احتساب صديقة

منذ 2013-09-12

على كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تكون آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، على حسب استطاعتها، لعموم الأمر بذلك كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [3]، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ نساء المسلمين وأن يزينهن بزينة الحياء والحشمة.

 

إن المتأمل الفرق بين من أسدلت خمارها على وجهها، ولبست جلبابها، وبين من كشفت عن وجهها، وخلعت جلباب الحياء من عليها، فصارت متكشفة متبرجة، يلاحظ الفرق واضحاً جلياً وضوح الشمس في رابعة النهار، كالفرق بين الجوهرة الثمينة، والدرة المصونة وبين الوردة التي في قارعة الطريق.

فالمرأة المحتشمة المحجبة مصونة في حجابها، محفوظة من أيدي العابثين، والأعين الجائعة. أما المرأة المتبرجة السافرة، فإنها كالوردة على جانب الطريق، ليس لها من يحفظها أو يصونها، فسرعان ما تمتد إليها أيدي العابثين، فيعبثون بها، ويستمتعون بجمالها بلا ثمن حتى إذا ذبلتْ وماتتْ، ألقوها على الأرض، ووطئها الناس بأقدامهم، فعلى المرأة المسلمة العفيفة الطاهرة أن تتأمل وتختار أي السبيلين تكون جوهرة ثمينة مصونة، أم وردة على قارعة الطريق؟

هذا وقد ورد الأمر بغض البصر عما حرم الله تبارك وتعالى ومن ذلك النظر إلى النساء الأجانب، وتتبع العورات، وكل ما يغضب الله جل وعلا، وكذلك نظر النساء إلى الرجال فقال سبحانه: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}) [سورة النور: 30-31]، ففي هاتين الآيتين آداب كثيرة، ومن ذلك الأمر بغض البصر؛ لأن البصر خطره عظيم، ولله در القائل:

 

كل الحوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغير موقوف على الخطر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها *** فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يسر المرء ما ضر خاطره *** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر


وهذه امرأة نشأت في بيت وعائلة مترفة، وكانت تلبس الحجاب عادة لا عبادة، تقليد وليس تكليف، ترتدي الملابس الضيقة، وتسمع الحرام، وأترك القارئ الكريم مع صاحبة القصة تحكي قصتها فتقول:
"نشأتُ في بيتٍ مترفٍ وفي عائلة مترفة، ولما كبرتُ قليلاً بدأتُ أرتدي الحجاب، وكنت أرتديه على أنه من العادات والتقاليد لا على أنه من التكاليف الشرعية الواجبة التي يثاب فاعلها، ويعاقب تاركها، فكنتُ أرتديه بطريقة تجعلني أكثر فتنةً وجمالاً. أما معظم وقتي فكنتُ أقضيه في سماع لهو الحديث الذي يزيدني بعداً عن الله وغفلة. أما الإجازات الصيفية فكنّا نقضيها خارج البلاد، وهناك كنت ألقي الحجاب جانباً وأنطلق سافرة متبرجة، وكأن الله لا يراني إلا في بلدي، وكأنه لا يراقبني هناك.

وفي إحدى الإجازات سافرنا إلى الخارج، وقدّر الله علينا بحادث توفي فيه أخي الأكبر، وأصيب بعض الأهل بكسور والآم، ثم عدنا إلى بلادنا. كان هذا الحادث هو بداية اليقظة، كنتُ كلما تذكرته أشعر بخوف شديد ورهبة، إلا أن ذلك لم يغير من سلوكي شيئاً، فما زلتُ أتساهل بالحجاب، وألبس الملابس الضيقة، وأستمع إلى ما لا ينفع من لهو الحديث. والتحقتُ بالجامعة، وفيها تعرفت على أخوات صالحات، فكنّ ينصحنني ويحرصن على هدايتي. وفي ليلة من الليالي ألقيت بنفسي على فراشي، وبدأت أستعرض سجل حياتي الحافل باللهو واللغو والسفور والبعد عن الله سبحانه وتعالى، فدعوت ربي والدموع تملأ عيني أن يهديني وأن يتوب عليّ. وفي الصباح، ولدتُّ من جديد، وقررتُ أن أواظب على حضور الندوات والمحاضرات والدروس التي تقام في مصلى الجامعة. وبدأت فعلاً بالحضور، وفي إحدى المرات ألقتْ إحدى الأخوات محاضرة عن الحجاب وكررت الموضوع نفسه في يوم آخر، فكان له الأثر الكبير على نفسي وبعدها والله الحمد تبتُ إلى الله، والتزمتُ بالحجاب الشرعي، الذي أشعر بسعادة كبيرة وأنا أرتديه" [1].

فهذه قصة هذه المرأة وفيها عظة وعبرة، لمن تدبر وتفكر يقول رب العزة والجلال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [سورة يوسف: 111]، وفيها فوائد جمة نذكر بعضاً منها:

الفائدة الأولى: فريضة الحجاب: إن هذا الدين الحنيف كامل لجميع شؤون الحياة، قال الله تبارك وتعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [سورة الأنعام: 38]، ومن جملة ما بين وجوب ستر الوجه ومواضع الزينة عن أعين الناس، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيماً} [سورة الأحزاب: 59]، ولأن كشف الوجوه تبرج وسفور وفيه إبداء الزينة، والتبرج يجلب اللعن لحديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات» [2]، فعلى كل امرأة أن تقوم بواجبها إذا رأت من كشفت عن وجهها، وتبرجت أن تحتسب عليها، وتبين لها حكم الشرع في الحجاب، وبيان فضله، بلطف وأسلوب حسن، فالحجاب دليل على العفة.

وهناك شروط يجب توافرها في الحجاب حتى يكون شرعياً فمنها:
1. أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة.
2. ألا يكون في نفسه زينة.
3. أن يكون ثخيناً حتى لا يشف ما تحته.
4. أن يكون واسعاً فضفاضاً.
5. وألا يكون مطيباً أو مبخراً.
6. أن لا يكون فيه تشبه بملابس الكافرات، أو بملابس الرجال.

الفائدة الثانية: أهمية الرفقة الصالحة، وخطر الرفقة السيئة: إن الرفقة الصالحة تعين على طاعة الله تبارك وتعالى، فسبب هداية هذه المرأة وارتدائها للحجاب هو رفقتها الصالحة حيث كن حريصات على هدايتها، والعكس كذلك، فكم من امرأة ورجل صالح عفيف وقع في شباك الرذيلة بسبب الرفقة السيئة والعياذ بالله، وقد قيل: (الصاحب ساحب)، والصداقة إذا لم يكن الغرض منها رضا الله تبارك وتعالى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر فستنقلب إلى عداوة يوم القيامة قال الله تبارك وتعالى: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [سورة الزخرف: 67]، فعلى كل أحد رجل أو امرأة إذا رأى من يخالط وقع في منكر أن يقوم بتغييره وذلك من التواصي بالحق، وعليه أن يعلم أنه مأمور بتغييره، ويكون الإنكار بالحكمة والأسلوب الحسن، وإظهار الشفقة لمن تقوم بنصحه. وعلى الرجال والنساء أن يختاروا لأنفسهم الصحبة الصالحة التي تعينهم على طاعة الله تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتأخذ بأيديهم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة.

الفائدة الثالثة: السعادة في العمل بالشرع الحنيف: إن كل إنسان في هذا الوجود ينشد السعادة ويطلبها، فالبعض ينهمك في الشهوات، والملذات، ظناً منه أن السعادة فيها، والبعض سلك طريق الطاعات لرب الأرض والسماوات، فوجد ما يطلب فاطمأن قلبه، هذا وإن سعادة المرأة في التزامها بدينها، وتمسكها بحجابها، وعدم الانسياق خلف الدعوات التي تريد منها خلع حجابها، لتصبح فريسة للذئاب الجائعة فيعبثون بها.

الفائدة الرابعة: عناية الإسلام بالمرأة:
ما حرم الإسلام التبرج والسفور والاختلاط، وشرع الحجاب إلا تكريماً للمرأة، وحفاظاً على مكانتها، وحرصاً على إقامة المجتمع النظيف، والجيل العفيف الذي لا تهيجه الشهوات، وتستثيره المغريات، وسداً لذريعة الفساد، وحثاً على اتخاذ الوسائل الواقية من الوقوع في الشر والانحراف، وذلك هو هدي الإسلام في صيانة المجتمع من المزالق، وهو أهدى سبيل لسعادة البشرية جمعاء بكل عزة وإباء في عيش خير، وحياة هنيئة يظللها الإيمان، ويرفرف على جنباتها الحياء، وإن أظهرت المرأة زينتها للناس نظروا إليها وشاعت الفاحشة في الذين آمنوا، ووقع ما يخشى منه، ولله در القائل:

 

إن الرجال الناظرين إلى النساء *** مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أخذت بلا عوضٍ ولا أثمان


فعلى كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تكون آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، على حسب استطاعتها، لعموم الأمر بذلك كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [3]، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ نساء المسلمين وأن يزينهن بزينة الحياء والحشمة، إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1]: انظر: مجموعة العائدون إلى الله "المجموعة الثانية" للشيخ: محمد بن عبد العزيز المسند، وموقع صيد الفوائد.
[2]: رواه الطبراني في الأوسط برقم (9331)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وابن حبان في صحيحه برقم (5753)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2683).
[3]: رواه مسلم، كتاب الإيمان، برقم (49).
 

 

محمد بن عبد الله العبدلي