بدعة التعصب المذهبي

منذ 2013-09-10

ينتمي هذا الكتاب إلى صنف من الكتب تحتفظ بقيمتها بالرغم من مرور الزمن، فقد صدرت طبعته الأولى في سنة 1390هـ (1970م) ثم تلتها طبعة أخرى في العاصمة الأردنية، امتازت بإضافة ملحق خاص بالمناظرة الشهيرة بين المحدث الراحل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، والفقيه الصوفي المتعصب للتمذهب بمذهب فقهي محدد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.


ينتمي هذا الكتاب إلى صنف من الكتب تحتفظ بقيمتها بالرغم من مرور الزمن، فقد صدرت طبعته الأولى في سنة 1390هـ (1970م) ثم تلتها طبعة أخرى في العاصمة الأردنية، امتازت بإضافة ملحق خاص بالمناظرة الشهيرة بين المحدث الراحل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، والفقيه الصوفي المتعصب للتمذهب بمذهب فقهي محدد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.

مؤلف الكتاب الشيخ محمد عيد عباسي هو أحد أبرز طلبة العلم الذين تتلمذوا على الشيخ الألباني قبل 57 سنة، وأصبح من خواص الشيخ وصاحبه المفضل في رحلاته. وللشيخ عباسي مؤلفات كثيرة أخرى، وجهود دعوية مستمرة حتى اليوم. وكم لقي عباسي -وشيخه عانى أكثر- من عنت نظام البعث السوري وبخاصة بعد أن غدا النظام طائفيًا صريحًا على يدِ الهالك حافظ الأسد، إلى أن انتهى المطاف بهما إلى النفي والتشريد من بلدهما.

للكتاب قيمة علمية وتاريخ أبيض في الذود عن الدعوة السلفية المباركة، في وجه نظام بغيض يعادي الإسلام وأهله بعامة، ودعوة العودة إلى الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح بخاصة. فهو رد علمي موضوعي -وإن اعتراه قليل من الانفعال المفهوم- على سائر أعداء الدعوة من المتعصبين مذهبياً، والذين تصدرهم البوطي حتى قبل أن يتحالف مع عصابات الأسد النصيرية.

كان البوطي نشر كتيباً عنوانه: (السلفية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية) الذي حشاه بمفتريات كثيرة على الدعوة السلفية، مدعيًا أنها صنيعة استعمارية وأنها تحصر الإسلام في دائرة العبادات، وأنها تحرم على المسلم التقليد الفقهي تحريمًا قطعيًا، وأنها تزدري الأئمة الأربعة: مالك وأبا حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله.

بعد مقدمة مختصرة، يطالعنا الباب الأول وهو: (رأينا في الاجتهاد والتقليد وموقفنا من المذاهب وأئمتها)؛ وفيه يوضح عباسي أن كل مسلم مأمور باتباع الكتاب والسنة، لكن الناس ليسوا على درجة واحدة من القدرة ولذلك تجد فيهم المجتهد الذي يستنبط الأحكام والعامي العاجز كليًا عن الاجتهاد، ولذلك تعين عليه أن يأخذ بأقوال أهل العلم، لكن العلماء وجدوا صنفاً ثالثاً يتمثل في مرتبة المتبع الذي هو وسط بين المجتهد والعامي فهو لا يقدر على الاجتهاد لكنه ليس جاهلاً تماماً، وإنما لديه قدرات معينة على النظر في الأدلة المختلفة والترجيح بينها في بعض المسائل على الأقل.

ويرى المؤلف أن المتعصبين للمذاهب يضعون للاجتهاد شروطاً تعجيزية لا دليل عليها من الشرع لكي يتشبثوا ببدعة إقفال باب الاجتهاد التي ظهرت في القرن الرابع الهجري، وتمسك بها غلاة المقلدين حتى عصرنا الحاضر. ولكي يفحمهم اختار للرد عليهم كلام رجل يجلونه هو الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه (المستصفى)، حيث يشترط في المجتهد شروطاً أيسر مما تقول به المدرسة السلفية التي يناصبها المتعصبون العداء!!

ثم ينسف المؤلف فرية كبرى في حق السلفيين لطالما نشرها خصومهم ولا سيما في مصر والشام حيث يتهمونهم ببغض الأئمة الأربعة والعياذ بالله، فيبين أن هؤلاء من سلفنا الصالح وأنهم أدوا الأمانة ونحن نسير على الدرب الذي سلكوه وهو اتباع الكتاب والسنة، وأننا نتقرب على الله تعالى بحبهم وتقديرهم لما نعرفه عن الآثار الطيبة التي أثمرها جهادهم العلمي الأمين. لكننا نقف منهم الموقف الصحيح الذي وقفوه من اجتهادهم وهو أن كل الخلق يؤخذ من قولهم ويُتْرَكُ إلا قول المعصوم صلى الله عليه وسلم.

الباب الثاني من الكتاب: (لماذا لا يجوز التزام مذهب معين)، والثالث: (لماذا ندعو للعودة على السنة)، والرابع: (واقع المذهبية المتعصبة ومآخذنا عليها) (يورد 11 مأخذاً شرعياً عليها)، والباب الخامس: (اعتراضات والجواب عليها)، الباب السادس: (جولة مع البوطي في لا مذهبيته)، والباب السابع والأخير كلمة عن المناظرة بين الشيخ الألباني والدكتور البوطي.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل الكتاب في ميزان حسنات المؤلف وشيخه رحمه الله، وأن يجزيهما خير الجزاء لما نافحا عن دينه الحق في مواجهة ظلمات قاتمة وعواصف عاتية وعداء شديد في بيئة نصيرية تسلطت على الشام بقبح لا مثيل له،حتى ثار السوريون أخيرًا على عتوها وظلمها وفسادها، نصرهم الله على عدوه وعدوهم.


مهند الخليل