اليونان؛ الربا الذي قصم ظهر البعير! (2)
حكاية ماركوس لم تنته بعد؛ بل يبدو ألا نهاية لها، ويبدو أن ماركوس نفسه هو نموذج للكثير ممن ساروا على نفس النهج تماماً، فاليونان ما هي إلا نموذج من نماذج الفقاعات الرأسمالية التي سيتوالى انفجارها تباعاً.
ولكن ما الذي حدث؟
الذي حدث باختصار أن قادة الدول الأوروبية رأوا أن الشعب اليوناني غالباً قد يرفض الخطة الأوروبية ويخرج من الاتحاد الأوروبي لعدم قدرته على السداد، مما يعني خسارة أعضائه للقروض السابقة التي اقترضتها اليونان، فقامت بالضغط على حكومة باباندريو فقام الأخير بإلغاء الاستفتاء وقبول الخطة، ثم قدّم استقالته وعرض تشكيل حكومة وحدة وطنية!
مخطئ تماماً من يعتقد أن اليونان وحدها على حافة الخروج من النادي الأوروبي؛ فالشعب الألماني في حالة استياء عارم وذلك لأن ألمانيا تعيش حالة من الانتعاش الاقتصادي يساهم تلقائياً في حل مشاكل أعضاء النادي المتعثرين أمثال اليونان والبرتغال وأسبانيا وإيطاليا، ولم يعد بوسع حكومة أنجيلا ميركل اقناع الشعب بجدوى استمرار ألمانيا في الاتحاد.
والشيء المثير حقاً للاهتمام في هذه الأزمة أن الاتحاد الأوروبي حينما اجتمع وعرض المساعدات، لم يكن بغرض مساعدة اليونان، وإنما بغرض مساعدة صناديقهم من الإفلاس إذا توقفت اليونان عن السداد؛ فالكثير من البنوك الأوروبية ستتعرض للانهيار فوراً إذا أعلنت اليونان إفلاسها وعجزها عن سداد ما عليها من ديون، وهذه هي فلسفة حلقة لعبة الديون، فالرأسمالية الجديدة المتوحشة تعبُد المال وصلواتها هي الاقتراض أولاً وأخيراً، فالقادر يقترض والمحتاج يقترض، والجميع مدين، وكل المشاريع تسير بالاقتراض، وما أن يبدأ التعثر حتى تبدأ الكارثة، ولا أخلاق هنا ولا مبادئ، وإنما المال هو القانون أولاً وأخيراً، ولا عزاء لليونان فهي رمز الحضارة الإغريقية ومهد الفلسفات التي أنتجت الكثير من الأيديولوجيات الحديثة، وربما في انهيارها رمزية لانهيار ما قد نراه يلوح في الأفق والعلم عند الخالق.
إن البديل الآخر أمام اليونان -في حالة رفض خطة الانقاذ الأوروبية- هو الخروج من النادي الأوروبي والعودة للعملة اليونانية (الدراخمة) التي يُتوقع أن يعدل الـ 400 منها اليورو الواحد، والدخول في حالة كبيرة من التضخم وعجز شديد في دفع رواتب الموظفين ومعاشات التقاعد، ولكنه سيُسهِم في رخص الكثير من المنتجات الوطنية ورواج للسياحة لانخفاض التكاليف عن باقي دول أوروبا، ولكن لن يكون بوسعها الحصول على أي قروض أخرى.
وصدق الحق حين قال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة من الآية:276]، صدق الله العظيم.
عبد الرحمن فرج
- التصنيف: