على قواعد وأصول واستنتاجات من الأدلة المعتبرة، أما الفتاوى ممن لا علم لهم وغير مختصين بالشريعة فإنها لا قيمة لها لأنهم يعدون من العوام بالنسبة للشريعة وأدلتها.

رابعًا: الحل عندي أن تستمر الاعتصامات والمطالبة السلمية بالحقوق يتزامن مع ذلك استعدادات كاملة للمواجهة المصيرية، فإن نفذت كل وسائل المطالبات السلمية بما في ذلك العصيان المدني ورفع الأمر إلى الجهات الدولية، وما إلى ذلك مما تقرره الساحة فإنه لا بدّ من الانتقال بعد ذلك إلى المواجهة التي تحسم الموقف للعيش بكرامة أو الاستشهاد في سبيل الله، ويقرر ذلك من ذكرت آنفًا بعد الاستعداد الكامل دون تهور أو اندفاع عاطفي غير مدروس، وبدون خطة سليمة من خبراء أمناء غيورين على مصلحة الأمة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المجاهدين.
الشيخ الدكتور: عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي
24\5\2013م
14 رجب 1434هــ