إنقاذ الشام

منذ 2013-09-07

على العرب وخصوصاً دول الخليج الاستمرار بدعم الثورة بكل قواها، واعتبار أمن سوريا امتداد لأمنها القومي وهي الفرصة والسدّ الأخير ضد الخطر الإيراني...


بعدما اختلف الأمريكان والإيرانيين على تقاسم العراق عام 2004م؛ فضح علي أكبر أبطحي نائب الرئيس الإيراني علاقة بلاده بأمريكا بقوله لولا دعم إيران لأمريكا والتنسيق معها لما سقطت كابول وبغداد، وبذلك تخلّصت إيران من أكبر عدوَين لها صدام حسين بالعراق وطالبان بأفغانستان الذين أوقفوا زحف الدولة الفارسية سنوات طويلة حتى لحظة سقوط بغداد، وذلك من خلال ارتداء ثوب الإسلام بما يُسمّى تصدير الثورة الإسلامية، ولم تجد أمريكا حليفا أفضل من إيران لتنفيذ مخططاتها.

ومع انطلاقة الثورة السورية وخلال النصف الأول من السنة الأولى لم يكن لدى أي دولة بالعالم قناعة باحتمالية سقوط النظام، وقامت جميع الدول بدعم النظام -عربية وغير عربية- لإيقاف تسونامي وهيستيريا الثورات العربية.

وفي النصف الثاني من السنة الأولى أطمأنت هذه الدول نوعاً ما لتوقف هذا الإعصار وتوقف دعمها للنظام، وبدأت تدعم الثورة ولكن على قاعدة (لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم) خشية انتصار النظام، وأن يُصبح أقوى مما كان في إرهابه للآخرين.

وفي بداية السنة الثانية فشلت أمريكا والدول الأخرى على شق صف المعارضة الخارجية وإنتاج نظام بديل فقرّرت أمريكا خنق الثورة، وتربيط أيديها للخلف وذلك عبر تجفيف مصادر المال والسلاح مع ضوء أخضر لإيران وروسيا والنظام للقضاء عليها علّ ذلك يُثني الثوار عن مطالبهم، ويجبرهم على الجلوس على طاولة الحوار ومع ذلك فشلوا.

ومع النصف الأخير من السنة الثانية أيقن جميع العالم وخاصةً حلفاء النظام إيران وروسيا أن النظام ساقطٌ لا محالة، "فالجيوش التي لا تُهزَم تنتصر" -كما قال هنري كيسنجر- فالثوار كل يوم يحققون تقدماً على الأرض، وأصبحت إيران بين خيارين:

- إما التخلي عن سوريا والاحتفاظ بالعراق، وذلك بحماية ظهرها من جهة سوريا عبر إجهاض أي استقرار وسيطرة بسوريا تدعم الثورة العراقية مستقبلاً.

- والخيار الثاني هو الاحتفاظ بالنظام وبالتالي استنزافها بسوريا وسقوط مشروعها الفارسي الذي خسرت من أجله الكثير منذ انطلاقة الثورة الإيرانية من خلال نشر التشيُّع.

وقد وصل هذا المشروع لأوجه بالسنوات الأخيرة فقد تم تسليم العراق من بابه لمحرابه لإيران أما بسوريا فقد بدأت إيران بقطاف ثمار مشروعها بعد خروج الجيش السوري من لبنان، وحرب تموز الذي استغل بطريقة مُقيتة بالعالم العربي لتشييع الناس، وارتماء النظام بحضن إيران وإنشاء فرع مخابرات بسوريا لتشييع السوريون.

فانتشرت الحسينيات بالسنوات الأخيرة انتشار النار بالهشيم، ولو قدر الله لهذه الثورة أن تتأخّر فقط خمسة سنوات لأصبح نصف سوريا شيعة في بلدٍ لا يتجاوز فيه تِعدادهم أصلاً واحد بالألف؛ هذا الأمر أثار حفيظة إيران وجنونها وحقدها الدفين على العرب والمسلمين فهي أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، وجعلها لم تستوعب إفلات سوريا من قبضتها الذي كان قاب قوسين أو أدنى علاوة على ثورة العراق الذي لو قدّر واستمرت لكانت نهاية إيران للأبد، فأعادت إيران حساباتها وغيرت قواعد اللعبة وذلك بالتعاون والتنسيق مع أمريكا.

فبعدما كان طموحها السيطرة على سوريا وجعلها شعباً وقيادةً خاتماً بيدها أصبح هدفها الآن بعد احتضار النظام هو صوملة سوريا، مما جعل مصلحة إيران وأمريكا تلتقيان بقواسم كثيرة وتعلنان صفقة تنص على النقاط التالية:

1- أن يبقى العراق بيد إيران وذلك بأن تقوم أمريكا بالضغط على الدول العربية، والإعلام العربي بعدم تأجيج الشارع العراقي وكذلك تغطية حكومة المالكي بأي عمليات قمع يقوم بها لردع الثورة هناك.

2- أن تقوم إيران مقابل ذلك بضمان أمن إسرائيل لأطول فترة ممكنة من خلال إجهاض قيام الدولة بعد سقوط النظام، وتشكيل ميليشيات على حدود الجولان لحماية إسرائيل كما الوضع بلبنان وميليشيات على حدود العراق لضرب سنة العراق في حال ثورتهم على المالكي.

3- تغطية أي عمل تقوم به إيران بسوريا وذلك من خلال عدم إثارة ملف استخدام النظام الكيماوي، وكذلك تغطية تدخلات ميليشيات الشيعة من لبنان والعراق باِسم مهمات جهادية وحماية مراقد آل البيت الوهمية التي أنشأتها إيران بعهد هذا النظام وليس لها أي جذورٍ تاريخية.

4- البدء بتقسيم سوريا جغرافياً وديموغرافياً من خلال إنشاء ثلاث محافظات جديدة وجعلها مناطق آمنة للجوء الثوار، والتصعيد بالمجازر بالمحافظات الأم وخاصةً حمص إضافة لمدينة حلب والحسكة لإجبار السنة بالهجرة للمحافظات الجديدة.

5- البدء بإقامة جدار عازل بحمص التي تُعتبر ستالينغراد الثورة، وذلك لعزل غرب حمص عن شرقها وعن المحافظة الجديدة، وكذلك لتأمين طريق للبنان وأيضاً لإبقاء الطريق آمنٍ باتجاه حلب حيث معامل ومستودعات الذخيرة، وأي طرف يسيطر على حمص يحسم الثورة لصالحه خلال فترة محدودة.

6- الاعتراف بالدولة الجديدة أممياً في حال تشكلها بحجة إبادة الطائفة والتي تمرّ بغرب العاصي، وتضم خليط من الطوائف لإبعاد الشبهة الطائفية والتي تملك منافذ على البحر ودول الجوار، وذلك في حال فشل النظام استعادة سوريا وخصوصاً مع اكتشاف النفط والغاز بالمياه الإقليمية لسوريا وكذلك بمنطقة الساحل عام 2006م.

7- شراء صمت العرب والاستمرار بخداعهم أن استمرار الثورة مستنقع لاستنزاف إيران وتشويه لسمعتها، وفزاعةً لصالحهم من أجل التفاف شعوبهم حولهم وعدم الثورة عليهم إضافة لتحريك الملف النووي الإيراني عند اللزوم خدمة لذلك لخلق عِداءٍ ظاهري، وإيهام العرب أن هذا الملف طوق حول رقبة إيران.

8- تقاسم دول الخليج بين الغرب وإيران حيث تصبح إيران على مشارف الخليج بعد ضمان العراق وسوريا، وتسليمها مناطق الشيعة بالخليج، وسبب ذلك أن هناك صحوة شبابية بهذه الدول ستُطيح بمصالح أمريكا بالمنطقة بالسنوات المقبلة وإيران هي الضمانة لتلك المصالح لذلك نلاحظ وضع المناطق الموالية لإيران بالخليج العربي بالثلاجة حالياً حتى تأتي لحظة الصفر.

9- إبقاء مصر ضعيفة وذلك باستغلال شبق الإخوان بالسلطة وانتمائهم للتنظيم أكثر من الوطن والدين، وبالمقابل دعم معارضيهم وكذلك الضغط على دول عربية لمقاطعتهم، وذلك لتشويه سمعة الربيع العربي الذي أخذ الطابع الإسلامي وإبقاء مصر خارج الحظيرة العربية وإجبارها على التحالف مع إيران لتشويه سمعة الثورات.

10- تقزيم الكبار بالمنطقة وتكبير الأقزام مستغلين تطلُّع حكّام تلك الدول للعب دورٍ عربيٍ وإقليميٍ أكبر من حجمهم بأضعاف المرات، لزيادة الشرخ العربي والإسلامي وعندما يكتمل مخططهم يسهل التخلُّص من هذه الدويلات.

11- والأخطر من كل ذلك تشكيل شبكةٍ على نمط بلاك ووتر لاغتيال قيادات الجيش الحُرّ لتفريغ الثورة من القيادات الشريفة، والعمل على إشعال الفتنة بين الثوار والجيش الحُرّ بالداخل لتصفية بعضهم بالإضافة لتشويه سمعة اللاجئين السوريين عربياً لخلق مزاجٍ عربي ضد الثورة وتشويه الثورة عالمياً من خلال ربط الثورة بالقاعدة وغيرها.

وهنا يبرز الدور الوطني للمعارضة بالمجلس الوطني والائتلاف وعلى الإخوان المسلمين إثبات وطنيتهم، وإزالة الشبهة حولهم حول تورّطهم بأحداث حماه بالماضي، وتأخّر الثورة حالياً وحتى وأن اِضطر بهم الأمر للتخلي عن قيادتهم للمعارضة الخارجية وفرض أجنداتٍ وشخصياتٍ تستفز بعض الدول العربية الداعمة للثورة فكل الدول محجمة عن مساندة الثورة بسببهم وعليهم بمراعاة المزاج العربي مقابل التشبث بالكراسي.

وما يحصل بمصر أكبر شاهد؛ وعندما يسقط النظام فهم تيار له وجوده واعتباره بسوريا، وأيضاً على غير الإسلاميين والأقليات الايدلوجية دعم من يرضاه الثوار بالداخل وعدم إثارة البلابل فسوريا تُدمّر والشعب يُدمّر ولسنا بصدد الاصطياد بالماء العكر من أجل مزودات وطنية مزيفة فقد أصبح الجميع يشكك بإنسانية المعارضة، وليس بوطنيتها فحسب في ظل تناحرها على مكاسبَ ومناصبَ وهميةٍ بينما الوطن والبشر يتعرضون لإبادة جماعية على يد أجرم نظام عرفه تاريخ سوريا الحديث والقديم.

وعلى العرب وخصوصاً دول الخليج الاستمرار بدعم الثورة بكل قواها، واعتبار أمن سوريا امتداد لأمنها القومي وهي الفرصة والسدّ الأخير ضد الخطر الإيراني.

وفي حال سقطت سوريا أو تعثُّر قيام دولة قوية فيها سيُصبح الخليج مكشوف لهم، وتصبح إيران على مشارف الخليج وبذلك يكون العرب قد ارتكبوا الخطيئة الكبرى الثانية بعد إسقاط صدام التي لا يفيد بعدها الندم والحسرة وعلى ثوار الداخل رصّ الصفوف والحذر من الدخلاء والمنشقين الجُدُد، وجعل عدوهم الأوحد هو النظام لأنهم الخاسر الأكبر باختلافهم فقد عجز العالم أجمع بجميع أسلحته إسقاط الثورة إلا من خلال شق صف الجيش الحُرّ واغتيال قياداته.




 

المصدر: الدرر الشامية