السوريون في مصر يرددون بعد الانقلاب: يا الله... ما لنا غيرك يا الله!

منذ 2013-09-12

مفوضية الأمم المتحدة للاجئين عبّرت عن قلقها من زيادة أعداد السوريين الذين تعتقلهم طغمة الانقلاب تعسفاً في مصر، ومن بينهم أطفال.


أطاح الجنرال عبد الفتاح السيسي بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في انقلاب دموي غادر، ولم يكتف بذلك، بل انقض على كل إنجازاته خلال العام اليتيم من حكمه، مدفوعاً كما يبدو بشهوة الانتقام، فدمَّر كل مكتسبات 25 يناير، وهدم البرلمان والدستور، بل ارتكب أسوأ مما ارتكب عبد الناصر والسادات ومبارك معاً، فقتل نحو 10 آلاف من أنصار الديموقراطية، وسجن آلافاً آخرين، منهم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وبلغ به العلو في الأرض أن اختطف بنات قادة الإخوان وأبناءهم، وأخوالهم، وأعمامهم، ومحاميهم، فكأنما قال لجنوده: اقتلوا الإخوان، وأبناء الإخوان، وأبناء أبناء الإخوان!

ولأن مرسي احتضن اللاجئين السوريين، ومنحهم حق العمل والإقامة والتعليم، وساواهم بالمواطنين المصريين، فكان لا بد أن ينالهم حقد الطغمة الانقلابية التي اتهمتهم بالتعاطف مع مرسي أو "الأخونة"، فاعتقلت المئات منهم، مستهدفةً في المقام الأول تجمعات اللاجئين في القاهرة، ومدينة السادس من أكتوبر -التي تحوّلت في عهد مرسي إلى ملاذ للسوريين، فتحوا فيها محالهم التجارية ومطاعمهم، وأضفوا عليها طابعاً شامياً-.

وذكر موقع ناو (NOW): "أن وزارة داخلية الانقلاب اعتقلت عدداً من الشباب السوريين في مسجد الحصري بمدينة السادس من أكتوبر، وأنها ترحّل كثيراً من السوريين خارج مصر من دون علم أهاليهم، وعندما يذهب الأهالي للسؤال عن أبنائهم، يبلغهم جنود الطغمة أنهم طُردوا خارج البلاد".

مفوضية الأمم المتحدة للاجئين عبّرت عن قلقها من زيادة أعداد السوريين الذين تعتقلهم طغمة الانقلاب تعسفاً في مصر، ومن بينهم أطفال.

وقال مكتب رعاية شؤون اللاجئين في مصر إن: "المواطن السوري اللاجئ في مصر يعاني ممّا فرّ منه إلى مصر، فقد أصبح السوري الذي يحتاج إلى التحرُّك من مكانٍ إلى آخر عُرضةً للاعتقال"، مشيراً إلى. "استمرار الاعتقالات التعسفية بحق السوريين والترحيل التعسفي حتى لحاملي الإقامات".

وأكد المكتب أن حملة الاعتقالات تجري: "بناء على طلب القنصل السوري في مصر فقط"، مشيراً إلى أن الأسماء التي يُبلغها القنصل السلطة الانقلابية هم من أنصار الثورة السورية. واستنكر المكتب تعامل سلطات المطار مع اللاجئين السوريين قائلاً إن مطار القاهرة أصبح: "أكثر المطارات سوءاً في التعامل مع العابرين السوريين؛ حيث يتم تفتيش بعض العائلات وتجريد أفرادها من ملابسهم بالكامل، رجالاً من قِبَل رجال، ونساءً من قِبَل نساء، وغالباً ما يتم توجيه كم هائل من السباب لهم" (10 آب/أغسطس 2013م).

يتراوح عدد اللاجئين السوريين في مصر بين 250 إلى 300 ألف شخص، بحسب تقديرات حكومة الرئيس المنتخب مرسي.

وتقول اللجنة السورية لحقوق الإنسان (13 آب/أغسطس 2013) إن حال هؤلاء اللاجئين كانت تُعد في عهد مرسي "من أفضل الحالات" مقارنة مع الدول المضيفة الأخرى، مضيفة أن قرار طغمة الانقلاب: "بمنع دخول اللاجئين السوريين إلى البلاد، والتضييق على الموجودين فيها أصلاً أثّر سلباً على حالهم هناك، كما أثّر على أوضاع السوريين الذين كانوا ينوون الذهاب إلى هناك".

وتشير اللجنة إلى أن سياسة مصر تغيرت فجأة بعد الإطاحة بمرسي حيث أصدرت طغمة الانقلاب قراراً تشترط فيه: "حصول المواطن السوري على تأشيرة دخول قبل دخوله إلى مصر بشكلٍ مفاجئ يوم 8/7/2013م، وطُبِّق في أول الأمر على ركاب طائرة الخطوط السورية رقم 203 القادمة إلى مصر من اللاذقية، والتي كانت في الجو عندما صدر القرار. كما مُنع مئات من السوريين المقيمين في مصر، والذين تصادف وجودهم خارج مصر قبيل إصدار القرار، من الدخول إليها، فيما سُمح لبعض الحالات المحدودة بالدخول بعد تدخلات سياسية، ولم يُسمح لبقيتهم، وأجبروا على المغادرة"، وتؤكد اللجنة أن "كل الحالات التي علمت عنها اللجنة السورية لحقوق الإنسان لمواطنين سوريين تقدّموا للحصول على تأشيرة الدخول المصرية في عدد من الدول، لم يحصلوا عليها إلى الآن".

وتنقل عن مواطن سوري تقدّم بطلب تأشيرة دخول لمصر، قوله إن أصدقاء له في السفارة المصرية بالبلد الذي يسكن فيه أبلغوه بطريقة غير رسمية أن احتمال: "حصول أي سوري على التأشيرة في الوقت الحالي ضئيل جداً"، وأنه أمرٌ لا يرتبط بوزارة الخارجية، بل بجهاز أمن الدولة، ويشمل المنع رجال الأعمال السوريين، والسوريين المقيمين في أوروبا، من غير الحاصلين على جنسياتها، والسوريات المتزوجات من مصريين.

ولم تقتصر الحملة الفاشية على السوريين في مصر على طغمة الانقلاب، بل تداعت بنادقها المستأجرة من فضائيات وصحافيين، إلى التحريض على اللاجئين المظلومين، واتهامهم بالاصطفاف مع مرسي.

واستنكرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان ما وصفته بـ "خطاب الكراهية والتحريض على العنف، والخطاب العنصري"؛ الذي تضخه أبواق الطغمة الانقلابية في مصر، ومن ذلك ما هدّد به توفيق عكاشة عبر قناة "الفراعين" من أن "المصريين جمعوا عناوين السوريين الموجودين في مصر، وأنهم إذا لم يمتنعوا خلال 48 ساعة عما أسماه "دعم الرئيس المعزول" فسوف تُدّمر بيوتهم، ومن ذلك ما زعمه محمد الغيطي في قناة "التحرير" من أن اللاجئات السوريات كنّ يعرضن أنفسهن للزواج مجاناً على الرجال المعتصمين في رابعة العدوية عبر ما سمّاه فتوى جهاد المناكحة، تثبيتاً لهم لكي يواصلوا تأييدهم الرئيس مرسي، ورصدت اللجنة "مئات من التعليقات العنصرية" في فضائيات مصرية عدة تلفظ بها مذيعوها أو مراسلوها أو ضيوفها. ومن أبرز من دعوا إلى طرد السوريين عمرو أديب ويوسف الحسيني.

وبالطبع كان لا بد لهذه الحملة التحريضية الفاشية أن تلقي بظلالها على الشارع الذي لا يخلو من وجود العربدة والبلطجة، فانتشرت حالات الاعتداء الجسدي على سوريين في مناطق عدة بمصر.

وبحسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان، فإنه لم يسجّل في أي واحدة من هذه الحالات أن السوريين "كانوا يرفعون أي شعارات سياسية أو يشاركون بأي شكلٍ في الشأن العام المصري"، كما انتشرت الاعتدءات اللفظية، كاللمز والإهانة والمطالبة بالرحيل، وبالرغم من كل هذا التغوُّل، فإن نقابة الصحافيين المصريين، وجمعيات حقوق الإنسان المصرية، لم تستنكر البتة هذا السلوك الهمجي والعنصري.

ويشتكي المركز السوري الوطني للإعلام من أن مصر لم تعد "باباً مفتوحاً أمام اللاجئين السوريين، كما لم تعد مكاناً مريحاً لإقامة أكثر من 200 ألف منهم، حيث بلغ معدل ترحيل السوريين غير الحاصلين على إقامة عشرة مُرحّلين يومياً في بعض الفترات"، ويضيف المركز أن طغمة الانقلاب ألغت تسهيلات كثيرة كانت تخص المستثمرين السوريين، ما أسفر عن تعليق استثمارات لهم في السوق المصرية تبلغ 700 مليون دولار (11 آب/ أغسطس 2013).

في شهر تموز/يوليو الماضي طالبت منظمة العفو الدولية طغمة الانقلاب بألا "تتنكر باستهتار لحق السوريين في الدخول إلى مصر، وأن عليها أن تؤمّن فرصة اللجوء لجميع الهاربين من الصراع". كما طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان لها في الشهر نفسه الطغمة بـ "التوقف عن احتجاز السوريين تعسفياً، والتهديد بترحيلهم بإجراءات سريعة لا تراعي التدابير القانونية الواجبة".

تقارير الجماعات الحقوقية خارج مصر تؤكد أن اللاجئين السوريين يعانون الأمرّين في العهد الجديد الذي انقلب ليس على الديموقراطية فقط، بل على المروءة والأخلاق وكرم الضيافة وحسن الجوار.

كنتُ شاهداً بنفسي على ما كان يتمتع بع السوريون في مصر إبان عهد مرسي، رأيتُ في المطار عشرات العائلات يستقبلون أحبابهم القادمين من بيروت ومن عواصم أخرى، ويضمونهم طويلاً وهم يذرفون الدموع، لا تأشيرات، ولا قيود، ولا شروط. والتقيتُ بعددٍ من السوريين في القاهرة، فرأيتهم يمارسون حياتهم بطريقة طبيعية، وقال لي صاحب محل عصائر شامية في شارع جامعة الدول العربية: لم أشعر منذ أتيتُ أنا وزوجتي إلى مصر بأني غريب، إنهم يعاملونني معاملة الأهل. في 15 حزيران/ يونيو الماضي كتب الرئيس مرسي في تويتر هذه التغريدة: "يا شعب مصر، أوصيكم بالعائلات السورية خيراً، ومعاملة الأشقاء السوريين المقيمين في مصر كالمواطنين المصريين، سواءً بسواء".

كان هذا قبل الانقلاب بأسبوعين؛ ثم اغتالوا الحُلُم، ولم يبقَ إلا الذكريات. عاد السوريون أيتاماً على موائد اللئام. لا ظهر يستندون عليه، ولا ملجأ كريماً يأوون إليه. ليس لهم إلا أن يرددوا: يا الله... ما لنا غيرك يا الله!