متى نصر الله!!

منذ 2013-09-09

(أنا راضية يا رب؛ والله راضية فداء لشريعتك!! يارب فداء لدينك!! وبقية أولادى أيضًا فداء دينك يارب، وأنا معهم!! المهم ربنا يحقن دماء الباقين! المهم نقضي على الفساد. ربنا ينتقم منك يا سيسي...)!!


(أنا راضية يا رب؛ والله راضية فداء لشريعتك!! يارب فداء لدينك!! وبقية أولادى أيضًا فداء دينك يارب، وأنا معهم!! المهم ربنا يحقن دماء الباقين! المهم نقضي على الفساد. ربنا ينتقم منك يا سيسي...)!!

بهذه الكلمات وغيرها وقفت الأم المكلومة على جثة ابنها الشهيد بإذن الله في مسجد رابعة أثناء فض الاعتصام وقبل حرق المسجد بمن فيه!! لا أدري ما الذي حدث لهذه الأم وأبناءها الصغار الذين وقفوا حولها يبكون ويقولون بمثل ما تقول!! لكن هذه المرة الثانية التي أشاهد لهذه المرأة مقطعًا تُواسي فيه هذه المرة البلتاجي حفظه الله في وفاة ابنته عروس الجنة بإذن الله أسماء رحمها الله.. هذه الكلمات تقولها المرأة في أوج صدمتها! في اللحظة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (البخاري ومسلم)!!

فيا الله أي صبر ويقين سكبته في قلب هذه المرأة يا عليم، يا حكيم، يا رحيم، يا من اصطفيتها على علم.. أي عمل أرضاكَ عن هذه المرأة إلى هذا الحد!! ما الذي اطلعت عليه في قلبها فأرضاك عنها لترزقها هذه المنزلة؟!! أهو الإخلاص في حب دينك؟ أهو الصدق في طلب مرضاتك؟ أهو الرضا بقضائك؟ أهو الشكر لنعمة الإسلام؟ أهو الشوق إلى لقائك؟ أهو توحيد القصد في طلب لذة النظر إلى وجهك الكريم؟ أم هو......؟!!

غفر الله لكِ يا أمي الكريمة، كم أحبك في الله. غفر الله لكِ لقد قلّبت عَليّ الآلام؛ فقد كنت أستتر أو أحاول أن أستتر أمام نفسي. إنني ممن يحاولون أن يبذلوا لهذا الدين شيئا! ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يشكرون!! لقد أرغمتيني يا أماه الحبيبة الكريمة على أن أسترجع شريطا من الذكريات عن أيام رابعة الصمود.. شريطًا غلفته خاتمة ملأت قلبي حزنا وقهرا ومرارة وشعورا بالعجز والقهر والظلم لا مثيل لها، فأردتُ أن أطوي هذه الذكريات حتى يشفي اللهُ صدري؛ إما في الدنيا وإما بين يديه سبحانه يوم يقوم الناس لرب العالمين!

ولكنكِ أبيتِ يا أماه إلا أن تمسي مني أشد جراحي إيلاما!! فإني رغم ألمي لفراق إخواني وجراحهم وأسرِهم؛ لكني أعلم ما أعد الله لهم فأغبطهم على اصطفائهم!! وإنما تبقى لي الحسرة على نفسي الحقيرة!! لقد مكثت أيام رابعة الستة وأربعين أنظُر لمن حولي فأرى بذلا عجيبا للدين!! هذا ينفق من ماله ولم أنفق إلا الفتات!! وهذا يبيت في الحراسة واقفا بينما أبيت في الخيمة!! وهذا ينظف الميدان في الصباح وأنا أكتفي بالمشاهدة والدعاء له أو لها!! وهؤلاء لا يغادرون الميدان بل يشاركون في المسيرات في شدة الحر وظمأ الصيام وأنا أغادره إلى مسجد قريب من الميدان وقت اشتداد الحر لأغتسل وأنال قسطا من الراحة لأعود بعد العصر بعدما تنكسر حرارة الشمس طيب الرائحة مجددا لنشاطي!!

وها هو الميدان ينفض بوحشية لا مثيل لها من أناس نعلم منذ قديم الزمان خيانتهم وبغضهم للدين ونعلم أنهم لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة لكنهم نجحوا مع ذلك أن يصيبونا بالذهول! ما هذه القسوة! هل اليهود أشد قسوة من هؤلاء؟!!

فها هو الميدان ينفض فتتنزل على رحمة من الله تعالى لعلها ببركة هؤلاء الصادقين الذين لا يشقى جليسهم!! تتنزل عليّ رحمة من الله فلا أشعر بخوف يهزمني؛ لا والله أنا الذي لا أعلم من نفسي شجاعة لا أشعر بالخوف يهزمني لكن أشعر بالعجز والقهر والظلم! فأنصرِف في آخر من خرج وأنا أشعر بمرارة لا تكاد تنقطع عني في يقظتي ولا منامي.

فسامحك الله يا أمي الحبيبة الكريمة هل كنتُ ناقصًا همًا حتى تنبهيني إلى نفسي الحقيرة الحقيرة التي لم تنل منزلة كما نلتم ولو علم الله فيها الصدق لرزقها!! لقد ذكرتيني يا أماه بتلك الآية الكريمة التي كلما مررت عليها شعرت بالرعب حتى لكأني أتغافل عن معناها الذي يخيفني ويكشفني ويفضحني!! {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ . يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد: 13، 14].

ما شأني يا ترى إذا أتيتُ في موقفٍ لا ينفعُ فيه إلا الصدق!! هل أكتفي بمقولة (ألم أكن معكم) وهل ينفعني ما أجده في نفسي من حبٍ لهؤلاء على طريقة (أحب الصالحين ولستُ منهم)!! وهل يكفيني ما أجده في نفسي من حبٍ لديني وشريعةِ ربي، وبغضٍ لأعدائه. لكن هل يكفى هذا مع قلة البذل؛ والإيمان قول وعمل!! إنني لا أجد لنفسي مكانًا إلا في مثل قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].

ولا أجدُ أملا إلا أن الله أمرنا ألا نقنط من رحمته، وعرفنا بنفسه سبحانه فهو الغني الذي يعطي ولا يحتاج إلى أحد، ولا يَنتظر من أحدٍ شيئًا، وهو الغفورُ الذي يغفرُ الذنوبَ ولا يبالي، وهو الحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة، وهو الشكورُ الذي يجزل العطاء الكريم على حقيرِ العمل، وهو الرحيمُ الذي لا يقنط أحدًا من رحمته، وهو القديرُ، وهو العفو، وهو الملك، وهو الواحد القهار، وهو الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا يُسئلُ عما يفعل وهم يُسئلون!

أفيحق لنا أن نذكر قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. إن من بذل فقد انتصر؛ أما أنا ومن على شاكلتي فبأي تبجح أتوسل إلى الله قائلا متى نصر الله!! أبِبَذل غيري أتوسل؟!! اترانا بذلنا حقًا كهؤلاء؟!! لقد بذلو وفازوا ورب الكعبة ويبقى أن نفوز كفوزهم!!

فاللهم ارزقنا دعوة في سبيلك، وإنفاقًا في سبيلك، وجهادًا في سبيلك، وشهادةً في سبيلك، واستعملنا لنصرةِ دينِك، وانصرنا بالإسلام، وانصر بنا الإسلام، وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، ولا تحرمنا من خيرِ ما عندك بسوءِ ما عندنا، ورَضنا بما قسمت لنا، وأغثنا برحمةٍ من عندك تجعل لنا بها من كل همٍ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا، وائذن لشريعتك أن تحكم الاأرض وأن تسود ولو كره المجرمون.

وأخيرا أقول للفجرة: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ سيؤيتينا الله من فضله إنا الى الله راغبون، والحمد لله رب العالمين.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام