أزمة التيار الإسلامي بين أهل الثقة والكفاءة
انتشرت في العديد من التيارات الإسلامية في معظم بلدان العالم الإسلامي هو تقريب أهل الثقة وتصعيدهم في المناصب القيادية واستبعاد أهل الكفاءة، مما أدى لوجود عدد من القيادات تندهش من مستواها العلمي والفكري ومن تصريحاتهم وتوقيتات هذه التصريحات التي تمثل عبئًا كبيرًا على هذه الجماعات وعلى التيار الإسلامي ككل.
كانت أزمات التيار الإسلامي قبل الربيع العربي وخروج هذا التيار بجماعاته المختلفة إلى السطح ومشاركته في بؤرة الأحداث بفاعلية، كانت أزماته مختفية في معظمها ولا يشعر بها إلا أبناؤه وبعض القريبين منهم، ولكن ومع تطور الأوضاع ووصول هذا التيار للحكم في مصر وتونس ومشاركته في الحياة السياسية بقوة في دول أخرى وتسليط الأضواء عليه بدأت هذه الأزمات تظهر وبدأ الإعلام العلماني المناهض لهذا التيار في استغلالها للنيل منه جماهيريًا وتشويه صورته؛ مما جعل من الواجب على أبناء هذا التيار أن يلفتوا الانتباه لبعض الأخطاء التي أدت لأزمات عنيفة في هذا التيار وبدأت تؤثر سلبًا على أدائه السياسي والجماهيري في فترة من أصعب الفترات في تاريخ هذا التيار.
وعلى رأس هذه الأخطاء التي انتشرت في العديد من التيارات الإسلامية في معظم بلدان العالم الإسلامي هو تقريب أهل الثقة وتصعيدهم في المناصب القيادية واستبعاد أهل الكفاءة، مما أدى لوجود عدد من القيادات تندهش من مستواها العلمي والفكري ومن تصريحاتهم وتوقيتات هذه التصريحات التي تمثل عبئًا كبيرًا على هذه الجماعات وعلى التيار الإسلامي ككل في وقت ينتظر فيه الأعداء أقل خطأ لتكبيره وتعظيمه وعمل مانشيتات صحفية عليه وتحميله ما يستحق وما لا يستحق.
بعض القيادات في التيار الإسلامي كانت دومًا تعتذر في هذه القضية بأعذار كثيرة واهية، تعكس خوفها على مناصبها أكثر من خوفها على الكيان الجماعي، ويقولون: "إن أهل الثقة أضمن من أهل الكفاءة من أجل منع الانشقاقات والتصدعات داخل الجماعات المختلفة"، والحقيقة أن التصدعات والانشقاقات استمرت ووضح أن الأمر كان يتعلق بتربية جنود مطيعين لا يمتلكون ملكة الابتكار والتجديد، والخوف من أصحاب المواهب القيادية حتى ولو كانوا يؤمنون أكثر من غيرهم بأفكار هذه الجماعة وعندهم من المؤهلات العلمية والكفاءة الإدارية ما يجعلهم واجهة مشرفة لهذه الجماعات.
السمع والطاعة داخل جماعات الدعوة الإسلامية في إطاره الشرعي المعروف لا غبار عليه، فهو موجود في أكبر الأحزاب السياسية في العالم و بدونه لا يمكن لحزب ما أن يصل إلى السلطة أو يحقق أي نجاح، ولكن هناك فارق بين هذا وبين أخذ مواقف إقصائية ضد أصحاب الأراء المختلفة مع القيادة والتي لا تمشي في ركابها، وتسكت على الأخطاء وتنصح وتناقش وتدلي باجتهادات مختلفة حيث ينظر إليها بوجس، بينما الأشخاص المستكينون الذين ليس لهم أراء جديدة ومبتكرة ويسمعون اجتهادات القيادات ويشيدون بها طوال لوقت ينظر إليهم على أنهم الأجدر بالثقة والمكانة مهما كانت قدراتهم محدودة مما يصنع فقاعات هوائية.
لقد رأيت بعض قيادات التيار الإسلامي وبعضهم من المتحدثين الرسميين يجلسون في برامج على الفضائيات مع وجوه علمانية معروفة وهم لا يعرفون أبسط قواعد النقاش العلمي والشرعي، ولا يحيطون جيدًا بالواقع الذي يتكلمون فيه فيخرج المشاهد وهو مقتنع بالأفكار العلمانية وقوة حجة قائلها، ناهيك عن المسؤولين الذين تولوا مناصب في حكومات مصر وتونس من التيار الإسلامي وأثبتت التجربة أنهم دون المستوى وبعضهم تورط في تصريحات وتلميحات مسيئة للتيار الإسلامي. لا يمكن هنا أن نغفل أن جزءًا مهمًا من فشل الحكم في مصر وتونس حتى الآن جاء نتيجة سوء اختيار الأشخاص المناسبين للمناصب جراء اختيار أهل الثقة دون أهل الكفاءة.
طبعًا هناك حملات علمانية مضللة ومزايدات في هذا الجانب، ولكن لا يمكن أن نهمل أبدًا الأخطاء التي وقع فيها التيار الإسلامي، وبعضها موروثات قديمة لا زالت تنخر في الكيانات الإسلامية وإن لم يتم الانتباه لها ومعالجتها ستؤدي إلى تصدع التجربة الإسلامية الوليدة في الحكم.
- التصنيف:
- المصدر: