بشائر وجوائز لمصلي الفجر بين الطب والشرع
في هذِه الورقة لنا موعد إن شاء الله مع صلاة، شهودُها يُجدِّد الإيمان ويقوِّيه، ويُحيي القلوب ويشرح الصدور، ويبعث في النَّفس طُمأنينة وانشراحًا، صلاة يثقِّل الله بها الموازين ويعظم الأجور، ويضمن بها التَّأمين الدنيويَّ والأخروي..
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا، وسيّئات أعمالنا، مَن يهْدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له، وأشْهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوْم الدّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
في هذِه الورقة لنا موعد إن شاء الله مع صلاة، شهودُها يُجدِّد الإيمان ويقوِّيه، ويُحيي القلوب ويشرح الصدور، ويبعث في النَّفس طُمأنينة وانشراحًا، صلاة يثقِّل الله بها الموازين ويعظم الأجور، ويضمن بها التَّأمين الدنيويَّ والأخروي.
نعم، صلاة مباركة مشهودة، أقسم الله بوقتها فقال: {وَالفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1- 2]، وإذا أقسم الله بشيءٍ دلَّ هذا على عظم مكانته وفضله؛ إذِ العظيم لا يُقْسِم إلاَّ بالعظيم، وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78].
قال ابن كثير رحمه الله: "عن عبد الله بن مسعود، عن أبي هُريْرة رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء من الآية:78]، قال: تشْهَده ملائكة اللَّيل وملائكةُ النَّهار".
ولأهمّيَّة صلاة الفجر؛ دعا الشَّارع الحكيم إلى الاحتِياط من مغبَّة ضياع صلاة الفجر؛ فعنْ فضالة اللَّيثي رضي الله عنه؛ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: « » (رواه أحمدُ وابن حبَّان في صحيحِه والحاكم).
بل أكثَر من هذا، حذَّر المفرِّط والمتهاوِن والمتخاذِل عنها؛ إذْ وسَمه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثٍ نبويٍّ شريف بالنِّفاق؛ لقوْل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الأذان). -يعني من ثواب- » أي: زحفًا على الأقدام؛ (رواه الإمام البُخاري في باب
كما أنَّ الله سبحانه وتعالى يتبرَّأ من أولئِك الَّذين يتركون الصَّلاة المفروضة؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الإمام أحمد في مسنده).
ولكن أخي الحبيب اللبيب -من باب التَّحفيز والتَّشجيع- نعرِض لك الفوائدَ الصِّحيَّة والجوائز الشَّرعيَّة لِمن يسعى إلى تسلُّق قمم المعالِي ويدوس سفاسِفَها:
الجوائِز الدنيويَّة والأخرويَّة لمصلِّي الفجْر:
• أفضل جائزةٍ على الإطْلاق: عن جَرير بن عبدالله البجليِّ رضي الله عنه قال: كنَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظَر إلى القمر ليلة البدْر، فقال: « » (رواه البخاري ومسلم).
• جائزة الجنَّة وبراءة من النار: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم)، والبردان: الصبح والعشاء.
وعن أبي زُهَيْر عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: « »؛ يعني: الفجر والعصر؛ (رواه مسلم).
وعن أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه البيْهقي وابن عساكر وابن النَّجَّار والخطيب).
جائزة الجنَّة! ما أفضلَها من جائزة! يكْفي الإنسانَ المسلمَ فخرًا أن يَقِف عندَها ولا يبحث عن المزيد، لكن لأنَّ النَّفس البشريَّة ضعيفة، يأبَى الله سبحانه وتعالى إلاَّ أن يَمنح الإنسان المسلم جوائزَ أُخْرى سبحانه وتعالى: {وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت من الآية:46].
• جائزة الزيادة في الأجر: عن عُثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
• جائزة التأمين الدنيوي والأخروي: عن جندب البجلي رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم وأحْمد والتِّرمذي).
• جائزة الطمأنينة النفسيَّة: وذلك من خلال الإحْساس بالطمأنينة في كنَف الله، تلك الطمأنينة التي وعده الله بها؛ فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
ولله درُّ الشَّاعر إذ يقول:
وَإِذَا العِنَايَةُ لاحَظَتْكَ عُيُونُهَا *** نَمْ فَالمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ
فَاسْتَمْسِكَنَّ بِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمًا *** فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ
• جائزة الانتصار على الشيطان: عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه البخاري ومسلم).
• جائزة البركة: عن صخْرٍ الغامدي قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الترمذيُّ وابنُ ماجة والإمام أحمد).
هذا طبعًا، غيْض من فيض، لكن يكْفي من القلادة ما أحاطَ بالعنق.
الفوائد الصحية لوقت صلاة الفجر:
ولعلَّ من فوائد الاستيقاظ الباكر -بيقظة صلاة الفجر- منافع صحّيَّة مهمَّة يَجنيها الإنسانُ المسلم، وههُنا نقِفُ عند جملة من الفوائد الصحّيَّة:
1- أنَّ "الكورتيزون" الَّذي هو هرمون النَّشاط في جسم الإنسان يبدأ في الازْدياد وبحدَّة مع دخول وقْت صلاة الفجْر، ويتلازَم معه ارتِفاع منسوب ضغْط الدَّم؛ ولهذا يشْعُر الإنسان بنشاطٍ كبير بعد صلاة الفجْر بين السَّادسة والتَّاسعة صباحًا؛ لذا نَجد هذا الوقْت بعد الصَّلاة هو وقت الجدّ والتَّشمير للعمل وكسْب الرزْق، طبقًا للحديث: « »، وهذا ملامَس ومعايَن ومشاهَد؛ إذِ العمل في الصَّباح يكون أكثر عطاءً وإنتاجًا على خلاف الأوْقات الأخرى من اليوم.
2- كذلِك تكون في هذا الوقت أعْلى نسبة لغاز الأوزون (O 3) في الجوّ، ولهذا الغاز تأثير منشط للجهاز العصبي وللأعمال الذهنيَّة والعضليَّة، وقد ثبت علميًّا أنَّ الأوزون في هذِه الأوْقات المبكِّرة ينزِل إلى الطَّبقات الدُّنيا الملامسة لسَطْح الأرْض.
وقد ثبت أنَّ حقن الأوزون يُمكن أن تعطي الجسم نشاطًا هائِلاً وتُشْعِره بسعادة كبيرة؛ لهذا يستشْعِر الإنسان عندما يستنشِق نسيم الفجر المسمَّى بريح الصَّبا لذَّة ونشوةً، لا شبيه لها في أيِّ ساعة من ساعات النَّهار أو اللَّيل.
3- الاستِيقاظ للصَّلاة في الفجر يقطع النَّوم الطَّويل على إيقاع ووتيرة واحدة، والتي تسبّب الإصابة بأمراض القلْب، وخاصَّة مرض العصيدة الشّرياني الَّذي يؤجّج خناق الصَّدر؛ لأنَّ النَّوم سكون مطْلق، وإذا دام طويلاً أدَّى ذلك لترسُّب الموادّ الدُّهنية على جدران الأوعية الشّريانيَّة، ومنها الشَّرايين الإكليليَّة القلبية، وهذا شرْط التَّبكير في النَّوم؛ ففي صحيحَي البخاري ومُسلم، عن أبي بَرزةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يكرهُ النَّومَ قبل العِشاء والحديثَ بعدَها.
خلاصة القول: أنَّ الاستيقاظ للفجْر للصَّلاة - غذاء للجِسْم والعقْل معًا:
• على مستوى العقل: تمدّ الإنسان بالطَّاقة اللاَّزمة للقيام بِمختلف الأعمال، وهي وقاية وعلاج، وهذه الفوائد وغيْرها يمكن للإنسان أن يَحْصُل عليْها لو حافظ على الصَّلاة، وبذلِك فهو لا يَحتاج إلى نصيحة الأطبَّاء بِممارسة التَّمارين؛ لأنَّه يُمارِسُها فعلاً مادامتْ هذه التَّمارين تُشْبِه حركات الصَّلاة.
• على مستوى الجِسْم: من الفوائد البدنيَّة للصَّلاة: تَحسين عمل القلْب، وتوْسيع الشَّرايين والأوْرِدة، وإنْعاش الخلايا، وتنشيط الجهاز الهضْمي، ومكافحة الإمْساك، وإزالة العصبيَّة والأرَق، وزيادة المناعة ضدّ الأمراض والالتهابات المفْصليَّة، وتقْوية العضلات، وزيادة مرونة المفاصِل، وإزالة التوتُّر والتيبُّس في العضلات والمفاصل، وتقوية الأوتار والأربطة وزيادة مرونتِها.
بل لا تعجبوا إن سمِعْنا ذلك حتَّى من الأطبَّاء الغربيِّين، مثل الدكتور "إليكسيس كارليل" الحائز على جائِزة نوبل في الطّبِّ، فيقول عن الصَّلاة: "إنَّها تُحْدِث نشاطًا عجيبًا في أجهزة الجسم وأعضائه، بل هي أعظَم مولّد للنَّشاط عرف إلى يومِنا هذا، وقد رأيتُ كثيرًا من المرضى الَّذين أخفقتِ العقاقير في علاجهم كيف تدخَّلتِ الصَّلاة فأبرأتْهم تَمامًا من علَلِهم، إنَّ الصَّلاة كمعدن الرَّاديوم مصدر للإشعاع ومولّد ذاتي للنَّشاط، ولقد شاهدت تأثير الصَّلاة في مداواة أمراض مختلِفة مثل التدرُّن البريتوني والتهاب العظام والجروح المتقيِّحة والسَّرطان وغيره".
4- وهناك فوائد صحّيَّة أخرى يعلمها علاَّم الغيوب، ويعجز العقْل البشري القاصر عن تشخيصها، عمومًا فوائد يقظة الفجر مع ريح الصَّبا لا تُعَدُّ ولا تحصى، والله أعلم وأحكم.
------------
المراجع المعتمدة:
1- (تفسير ابن كثير، الجزء الثالث).
2- (الاستشفاء بالصَّلاة للدكتور زهيررابح).
3- (يقظة الفجر مع ريح الصبا، جريدة السبيل، العدد: [56]).
- التصنيف:
- المصدر: