جامعات أوروبا تخرج الطغاة
في تقرير نشره موقع (دوتش فيلة) الألماني، فإن العديد من حكام العالم الطغات درس في الغرب، لكن لم تظهر سلوكيات المجتمع والديمقراطية أو تدابير السياسة لدى هؤلاء الطغات..
تعودنا نحن في عالمنا العربي أن يرسل ذو السعة في رزقه، وصاحب النفوذ في الدولة، أبنائه لتلقي أجود أنواع التعليم في أرقى الجامعات، وذلك يعود لعدم إيمانهم بقدرة جامعات العالم العربي الوطنية، وإمكاناتها التي لا يمكن في نظرهم أن تؤهل أبناءهم لتولي مناصب خلفهم، أو إدارة تركات هيمنو عليها بفعل فسادهم.
وفي تقرير نشره موقع (دوتش فيلة) الألماني، فإن العديد من حكام العالم الطغات درس في الغرب، لكن لم تظهر سلوكيات المجتمع والديمقراطية أو تدابير السياسة لدى هؤلاء الطغات، في إحدى المدارس السويسرية، حيث درس شاب هادئ لا يلفت النظر من كوريا الشمالية. اللغة الألمانية لم تكن مادته المفضلة، وكان غالبا ما يرتدي ملابس رياضية من ماركة (نايك). باقي التلاميذ كانوا يجدونه غريبا. اسم هذا التلميذ هو: (أون باك)، ومن المفترض أنه كان ابن أحد الدبلوماسيين الكوريين الشماليين. في سنة 1997 جاء هذا التلميذ إلى مدرسة (ليبفيلد شتاينهولتسي) السويسرية القريبة من برن، وذلك ليلتحق بالصف السادس الابتدائي.
(جاو ميكائيلو) كان زميلا لهذا التلميذ الغريب وواحد من أصدقائه القلائل. يقول ميكائيلو إن التلميذ الكوري الشمالي أسره في يوم من الأيام بالقول: "أنا لست ابنا لأحد الدبلوماسيين وإنما أنا ابن رئيس كوريا الشمالية". بعد هذا الاعتراف قام التلميذ الكوري الشمالي بإظهار صورة له مع الرئيس الكوري الشمالي آنذاك (كيم جونغ إل). واعتقد ميكائيلو ساعتها أن ادعاءه كاذب مفضوح، غير أنه بعد حين من الزمن أيقن أن زميل دراسته الغريب، ما هو إلا كيم جونغ ديكتاتور كوريا الشمالية.
(كيم جونغ أون) درس في سويسرا لكن لم تُظهر سياسته تأثرا بالغرب، وفي سنة 2012 انتدبت صحيفة (زونتاغ تسايتونغ) السويسرية بانتداب أحد الخبراء الأنثروبولوجيين، وهو مختص في تحليل معالم الوجه لإجراء مقارنة بين صورة التلميذ وصورة دكتاتور كوريا الحالي، ووفقا لنتائج دراسة (راوول بيرو) فإن التطابق جاء بنسبة 95 %. وقال الخبير في حينها: "التلميذ أون باك هو كيم جونغ أون"، "أولاد الحكام الطغاة لا يأتون إلى الغرب لتعلم الديمقراطية" حسب ما يقول العالم السياسي (غونتر ماير).
عوض ذلك يتعرفون على ظروف المعيشة في الغرب، ويتلقون تكوينا تعليميا جيدا، وبعد الحصول على الشهادة الدراسية يعودون أدراجهم بنفس العقلية وبنفس التصورات القديمة، ويقول الخبير السياسي: "إنهم منغمسون في بنية سلطوية، من الصعب عليهم الانعتاق منها"، لأنهم إذا أرادوا اعتماد بنية ديمقراطية، سيعرضون بذلك سلطتهم وسلطة حاشيتهم للخطر.
بشار الأسد أحد هؤلاء أيضا، فقد قضى أيضا جزءا من شبابه في الخارج، حيث درس الطب في لندن لمدة قاربت 18 شهرا. عندما تولى الأسد الحكم أمِل عديد من المراقبين أن يقوم الطبيب الشاب بإجراء إصلاحات ديمقراطية. "لقد كان يُنظر إليه حينها كحاكم ليبرالي سيجلب الديمقراطية إلى سوريا"، كما يتذكر الخبير في شؤون الشرق الأوسط (غونتر ماير)، الذي يضيف: "سرعان ما تعرض الأسد لضغوط مرتبطة بالظروف السياسية التي تضمن بقائه في السلطة، وبضغط من حاشيته ومن الأجهزة الأمنية، فلم تعد له أي إمكانية للخروج من ذلك الوضع، فهو أمام خيارين: إما البقاء في السلطة أو أن يعرّض نفسه وحاشيته للخطر"، وبذلك أكمل بشار الأسد مسيرة والده المتسمة بالاستبداد.
الأمل في تصدير الديمقراطية لأبناء الحكام الطغاة عن طريق الدراسة أمر مضلل جدا، فسيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور الليبي القذافي، كتب أطروحة واعدة في كلية لندن للاقتصاد بعنوان (دور المجتمع المدني في دمقرطة مؤسسات الحكم العالمية). يبدو العنوان جيدا. لكن في الصراع حول السلطة الذي شهدته ليبيا في أيام الثورة، ظهرت شخصية القذافي الابن الحقيقية، الذي نسي أو تناسى كل ما تعلمه في الغرب، وحمل السلاح ضد الشعب الليبي، بل وكان أول من ظهر على التلفزيون الليبي مع انطلاق شرارة الثورة مهددا ومتوعدا الثوار، قبل عقود أيضا أظهر الديكتاتور الكمبودي بول بوت ذلك، وتحول إلى قاتل جماعي، بالرغم من دراسته في إحدى أرقى الجامعات الفرنسية ألا وهي جامعة السوربون.
يقول غونتر ماير: "هناك أمثلة لا تحصى من الطلاب المنتمين إلى الدول العربية، الذين ساهموا بشكل كبير في تصحيح أوضاع بلادهم". وربما كان الاقتصاد هو المستفيد الوحيد من دراسة أبناء الحكام الطغاة في الغرب، حسب ما يعتقد غونتر ماير: "لأن العلاقات تُبنى، والاقتصاد الألماني يستفيد من ذلك بشكل كبير، خاصة فيما يتعلق بمنح العقود".
- التصنيف: