الأمل القادم
يا أمتي عوتبتُ فيكِ وإنما *** خشي المعاتب أن يسوءَ الطالعُ قالوا: تُدافع بالقصائدِ قلتُ: بل *** بيقينِ قلبي عن حِماكِ أدافعُ شبت عن الطوق الحروف فما بها حرف يزيف رؤيتي ويخادعُ أسلمتُ للرحمنِ ناصيتي فما *** تلهو القصائد أو يغيب الوازعُ إني أتوق إلى انتصار عقيدة *** فيها لأنهارِ النجاةِ منابعُ قالوا: تروم المستحيل؟ فقلت: بل *** وعدٌ من الرحمنِ حقٌ واقعُ
أَنَّى تَغيبُ ونورُ وجهِكَ ساطعُ *** وظباءُ حُبك في الفؤادِ رواتـعُ
أَنَّى تَغيبُ وأنتَ في عيني ضُحى *** يَزهُو وبرقٌ في خَيالي لَامـعُ
أَنَّى تغيبُ وأنتَ بين جَوانحي *** شمسٌ وفي الظلماءِ بـدرٌ طالعُ
أَنى تغيبُ وأنتَ ظِـلٌ عندما *** تشـتدُ رَمضائي إِليهِ أُسـارعُ
حَاصرتَني في نصفِ دائرةِ الهوى *** وأَنا بحظي مِن حِصارِكَ قانعُ
مِن أينَ أخرجُ والسياجُ يحيط بي *** مِن كُلِ ناحيةٍ وأمرُك قاطعُ
وأَنا أَقـولُ لظبية الشعرِ التي *** ربيـتـها إن المسافـرَ راجعُ
يا ظبيةَ الشعرِ اطمئني إنني *** ما زلتُ في كتبِ الـحنينِ أراجعُ
في القلبِ شيءٌ قيلَ لي هُو لوعةٌ *** وأَنا أقولُ هُو الحريقُ اللاذعُ
وبمقلتي نهرٌ سينقص قـدره *** لو قلت هذي في العيونِ مَدامعُ
وأمامَ أبوابِ المشاعرِ نبتـةٌ *** في غُصنِها ثـمرُ المودةِ طالعُ
يا ظبيةَ الشعرِ المؤجج في دمي *** تيهي فصِيتُكِ في فؤادي ذَائعُ
عاقبتني لـما شكوتُ وإنما *** أشكو لأن الـحق فينا ضائعُ
ولأن جدران الكرامة هدمت *** في أمتي والذل فيـها شائعُ
وَلِأَنني أَبصرتُ ثعبانَ الهوى *** في نَابِه المشؤومِ سمٌ نَاقـعُ
وَلِأنني أبصرتُ مَا لم تبصري *** فهناك ذئبٌ عندَ بابِك قابعُ
إني أقولُ لمن يُعاتبني أَفِق *** فأنا بسيفِ الشعرِ عنك أُقارعُ
أنظر إلى لون السلام وطعمه *** مُر مذاقته ولـونٌ فاقـعُ
قَالوا السلامَ أتى فتابعنا الذي *** وصفوا فبان لنا الكلام الخادعُ
قلنا لهم أين السلام فما نرى *** إلا أكف الواهـمين تبايـعُ
شتّانَ بين مُسالمٍ ومتاجرٍ *** إن المُتاجر للكرامةِ بَـائعُ
في كفِ داعيةِ السلامِ مزاهرٌ *** وبكف تجارِ السلامِ مَقامعُ
أرأيتَ في الدنيا سلامًا عادلا *** تدعو إلـيه قنابلٌ ومدافعُ
إني لأخجلُ حينَ أضحكُ لاهيًا *** وقد ارتمى في الأرضِ طفلٌ جائعُ
إني لأخجلُ حِين أُشغَلُ بالهوى *** وَعَفاف ليلى البسنوية دَامعُ
إني لأخجلُ حينَ أُبصِرُ أمتي *** تـهفو إلى أَعدائِها وتـوادعُ
مَا زلتُ أدعوها ويجمُدُ في فمي *** صوتُ المحبِ ولا يجيبُ الخاضعُ
مَا زلتُ أدعوها وألفُ حِكايةٍ *** تُروى عن الأهلِ الذين تقاطعُوا
عن إخوةٍ رَكِبوا الخلافَ مطيةً *** وإلى سراديبِ الشقاقِ تدافعوا
يا أمةً يسمُو بها تاريخها *** ويسوقها نحو الضـياعِ الواقـعُ
يا أُمةً تُصغي إلى أهوائِها *** وتسد سمعًا حينَ يصدعُ صادعُ
يا أُمةً ما زلتُ أسألُ حالهَا *** عنها فتنطق بالجوابِ فواجعُ
ما لي أراكِ فتحتِ أبواب الهوى *** وقَبلتِ ما يدعو إليه الطامعُ
يممتِ غربًا والحقائقُ كلُها *** شرقٌ وفي يدكِ الدواءُ الناجعُ
ما لي أراكِ مددتِ للمالِ الربا *** جسرًا وفي القرآنِ عنه قوارعُ
أنسيتِ حرب اللهِ وهي رهيبة *** أوما لديكِ من العقيدةِ رادعُ
أوَ غاية الإسلامِ عندكِ أن يُرى *** لك في الوجودِ معاملٌ ومصانعُ
أنسيتِ أن الناسَ فيكِ معادنٌ *** أنسيتِ أن الأرضَ فيكِ مواضعُ
لا تُخدَعي، بعضُ الوجوهِ قبيحةٌ *** وتزينها للنـاظرين براقعُ
وإذا أرادَ اللهُ نـزعَ ولايةٍ *** عَمي البصيرُ بها وصُمَّ السامعُ
يا أمتي عوتبتُ فيكِ وإنما *** خشي المعاتب أن يسوءَ الطالعُ
قالوا: تُدافع بالقصائدِ قلتُ: بل *** بيقينِ قلبي عن حِماكِ أدافعُ
شبت عن الطوق الحروف فما بها حرف يزيف رؤيتي ويخادعُ
أسلمتُ للرحمنِ ناصيتي فما *** تلهو القصائد أو يغيب الوازعُ
إني أتوق إلى انتصار عقيدة *** فيها لأنهارِ النجاةِ منابعُ
قالوا: تروم المستحيل؟ فقلت: بل *** وعدٌ من الرحمنِ حقٌ واقعُ
والله لو جرفَ العدو بيوتنا *** ورمت بنا خلفَ المحيطِ زوابعُ
لظللتُ أؤمن أنَّ أمتنا لها *** يومٌ من الأمجادِ أبيضُ ناصعُ
هَذي حقائقنا وليست صورةً *** وهميةً فيها العقول تنازعُ
أنا لنْ أملّ من النداءِ فربما *** أجدى نداء من فؤادي نابعُ
عبد الرحمن بن صالح العشماوي
الشاعر المعروف أستاذ النقد الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف: