قصة من وحي الواقع - الحلقة الثانية (الشمعدان الأحمر)

منذ 2013-10-02

الإخوة الأحبة، إن هذه السلسة من الحلقات لا تدعو على الإحباط بقدر ما تحاول أن تستيقظ الهمم وتستنفر الجهود للمخلصين من أبناء الأمة الإسلامية لما يحاك لها من تدبير الاعداء وهي إنذار مبكر وتحذير مما يتم إعداده لإحباطه وعدم التسليم به. وعمل الصدمة اللازمة بإبراز المخطط في صورة درامية روائية لدفع الأمة إلى مربع الحدث الحقيقي وليس المزيف...م. خالد غريب


في الحلقة السابقة من رحلتي الى العام 2030:

 

بعد أن ركبت آلة الزمن العجيبة ووصلت إلى العام 2030 وعشت لحظات صعبة صادمة منذ استقبال ابني لي، وسماعي بعض الأخبار في التلفاز تصف الأوضاع السياسية. توقفنا عندما انتهي ابني من الكلام، وانتهت ابنتي من الصلاة، وذهبت لإعداد الطعام الذي كانت قد شرعت بإعداده لي، بينما طلب الابن الإذن بالمغادرة بعد أن نظر إلى الشاشة أعلى السقف وتحدث إلى أحد الأشخاص الظاهرين عليها وهو ممسكاً بالريموت. كانا يتحدثان بلغة لم أقهمها نهائياً، ولكنها تشبه العبرية إلى حد كبير. استأذن على أن يعود لي بعد ساعة عسى أن أكون ارتحت واستعدت حيويتي ونشاطي، فأذنت له بإماءة رأسي.

وعند شروعي لتناول الطعام الذي تعده لي ابنتي ثم أنام قليلًا ليس لأني أريد النوم بعد ما شاهدته ولكن عسى أن يعيد لي النوم ذهني الشارد بعيداً.

 

للرجوع إلى الحلقة الاولى:

 

الحلقة الثانية:

 

المهم بالفعل حضرت ابنتي مسرعة بالطعام ووضعته لي، وبالطبع كانت حالتي غير مؤهلة لتناول طعاماً إلا أن الجوع وأيضاً لهفتي بالرجوع إلى حالتي الطبيعية جعلني أتناول الطعام لعله يُساعد في تحريك الدماء المتجمدة في عروقي.

المهم تناولت الطعام وكان طعاماً غريباً إلى حدٍ ما إلا أنه شهي ولكني لا أعرفه، ولم أسأل حتى ابنتي عن نوعية هذا الطعام.

أثناء تناولي للطعام بدأت طفلتي -الجامعية الآن- في محاولة جذب أطراف الحديث معي ولكن بحذرٍ شديد فقالت:

- اشتقنا لك أبي!

- نظرت إليها بابتسامة بلهاء وأومئتُ برأسي لها...

وبالطبع كانت تعرف أني لن أهتم بتلك المشاعر الأبوية بسبب الصدمات التي رأيتها ولازلتُ أراها.

- سكتت قليلاً ثم دخلت إلى غرفتها وعادت ببعض الأوراق وضعتها أمامي وكنتُ أكاد انتهي من الطعام.

- نظرت إليها نظرة استفهامية؛ وكأني أسألها ما هذا... وعاودتُ التركيز في الوريقات لاحظتها مُصفّرة ومتآكلة وكأنها وثيقة فرعونية انتشلوها في أحد المقابر الأثرية.

- ابتسمت ابنتي وقالت هذا أحد مقالاتك عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، تحت مظلة عالم واحد تقوده أمريكا استطعت الاحتفاظ بها، وكنتُ أطابق كل عامٍ ما ورد فيها.

لم أنتظر أن أغسل يدي بعد الطعام وتناولت الوريقات، وبالفعل وجدت فيها سلسلة مقالات كتبتها في العام 2013م عن مستقبل المنطقة، وأخذت أتفحص الوريقات جيداً.

وربما كانت تلك الوريقات هي ما كنتُ أحتاجه لأني بدأت أشعر بالدماء تتدفق في عروقي من جديد، ولاحظتُ لساني الثقيل بدأ في الحركة، وحدقة عيني بدأت في العودة إلى حجمها الطبيعي.

قرأتُ الوريقات أكثر من مرة بتركيزٍ شديد.

وكانت فعلاً تحوي عدة مقالاتٍ مسلّسلة مستندة على دراسة قرأتها صادرة عن أحد مراكز البحوث الأمريكية التابع للحكومة الفيدرالية في العام 2005م؛ مكونة مما يقارب من 400 صفحة فلوسكاب باللغة الإنجليزية. وكنت قد ترجمت تلك الدراسة، وقارنت بين محتواها وبين تسلسل الأحداث من 2005م حتى 2013م، وتلك الدراسة كانت بعنوان: "شكل العالم بعد 15 عام".

ملخصها:

أن ذلك المركز الأمريكي وضع سيناريوهات المستقبل وِفق تحليلاتٍ دقيقةٍ جداً وآلاف البحوث والدراسات الميدانية عن شكل العالم بعد هذه المدة، التي هي نفس التاريخ الذي حدده البروفيسور برنالد لويس العراب يهودي الديانة وأمريكي الجنسية وأستاذ التاريخ في الجامعات الأمريكية؛ لقيام مشروع الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل (إقليم إسرائيل الكبير) وكان ما وصل إليه المركز عدة سيناريوهات.

وشارك في إعداد خيارات الإجابة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين، وتبنّى الدراسة المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات. كما نُشِر في (الشرق الأوسط، 2/11/2005م).

وكان هناك أربعة خيارات وهي:

1- إمبراطورية إسلامية من المغرب إلى إندونيسيا.

2- عالَم من الفوضى والإرهاب.

3- عالَم تسوده العولمة بدون سيطرة أمريكية.

4- عالَم تسوده القيم الأمريكية وتحكمه واشنطن.

وبانقضاء الزمن من 2005م إلى 2013م؛ ضعفت السيناريوهات الأول والثاني. وأصبح الأمر يدور بين الثالث والرابع وِفق المتغيرات في تلك الفترة.

وعند كتابتي لتلك المقالات كانت منطقة الشرق الأوسط فعلاً تدور في حالةٍ غليان وتحولات مستمرة وحالة ضبابية كانت تسود المشهد:

- انقلاب عسكري في مصر 2013م.

- حرب ضروس في سوريا بين نظام شيوعي بعثي شيعي وبين الشعب السوري كان يُعد آخر قلعة شيوعية محصنة في المنطقة، إلا أن الانقلاب العسكري في مصر ربما أعطى له قُبلة حياةٍ نظراً لهوية وخلفية الجنرالات القائمين بالانقلاب الشيوعية.

- فضلاً عن حرب قبائلية في ليبيا بعد القضاء على القذافي.

- والتجاذبات السياسية بين العلمانيين الشيوعيين والإسلاميين في المغرب العربي.

- وتجميد المشهد العراقي في الثلاجة الإيرانية الأمريكية المشتركة.

- واشتعال البركان الجنوب الأفريقي بدءاً بالسودان الذي ما يلبث أن يخمد إلا ويشتعل من جديد.

- وحالة الخليج العربي البوهيمية.

- وجزيرة العرب -وما أدراك ما جزيرة العرب- التي تقف الآن على حافة البركان بعد بلوغ مَلكِهم عبد الله أرذل العمر وتحفُّزٌ عالٍ بين أفراد الأسرة، وتعقيدات علاقات المملكة شفرة الغرب والشرق.

- وأيضاً حال الحركة الإسلامية آنذاك التي نزلت ملعب كرة القدم السياسي بملابس الإحرام الخاصة بالحج.

كل ذلك عاد من جديد وربما كان بمثابة الوقود الذي كنت أحتاجه لتشغيل أجهزتي العقلية والنفسية بل والجسمانية من جديد حتى استوعب الأحداث!

- أثناء انهماكي في القراءة واسترجاع الذاكرة لاحظت أن ابنتي كانت تنظر إليّ بلهفة وتركيز في محاولة ذكية منها لاستشعار ردة فعلي بعد قراءة المقال؛ وكأنها أعطت لي مشاية الأطفال التي يرتكز إليها الطفل عند خطواته الأولى تحت رقابة أعين أُمّه الصارمة.

توجهت إليها بسؤال مباشرةً بل بأسئلة متلاحقة كزخات الرصاص:

- ماذا حدث يا مريم؟!

- ما هو السيناريو الذي وقع من تلك السيناريوهات؟!

- هل تم قيام إسرائيل الكبرى؟!

- ماذا حدث بعد الانقلاب العسكري الشيوعي على مصر؟!

- أي قدرٍ سمح به الأمريكان باجتياح الشيوعيين للمنطقة بعد بعثهم من مقابرهم التاريخية؟!

- كيف وفَّق اليهود بين دببهم الشيوعية ووحشهم الأمريكي وهل قدمونا قرباناً لهم؟!

- ماذا حدث هل حكمت أمريكا العالم فعلاً بشكلٍ رسمي مؤسسي؟ وهل أوكلت منطقتنا لإسرائيل؟!

- ماذا حدث للسعودية، الكعبة ؟ البيت الحرام؟ مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟!

- أين تركيا ماذا حدث لها؟!

- ماذا حدث للتحالف الروسي الصيني الإيراني؟!

- أين المسلمين يا مريم؟! أين المسلمين يا ابنتي؟! ماذا حدث لهم؟!

- أين المجاهدين يا مريم؟! أين المجاهدين؟! أين المجاهدين يا ابنتي؟!

أسئلةٌ كطلقات الرصاص انهارت على عقل طفلتي الصغيرة؛ وكأنها مياهٍ انطلقت من ماسورةٍ تحت ضغط عالٍ بعد إزالة سدد حجز تلك المياه وقتاً طويلاً مكونةً شلالات منهمرة.

كانت تنظر لي ابنتي وقد بدأت تتلعثم ليس لشيء بقدر حيرة بالغة من أين تبدأ الفتاة المسكينة!

وقبل أن تنطق بكلمة؛ إذا بصخب وضجة كبيرة في الخارج، وصيحات، اهربوا... اهربوا... رجال تيتاني.. رجال تيتاني...

فزعت إلى الشرفة أرى ما هذا وإذا بابنتي تحاول منعي من ذلك وسارعتْ بالضغط على زرٍ عبر الحائط؛ وإذا بديكور المنزل كله تغير فجأة، وظهرت على الحيطان نجمة داود وشمعدان كبير نزل من أعلى السقف؛ مشتعل ليُعطي ضوءاً غريب ساطع يميل إلى اللون الأحمر.

وفي تلك الأثناء أمسكت مريم الريموت الخاص بالشاشة المعلقة على السقف حيث ظهر أخيها فاستدعته على الفور...!

لازال الضجيج في الخارج، واستغاثات وصيحات رجال تيتاني... رجال تيتاني... اهربوا...

تمكنت من الإفلات من يد ابنتي ونظرت عبر الشرفة لأرى رجالاً ونساءاً وأطفالاً بملابس متواضعة... يجرون ويهرولون في حركاتٍ عشوائية هيستيرية في اتجاهات عديدة، توجهتُ نحو الباب لأحاول استطلاع الأمر من قريب، إلا أنه لم يَفتح!

وأثناء تلك المحاولة؛ فجأة سكت الضجيج في الخارج تماماَ! وساد صمتٌ عجيبٌ لا يناسب أبداً تلك الضجة منذ قليل فالصمت كان مفاجئ جداً وكأنه الموت!

وتزامن مع ذلك الصمت انطفاء النور الأحمر الساطع القادم من الشمعدان، بل لاحظتُ أن جميع الأجهزة الكهربائية بالمنزل أُطفئت وكأنه انقطاع للكهرباء برغم استمرار باقي المصابيح في الإضاءة!

التفتُ إلى ابنتي وجدتها تشير إليَّ أن أجلس بعيداً عن الباب!

اكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة من رحلتي إلى العام 2030م على أمل اللقاء في الحلقة الثالثة إذا قدّر الله لنا البقاء.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام