الإعلام وتشوية الوعي؛ مصر أنموذجاً

منذ 2013-09-29

ثمَّة حقيقة في المشهد الإعلامي المصري، هي أن الرئيس محمد مرسي جاء بالانتخابات، وكانت، كما أجمعت عليه الشهادات؛ انتخابات نزيهة، ولم تكن مثل سابقاتها النتيجة محسومة لمرشح واحد بالإجماع، أو كما عُرف قديماً بـ 99.9، ومع ذلك كان تيار كبير موجود في الساحة المصرية الإعلامية والسياسية يسعى لإفشال التجربة الديمقراطية؛ لأن الأمر ببساطة من يحكم مصر الآن يغرد خارج السرب الذي اعتاد على حكم مصر منذ تأسيسها.


ثمَّة حقيقة في المشهد الإعلامي المصري، هي أن الرئيس محمد مرسي جاء بالانتخابات، وكانت، كما أجمعت عليه الشهادات؛ انتخابات نزيهة، ولم تكن مثل سابقاتها النتيجة محسومة لمرشح واحد بالإجماع، أو كما عُرف قديماً بـ 99.9، ومع ذلك كان تيار كبير موجود في الساحة المصرية الإعلامية والسياسية يسعى لإفشال التجربة الديمقراطية؛ لأن الأمر ببساطة من يحكم مصر الآن يغرد خارج السرب الذي اعتاد على حكم مصر منذ تأسيسها.

المشهد الإعلامي المصري

تُشكّل أخلاقيات الإعلام مجموعة من المبادئ التي تركز على المصداقية، فمن دونها يفقد الإعلام دوره في المجتمع؛ وتشتمل أخلاقيات الإعلام على الأمانة، والمصداقية، والدقة، والموضوعية، والحياد، والتسامح، والمسؤولية، ولا بد من الالتزام بهذه الأخلاق حتى يستطيع الإعلام أن يكون مؤثراً.

وفي الحالة المصرية انهارت حيادية الإعلام وتعسكرت وسائل الإعلام برقابة خارجية وذاتية، وأصبح من يحاول الدفاع عن حيادية الإعلام يواجَه بهجوم حاد من رفاق المهنة، بحجة أنه لا حيادية في وقت الحرب، والشعب المصري في وقت أزمة ويجب التخندق حول الرؤية الواحدة.
في ظل هذا المناخ مارست الوسائل الإعلامية شتى الطرق لكسب تعاطف الشارع المصري، وقبل خطاب البيان الأول للجيش كانت قناة النيل، إحدى قنوات التلفزيون المصري، تبث صوراً لجنود يؤدّون مهامهم وقد بدت عليهم السعادة، والصوت كان موسيقى وأغاني وطنية، وتداولت صوراً بشكل سريع لجنود يتدلون من الطائرات واستعراضات لجنود وعربات عسكرية، ومزجت الصور بلقطات تخاطب مشاعر الكرامة الوطنية المصرية، مثل: الأهرامات، ورفع العلم، وعبور القوات المصرية قناة السويس خلال حرب 1973م، واكتظاظ الساحات بالجماهير الملوّحة بالأعلام في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير.


إن انحياز الإعلام المصري ضد الرئيس محمد مرسي، لم يبدأ عقب مظاهرات الإعلان عن 30 يونيو، بل بدأ منذ فترة طويلة، حيث كان الإعلام المصري أحد العوامل الرئيسة لحشد الجماهير ضد حكم مرسي، وظل طيلة الفترة الماضية يتعامل مع المؤسسة العسكرية باعتبارها المنقذ من حكم التيار الإسلامي، في حالة كانت سائدة في عموم الوسائل الإعلامية المصرية من عدم بث الرأي والرأي الآخر.

وفي اليوم الثاني لإعلان القوات المسلحة بيان عزل الرئيس مرسي، نظّم أنصاره عدداً من التظاهرات، لكن الإعلام المصري لم ينقل صوراً لهذه التظاهرات بحجة عدم إشعال الموقف، وتحريض الجماهير على النزول إلى الشارع، وركزت القنوات الفضائية التابعة للدولة، أو الخاصة، على أفراح المواطنين بعزل مرسي، دون إشارة إلى ما يحدث في مظاهرات أنصاره، وغاب الرأي الآخر، خاصة بعد موجة غلق الفضائيات المحسوبة على التيار الإسلامي.

التلفزيون المصري حاول ارتداء ثوب الحياد بعد أداء متواضع في تغطية ثورة 25 يناير، ثم فترة حكم المجلس العسكري، واستضاف ضيوفاً من الجانبين، ومالت الكفة قليلاً نحو الرأي المؤيد للرئيس مرسي، قبل أن يعتمد صيغة ثورية مع ظهور بوادر امتلاك الجيش المصري زمام الأمور في البلاد بدلاً من مرسي، وسار في خطوات مشابهة للتي نفذها الإعلام الخاص، وأصدر محررو قطاع الأخبار في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري بياناً جاء فيه: "نتوجه نحن العاملين في قطاع الأخبار للشعب المصري بالاعتذار عن ضعف التغطية الإخبارية وافتقارنا للصورة في العديد من المواقع الحيوية التي تكتظ بالمتظاهرين في غالبية المحافظات وبعض المواقع المهمة داخل القاهرة، وذلك نتيجة تعنّت وتعمّد المسؤولين، الذين رفضوا خروج الكاميرات لتصوير الأحداث، لتلقّيهم تعليمات عليا بذلك، على رغم تأكيد رئيس قطاع الأخبار أنه أصدر تعليمات بتغطية كل الأحداث والمواقع والالتزام بالمهنية والموضوعية".

وخصّصت الصحافة مساحات واسعة للأحداث المتعاقبة منذ 30 حزيران، إذ نشرت الصحف تقارير ومقالات رأي عن تطور الأحداث في مصر، وحمّلت كثير من الصحف عبر مساحات واسعة في العناوين الرئيسية والمقالات والتقارير الرئيس مرسي مسؤولية الأحداث، وكانت العناوين الرئيسية لعدد من الصحف:

صحيفة اليوم السابع: كارت أحمر للرئيس.. 22 مليوناً استمارة "تمرد" تسحب الثقة من الرئيس.
صحيفة التحرير: ارحل.
صحيفة المصري اليوم: الميادين لمرسي: سنة كفاية.
صحيفة الأهرام: مصر في قبضة الخوف.
صحيفة الأهرام: كواليس الساعات الأخيرة في حكم مرسي.
صحيفة الأخبار: وانتصرت إرادة الشعب.
صحيفة الوطن: الإخوان تعلن الحرب على مصر.
صحيفة المصري اليوم: الإخوان تعلن الحرب على الشعب.


حالة الإقصاء طالت كذلك الصحفيين الذين لم يكونوا مع الانقلاب، فقد طرد صحفيون مصريون مراسلَ قناة الجزيرة من المؤتمر الصحفي المشترك بين الجيش ووزارة الداخلية للإعلان عن تفاصيل أحداث الحرس الجمهوري، بحجة انحيازه للتيار الإسلامي وأنصار الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ومحاولة إشعال الأوضاع في البلاد عن طريق تغطيته مظاهرات أنصار (الرئيس السابق)!

وهكذا اشتعل المشهد الإعلامي المصري بالعداء الصريح للرئيس مرسي والتيار الإسلامي، ووصف بعضهم أعضاءه بأنهم "أعداء الشعب" "محرضون على العنف"، أما عبارات السب والشتم الشخصي والتجريح فهي كثيرة وموجودة في مواقع الفيديو العالمية!

أساليب التشويه:

مارست وسائل الإعلام المصرية قبل الأزمة ومنذ صعود التيار الديني، العديد من الوسائل للتشويه، وبخاصة مع استمرار عمل كبار الموظفين وغيرهم في مناصبهم من الحزب الوطني المنحل إبان عهد حسني مبارك، فتقول بثينة شعبان إن الإعلام المصري لا جديد فيه بعد الثورة. نشرات الأخبار حتى الآن مثل ما كانت قبل الثورة، وبها الشخصيات نفسها التي كانت تستعدي الجماهير قبل الثورة. وتضيف: معظم العاملين في التلفزيون والإذاعة المصرية تابعون للحزب الوطني المنحل وروّجوا للنظام السابق، والتلفزيون يحاول استرجاع العصر القديم بأقنعة زائفة ومستعارة تلعب على وتر الثورة وهموم الناس.

أما الإعلام المصري الخاص فقد كان مأمولاً منه في ظل هامش الحرية بعد ثورة 25 يناير، أن يوسع هذا الهامش لصالح المرحلة الجديدة، لكن من كان ممسكاً بزمام المبادرة فيه خليط من أموال وشخصيات مرتبطة بالنظام السابق، ما يجعل رسالته قائمة على مجابهة النظام الجديد بكل الوسائل والطرق.

وبمعنى أكثر وضوحاً؛ عمل تلك المؤسسات الإعلامية ليس له علاقة بالتجارة أو الاقتصاد أو حسابات الربح والخسارة كما هو معمول به في عموم وسائل الإعلام؛ بل هي أجندة مختلفة تتعلق بالسياسة والمصالح، وهذه الأجندة تأخذ وجهين:

الأول: أن يدافع رجل الأعمال عن نفسه.

والثاني: أن يغيّر شيئاً ما في المجتمع لصالحه، أي إعادة تشكيل الرأي العام.

تتعدد الأساليب التي يمكن استخدامها في التشويه الإعلامي، ومنها: التقارير الإخبارية، ونشرات الأخبار، والبرامج الحوارية؛ وتقوم في مجملها على أساليب علم النفس الإعلامي، مستخدمة في ذلك عبارات مقنعة لكنها غير واقعية غالباً، من خلال النفوذ إلى العقل الباطن والتأثير اللاواعي على اهتمامات المتلقي ورغباته، ثم توجيهها وفق الهدف المطلوب، ويقوم عليها شخصيات لهم حضور إعلامي وقادرون على التلاعب بالألفاظ واستخدام الكلمات.

في الحالة المصرية تم استخدام أكثر من طريقة في التشويه، وكان أبرزها الهجوم الشخصي على مؤسسة الرئاسة المصرية وشخصية الرئيس محمد مرسي، طال حتى أبسط الأشياء، ومنها حصوله على الدكتوراة الفخرية من الجامعات الباكستانية، تم ذلك عبر تكرار مستمر لعدد من الأفكار بشكلٍ بسيط ومتكرر، وهو أسلوب غالباً ما يكون مؤثراً، خاصة إن ظهر في أكثر من مكان وقدمه أكثر من شخص في وقت وبشكل متناغم ومدروس.

يلاحظ على وسائل الإعلام المصرية بعد ثورة 25 يناير أنها لم تكن تسير متناغمة مع المطالب الشعبية بشكل تام، لكنها استغلت المزاج الثوري العام في الشارع المصري. وحرصت الوسائل الإعلامية ضمن سياق حملات التشويه على نتائج الانتخابات الرئاسية، على الاستفادة من الشخصيات اللامعة، مثل: عمرو موسى والبرادعي وحمدين صباحي، إضافة إلى غيرهم من فئة الشباب، وهو من أكثر الأساليب التي أثرت في المزاج الشعبي المصري وخدع الكثير من البسطاء ممن انطوت عليهم أفكار من لا يتورّعون عن تقديم بعض الآراء في قوالب فكرية مصطنعة خصيصاً للمزاج الشعبي، حيث مارست تلك الشخصيات تمرير الكثير من الأفكار والتوجهات تحت سطوتها والمزاج الثوري السائد، وظهرت شخصيات من الصف الثاني والثالث وتبوّأت مركز الريادة والتوجيه، وتم تقديمها تحت مسميات من قبيل: "الباحث، والخبير الاستراتيجي، والخبير في شؤون كذا، والمفكر، والإسلامي المستنير"، وتكمن الخطورة هنا في بث الأفكار بألسنة محلية وأسماء مقبولة ومعروفة ضمن سياق المزاج الثوري السائد.

كما مارست الوسائل الإعلامية التخويف عبر شيطنة التيار الإسلامي وحشد مزيد من الرأي العام عن طريق إثارة الفزع من النتائج المترتبة، وخاصة على ميدان الفنون والثقافة، من جراء صعود التيار الإسلامي دون الأخذ بشكل فعلي بالناتج على الأرض، وخاصة الإجراءات التي طمأن بها وزير الإعلام المصري عموم المثقفين والإعلاميين بأن الحريات مصونة بموجب الدستور.

وكانت الشيطنة والكذب في معركة إقرار الدستور بعد الانتخابات من أهم المعارك التي استخدمتها الوسائل الإعلامية المصرية المعارضة في التشويه؛ حيث شنت المعارضة من خلال هذا الإعلام حرباً ظالمة ضد الدستور، واخترعت أحكاماً، ورفضت إجراء المناظرات، وهاجمت الدستور والتيار الإسلامي، واتهمت كل من يلتزم بالتحليل الموضوعي بأنه من الإخوان المسلمين ضمن حملة الكراهية ضد الدستور، ما ترتب على ذلك حرمان المواطن المصري من الثقافة الدستورية ومعرفة حقيقة الدستور، خاصة أنه أول مرة يتعامل مع الدستور بعد أن شارك ممثلوه في كتابته.

وقد انبرى عدد من أساتذة القانون لشيطنة الدستور، واحتفى بهم الإعلام، وانفسحت أمامهم الشاشات، واحتكروا الظهور كل ليلة محذرين من خطر عظيم، بل وصل الأمر في عملية التلبيس والتزييف إلى أن زُوّرت نسخ الدستور وتجاسر بعضهم فأفتى بأن هذا الدستور مخالف للشريعة الإسلامية.

في ضوء هذا الجدل انقسم الشعب المصري؛ فأصبح المعارض للدستور يعادي من يقابله، واستخدمت المعارضة كل أساليب التشويه بالفعل والقول لتدفع الناس إلى رفض الدستور ومناهضته، ومع ذلك وافق الشعب على الدستور.

كما تعمّد التيار المسيطر على العملية الإعلامية المصرية إطلاق تعاميم وأحكام مسبقة، واستخدام عبارات دالة أو إشارات تدل على تشويه متابعي الرأي الآخر؛ للدلالة على تضليلهم ورغبتهم الكامنة في القتل والتخريب والإرهاب، وهي كلمات تطلق لمن لا يوافق أهواءهم مثل عبارة قاتل الأطفال التي ظهرت بعد حادثة اعتداء وإلقاء البلطجية أشخاصاً من أعلى خزان ماء وإلصاق التهمة بالتيار الإسلامي، ويعتمد هذا الأسلوب على تشويه صاحب الرأي المخالف بطريقة تجعله عديم الأخلاق والقيم بواسطة إلقاء الاتهامات الباطلة.

لقد مارست الفضائيات سياسة معروفة في علم النفس الاجتماعي، وهي ضمن قاعدة عامة عريضة، "من ليس معنا فهو ضدنا"، وهي بمنزلة الدعوة للانضمام إلى الحشد. ولعب الجيش المصري بعملية إسقاط الأعلام على المحتشدين في ميدان التحرير، دوراً مهماً في التشويه من خلال الاستعراض بالطائرات وإسقاط الأعلام والتلويح بها من قبل المتظاهرين بشكل يزيد من وطنية الحشود عبر تغذية الشعور الوطني وإلهاء المحتشدين بمعاني الوطنية لإبعادهم حتى عن التفكير بالقضية المركزية التي انطلقوا من أجلها في المظاهرات.

وجاء تعامل الوسائل الإعلامية الرسمية والخاصة مع مجزرة الحرس الجمهوري بنقل الصور والمشاهد التي صورها الجيش للأحداث، مبررين مقتل المتظاهرين بأنه نتيجة لمحاولة اقتحام أنصار الرئيس مرسي منشأة عسكرية. وتعاملت وسائل الإعلام مع ضحايا الأحداث باعتبارهم إرهابيين حاولوا الاعتداء على الجيش، مصدرين الأحكام حتى قبل ظهور نتائج تحقيقات تبيّن ما حدث، ومحملين التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين مسؤولية إراقة الدماء، واتهموهم بمحاولة توريط الجيش وجرّه إلى حرب مع الشعب.

وجاءت القمة في تشويه التيار الإسلامي بعد المجزرة مباشرةً، فلا الوسائل الإعلامية استضافت من يدافع عن رؤية المعتصمين أمام الحرس الجمهوري، ولا من يتحدث من عائلات المصابين والقتلى عن وقائع اليوم، بل كل المتحدثين كانوا يتداولون الرواية الرسمية للمجزرة ويكررونها ملقين التهمة على عموم التيار الإسلامي، ومؤكدين أنه لولا قرار إغلاق الفضائيات المحسوبة على التيار الديني لحدث ما لا يحمد عقباه.

وشكّل موضوع صراع الأفكار عبر ما يُسمّى تحفيز الاستنكار، وخاصة في موضوع الفن والحريات؛ أهمية في التشويه الإعلامي، وخاصة في حشد الفنانين والمثقفين ضد مؤسسة الرئاسة، مدعين أن التيار الحاكم في مصر يسعى إلى منع الفن والسينما المصرية العريقة، وظهر أكثر من فنان ومثقف ومسرحي وانتقد الرئاسة المصرية بشكلٍ علني وفي أكثر من مكان ومجال، ما أوجد تياراً عند العموم يقول إن وجود حكام مصر الحاليين سيدفع عموم الشعب المصري إلى التعصب ومحاربة الفن والثقافة المصرية.

ومُورس التشويه الإعلامي في الجمل والعبارات عبر إطلاق الشعارات، مثل: "الجيش والشعب إيد واحدة"؛ بهدف قولبة وتنميط الأفكار ونشر فكر معين يكون مدروساً يعتمد على استثارة المشاعر، وتتم عملية القولبة والتنميط من خلال نشر أحكام مسبقة من خلال تصنيف وقولبة الرأي المخالف في صورة مكروهة من الجمهور، واعتمد التشويه هنا على نقد التيار الديني للمؤسسة العسكرية المصرية، دون توضيح أو بيان سبب النقد، حيث كان الظاهر أن المعارضة المصرية هي مع الجيش، والجيش هو الشعب أو الرئاسة، فهي بعيدة عن الشعب.

كما مورس التشويه الإعلامي في أحداث مصر عبر تسمية الأشياء بغير مسمياتها، فالملايين التي نقلت صورهم الفضائيات المصرية كانوا فعلاً ملايين؛ ولكن ليسوا في 30 يونيو، ولكن في أحداث ثورة 25 يناير وما تبعها، واستغلت عبارة الملايين في أكثر من خطاب وتصريح وتقرير، مع أن فريق أنونيموس[1] الذي اخترق موقع حركة تمرد المصرية أكد أن عدد المسجلين في الوثيقة التي عُرفت باسم تمرد بلغ 170 ألفاً فقط، والأرقام لعبت هنا دوراً مهماً في التشويه الإعلامي، حيث يأتي الحديث بلغة الأرقام للدلالة على مصداقية الحدث المراد ترويجه، إذ تعمد وسائل الإعلام في كثير من الأخبار إلى استفتاءات وإحصائيات وتتداولها للتأكيد على رؤية معينة.

كما مارست الوسائل الإعلامية وعبر متحدثين أظهروا العقلانية بخطاب مدروس أطلوا من خلاله على الوسائل الإعلامية وطالبوا بأهمية العودة إلى الحوار، وخاصة بعد نجاح الانقلاب، وبثوا من خلال اللقاءات والبرامج والمقالات أهمية العودة للحوار بين جميع أطياف المجتمع المصري لجميع الاتجاهات، ما أكسبهم التعاطف مع الجمهور الذي نزل للحشد في الشوارع عبر تقديم الأفكار الضحلة دون التعرض للقضايا الحساسة والمثيرة للخلاف، بل يتجاوزها إلى ما هو أبعد منها ليتعامل مع الواقع من حيث هو، ما يؤدي لا شعورياً إلى ترسيخ هذا الواقع في وجدان المتلقي إلى درجة التعايش معه وتقبّله دون التساؤل عن صحته وحقه أصلاً في الوجود فضلاً عن الاستمرار.

ومن النماذج الواضحة على التعاطي الإعلامي بنمطين مختلفين، أحداث محيط قصر الرئاسة بالاتحادية وسقوط العشرات، ومع ذلك لم يُذكَروا لمجرد انتمائهم للإخوان المسلمين، ثم تسقط ضحية أخرى في أي مكان المهم غير تابعة للتيار الإسلامي؛ فينطلق المارد الإعلامي محذراً من الفتنة ويحمّل المسؤولية طبعاً للبلطجية من التيار الإسلامي.

كذلك حصار مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية لمدة 14 ساعة دون أي تدخل من الجيش والشرطة، ثم انطلاق مظاهرة نحو قسم شرطة الدقي تحرّك المارد الإعلامي محذراً من الفتنة التي يقوم على رعايتها الإسلاميون ضمن خطاب الكراهية أو التحريض على العنف.

أما في الحرائق والتخريب فحرق مقار أحزاب الحرية والعدالة أو النور أو الوسط لا يُحرِّك الإعلام ساكناً، أما عند التهديد بحرق مقر لحزب الوفد فينقل الإعلام هذه المحاولة على الهواء مباشرة مع تضخيمها وإظهار الإسلاميين وكأنهم شياطين.

كل تلك الطرق السابقة وغيرها مارستها كتيبة التشويه الإعلامي المصري عبر ادّعاء الموضوعية وإعلاء المصلحة العليا عبر بثّ كلمات مثل الموضوعية والشفافية وإظهار متحدث ومقدم هادئ النبرة في الحوار؛ كل ذلك لعب دوراً في التشويه بادّعاء استخدام الموضوعية.

هل يؤثر التشويه الإعلامي فعلاً؟

ما من شك فإن الإعلام مؤثر قوي وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، وفي الحالة المصرية أصبح المواطن المصري محاصراً بالإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، فلا يجد مصدراً واحداً ينقل الحقيقة، سواء من حيث الخبر الصحيح أو التحليل الموضوعي، وأصبح الكثير من الوسائل الإعلامية منصات للتضليل، ومنها صحف: اليوم السابع، التحرير، المصري اليوم، الأهرام، الأخبار، والوطن. ومن القنوات الفضائية: دريم، سي بي سي، النهار، الحياة، والقاهرة والناس.

وبشكل دقيق ما زالت تلك الوسائل الإعلامية وغيرها تدور في فلك النظام القديم، حتى وإن مارس الإعلام نوعاً من نقد النظام السابق، إلا أنه كما اتضح بعد تجربة عام من حكم التيار الإسلامي في مصر؛ أن هناك من يمجد النظام القديم ولكن المعايير تتسع وتضيق بحسب الموضوع، لكن الأهم أن يكون نقد النظام الجديد (التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين) حاضراً دائماً في كل برامج وعناوين الصحف مهما كانت المادة الإعلامية.

والحقيقة أن من يقوم بالتشويه المتعمد ليسوا من أبناء ثورة 25 يناير، بل هم أتباع النظام السابق الذي سقط فسقطت معه مصالحهم السياسية والمالية والإعلامية، وتلوّنوا حسب الموجة، ولا مانع من نقد التيار القديم طالما أنه يحقق في النهاية مصالحهم، لكن نموذجهم الحالي يقوم على نشر الأكاذيب وتجهيل الشعب وتضليله وتقديم المواد التافهة لتسليته والانحطاط بمستواه للوصول إلى النتيجة، وهي تسطيح العقل والقبول بما تم رفضه قبل 25 يناير.

ـــــــــــــ

1- انظر:   http://haln.net/p3300


باسل النيرب

 

المصدر: مجلة البيان العدد: [314]؛ شوال 1434هـ، أغسطس - سبتمبر 2013م.