الهدى في الأضحية

منذ 2013-10-07

الأضحية بضم الهمزة، وكسرها، كأنها اشتقت من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه، وبها سمي اليوم يوم الأضحى، وهي في الشرع اسم لما يذبح أو ينحر من النعم تقرباً إلى اللّه تعالى في أيام النحر، سواء كان المكلف بها قائماً بأعمال الحج أو لا.

 

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

* تعريفها:
أُضْحِيَّة: فيها أربعُ لُغَات: أُضْحِيَّة، وإضْحِيَّة، والجمع أَضاحِيُّ، وضَحِيَّةٌ، والجمع ضَحايَا. وأضْحَاة، والجمعُ أَضْحَى وأصله من ضحا: والضَّحْوُ والضَّحْوَةُ، والضَّحِيَّةُ: ارْتِفاعُ النهار، وهو عند ارتِفاعِ النهار الأَعلى. وضَحْوةُ النهار: بعد طلوع الشمس ثم بعده الضُّحا وهي حين تُشْرق الشمس وأَضْحى يفعلُ ذلك أَي صار فاعِلاً له وقتِ الضُّحى. وضَحَّى بالشاةِ: ذَبَحها ضُحى النَّحْر، هذا هو الأَصل، وقد تُسْتَعمَل التَّضْحِيةُ في جميع أَوقات أَيام النَّحْر. وضَحَّى بشاةٍ من الأُضْحِيةِ وهي شاةٌ تُذْبَحُ يوم الأَضْحى. والضَّحيَّة: ما ضَحِّيْت به، وهي الأَضْحاةُ، وجمعها أَضْحى يذكَّر ويؤَنَّث.

والأضحية بضم الهمزة، وكسرها، كأنها اشتقت من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه، وبها سمي اليوم يوم الأضحى، وهي في الشرع اسم لما يذبح أو ينحر من النعم تقرباً إلى اللّه تعالى في أيام النحر، سواء كان المكلف بها قائماً بأعمال الحج أو لا.

* فضلها وما جاء فى الحث عليها:
في الحديث عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ ?َزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» (رواه ابن ماجه والترمذي).

وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟ قَالَ: «{C}{C}سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ{C}{C}» قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «{C}{C}بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ{C}{C}» قَالُوا: فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ» (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم وفي صحيح الجامع برقم:6490). وعن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد» (رواه الدار قطني).

قال الشوكاني في النيل: "وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية الأضحية ولا خلاف في ذلك، وأنها أحب الأعمال إلى اللّه يوم النحر. وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض وأنها سنة إبراهيم لقوله تعالى: {{C}{C}وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{C}{C}} [الصافات:107]، وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة، وأنه يكره لمن كان ذا سعة تركها، وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح أفضل من الأضحية وهذا إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصد الفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها أ.هـ.

* حكمها:
اختلف أهل العلم هل هي واجبة أم لا:
فالجمهور على أنها غير واجبة قال النووي: "وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم" انتهى.

قال ابن حزم: "لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصحّ أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين". وفي الترمذي عن جَبَلَة بنِ سُحَيْمٍ: أنّ رجلاً سأل ابنَ عمرَ عن الأضحيةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فقال: "ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمونَ. فأعادَها عليه فقال: أتَعْقِلُ، ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمونَ".

وأستدل هؤلاء بأدلة منها:
ما جاء عن جابر قال: "صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عيد الأضحى فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال: «بسم اللّه واللّه أكبر اللّهم هذا عني وعمن لم يضحي من أمتي»" (رواه أحمد وأبو داود والترمذي). وعن علي بن الحسين عن أبي رافع: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أو قرنين أو ملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدينة ثم يقول: «{C}{C}اللّهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ{C}{C}».

ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: «{C}{C}هذا عن محمد وآل محمد{C}{C}»، فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه اللّه المؤنة برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والغرم" (رواه أحمد وسكت عنه الحافظ في التلخيص وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبزار قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد والبزار حسن. وأخرج نحوه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم والبيهقي من حديث أبو هريرة وأصله متفق عليه).

وقد أخرج مسلم من حديث أنس أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يقول: «اللّهم تقبل من محمد وآل محمد وعن أمة محمد». وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» (مسلم كتاب الأضاحي) وقالوا قوله: (لمن أراد) تدل على التخيير ولا يكون ذلك في واجب. واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة.

وعن ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية: أنها واجبة على الموسر وحكاه في البحر عن مالك. وقال النخعي: "واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى". وقال محمد بن الحسن: "واجب على المقيم بالأمصار". والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال: "إنما نوجبها على مقيم يملك نصابًا".

وأستدل القائلون بالوجوب:
بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا». وقالوا أنه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح دل على أنه قد ترك واجبًا، فكأنه لا فائدة في التقرب مع ترك هذا الواجب قال في الفتح وليس صريحا في الإيجاب.

واستدلوا أيضا بحديث مخنث بن سليم أنه صلى اهلّ  عليه وآله وسلم قال بعرفات: «يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة» (أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه).
وأجيب عنه بأنه منسوخ لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «لا فرع ولاعتيرة» ولا يخفى أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية.

واستدلوا أيضا بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم اللّه» (وهو متفق عليه من حديث جندب بن سفيان البجلي). وبما روى من حديث جابر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: «من كان ذبح قبل الصلاة فليعد» والأمر ظاهر في الوجوب. (ولعل حديث أم سلمة يصلح للصرف لقوله: (وأراد أحدكم أن يضحي) لأن التفويض إلى الإرادة يشعر بعدم الوجوب).

وعلى كل حال فالأضحية من الأمور العظيمة فى دين الله ولعل من يوجبها على الموسر لكلامه وجه، خاصة مع قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا». ولا يخفى ما فيها من الخير وما وراءها من الأجر فليحذر من قدر عليها ولم يفعلها، وليحرص كل تقي على ما وراءها من الأجر والثواب والمغفرة والله المستعان.

* مما تتخذ الضحية:
الضحية تتخذ من بهيمة الأنعام التي ذكرت فى القرآن، من الأبل، والبقر، والغنم، والماعز، ذكرها وأنثاها، بشروط في الوصف والسن، واختلفوا في أفضلها في هذه الأنعام:

في الحديث عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» (م.ك الأضاحي).
وفي الحديث عن مجاشع ابن مسعود: «إن الجذع من الضأن يوفي مما يوفي منه الثني من المعز» (أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي وهو في صحيح الجامع برقم:1596).

قال أهل العلم:
وهذا وغيره فيه الدليل على أن التضحية بالضأن أفضل وبه قال مالك وعلل ذلك بأنها أطيب لحما. وذهب الجمهور إلى أفضل الأنواع للمنفرد البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز واحتجوا بأن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة، وأما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد بالاتفاق. وما كان يجزئ عن الجماعة إذا ضحى به الواحد كان ما يجزئ عن الواحد فقط هكذا حكى النووي الاتفاق على أن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد. وحكى الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنها تجزئ الشاة عن أهل البيت وقال وهو قول أحمد وإسحاق. وهذا هو الصحيح كما تجزئ البدنة والبقرة عن سبعة على الأكثر.

قال العلماء:
ويصح الاشتراك في الأضحية سواء كان ذلك في ثمنها أو في ثوابها. وإنما يصح الاشتراك فيها إذا كانت من الإبل أو البقر، فإذا اشترك سبعة في بقرة أو ناقة يصح إذا كان نصيب كل واحد منهم لا يقل عن سبع، فإن كانوا أكثر من سبعة لا يصح، أما إن كانوا أقل فيصح وفى الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهما قالَ: "نحرْنا معَ رسولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عامَ الحديبيةِ البَدَنَةَ عن سبعة والبقرَةَ عنْ سبْعةٍ" (رواهُ مُسلمٌ).

قال النووي: سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين، مفترضين أو متطوّعين، أو بعضهم متقرّباً وبعضهم طالب لحم، وبه قال أحمد، ولا تصح الأضحية بغير النعم من الإبل والبقر والجاموس والغنم، وتجزىء الشاة عن الرجل وعن أهل بيته لفعله صلى الله عليه وآله وسلم ولما أخرجه مالك في الموطأ من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: "كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس بعد".

قال ابن رشد فى بداية المجتهد: أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام، لقوله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:34].

* وللأضحية شروط لصحتها أي لا تصح الا بها فمنها:
* ما يتعلق بالسلامة من العيوب:
في الحديث عنِ البراءِ بن عازبٍ رضي اللّهُ عنهُ قالَ: "قام فينا رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقال: «{C}{C}أَرْبعٌ لا تجوزُ في الضَّحايا: العوراءُ الْبَيِّنُ عَوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعرجاءُ البيِّنُ ظَلَعُها، والكبيرةُ التي لا تُنْقي{C}{C}»". (رَوَاهُ أَحمد والأربعةُ وصحّحهُ الترمذي وابن حِبّان). لا تُنْقِي: بضم الفوقية وإسكان النون وكسر القاف أي التي لا نِقْي لها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ. قال النووي" وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهي: الم?ض العجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى.

وعن علي رضي الله عنه قال: "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يضحي بأعضب القرن والأذن". قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: العضب النصف فأكثر من ذلك". وأعضب القرن المنهي عنه هو الذي كسر قرنه أوعضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط.

وعن يَزِيدُ ذُو مِصْرَ قَالَ: "أَتَيْتُ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ فَقُلْتُ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِنِّي خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ الضَّحَايَا فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يُعْجِبُنِي غَيْرَ ثَرْمَاءَ (والثرماء: الساقط بعض أسنانها) فَكَرِهْتُهَا فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَفَلَا جِئْتَنِي بِهَا! قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَجُوزُ عَنْكَ وَلَا تَجُوزُ عَنِّي؟! قَالَ: نَعَمْ، إِنَّكَ تَشُكُّ وَلَا أَشُكُّ. إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُصْفَرَّةِ وَالْمُسْتَأْصَلَةِ وَالْبَخْقَاءِ وَالْمُشَيَّعَةِ وَكِسَرَا". وَالْمُصْفَرَّةُ: الَّتِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا حَتَّى يَبْدُوَ سِمَاخُهَا، وَالْمُسْتَأْصَلَةُ: الَّتِي اسْتُؤْصِلَ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ، وَالْبَخْقَاءُ: الَّتِي تُبْخَقُ عَيْنُهَا: وَالْمُشَيَّعَةُ: الَّتِي لَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ عَجَفًا وَضَعْفًا، وَالْكَسْرَاءُ، الْكَسِيرَةُ" (رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه..وأخرجه أيضا الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري). "والبخقاء" قال في النهاية: البخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة وهوأقبح العور وأكثره غمصا. والمشيعة في الأضاحي: أي التي تحتاج إلى من يشيعها أي يُتْبعها الغنم لعجزها عن ذلك بنفسها.

قال أهل العلم لا تصح إذا كان فيها عيب من العيوب، والعيوب مثل:
لا تصح بالعمياء، ولا بالعوراء، ولا بالعرجاء التي لا تستطيع المشي، وكذا لا تصح بمقطوعة الأذن من أصلها، أو مقطوعة إذا ذهب أكثر من ثلثها؛ لا تصح الأضحية بمقطوعة رؤوس الضرع، ولا بالجلالة وهي التي ترعى وغالب طعامها غير الطاهر، ولا تصح بمقطوعة جزء من أجزائها: كيد، أو رجل، سواء كان القطع خلقياً أو لا، وسواء كان الجزء أصلياً، أو زائداً.

ولكن يغتفر قطع خصية الحيوان، فتصح بالخصي، لأن فيه فائدة تعود على اللحم، ولا فرق بين أن يكون خصياً بالخلقة أو لا، وتصح بالجماء التي لا قرون لها خلقة، وتصح بمكسورة القرن وإن كان الأقرن أفضل، وكذا تصح بالتولاء وهي المجنونة إذا لم يمنعها الجنون عن الرعي فإن منعها لا تجوز التضحية بها. وتصح بالجرباء إن كانت سمينة، فإذا هزلت بالجرب فلا تصح. ولا تصح بالمريضة التي لا تستطيع أن تتصرف كتصرف السليمة؛ أما إذا كان المرض خفيفاً فإنه لا يضر، والحامل كغيرها في الأحكام.

* ومنها ما يتعلق بالسن (العمر):
في الحديث عنْ جابر رضي اللّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: «{C}{C}لا تذبحُوا إلا مُسِنّةً إلا أن يَعْسر عليكم فَتَذْبحوا جَذَعةً منَ الضَّأنِ{C}{C}» (رواهُ مُسلمٌ).

قال أهل العلم لا تصح الأضحية بالصغير: وتصح بالجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، وقيل ثمان وقيل غير ذلك. ويعرف كونه أجذع بنموّ الصوف على ظهره، وقد ذهب كثيرون إلى إجزاء الجذع من الضأن مطلقاً وحملوا الحديث على الاستحباب بقرينة حديث أم بلال أنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: «{C}{C}ضحوا بالجذع من الضأن{C}{C}» (أخرجه أحمد وابن جرير والبيهقي).

وتصح بالثني مما سواه، فثني المعز ما له سنة كاملة، وثني البقر ما له سنتان كاملتان، وثني الإبل ما له خمس سنين؛ ودخل في السادسة، ولا تصح بما دون ذلك. والمعتبر السنة القمرية، وفي الحديث عن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قال: "ضَحّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصّلاَةِ، فقالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ»، فقال: "يَارَسُولَ الله إنّ عِنْدِي دَاجِنٌ جَذَعَةٌ مِنَ المَعِزِ، فقال: «{C}{C}اذْبَحْهَا وَلا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ{C}{C}». قال الحافظ شمس الدين بن القيم: فإن قوله لأحد هؤلاء: ولن تجزىء عن أحد بعدك ولا رخصة فيها لأحد بعدك ينفي تعدد الرخصة" (أ.هـ).

* ومن الشروط ما يتعلق بوقت ذبحها:
وهوالوقت المخصوص، فلا تصح إذا فعلت قبله أو بعده، وهو يوم العيد، ويستمر إلى قبيل غروب اليوم الثالث، وهذا الوقت لا يختلف في ذاته بالنسبة لمن يضحي، ولكن يشترط في صحتها أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، ولو قبل الخطبة، إلا أن الأفضل تأخيره إلى ما بعد الخطبة، فإذا ذبح قبل صلاة العيد لا تصح أضحيته؛ ويأكلها لحماً فإذا عطلت صلاة العيد ينتظر بها حتى يمضي وقت الصلاة، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، ثم يذبح بعد ذلك، لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2].

وفي الحديث عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه، قال: "خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، فقال: «{C}{C}من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب ال?سك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة من لحم{C}{C}» (البخاري). وفي الحديث: «{C}{C}من ضحى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين{C}{C}» (متفق عليه). ولا بد  وأن يكون الذابح مسلما.

* مندوبات الأضحية:
يندب إبراز الضحية للمصَلي، وأن يقول: "اللّهم هذا منك وإليك، فتقبل مني".
ويندب أن يكون سميناً، ويندب أن يكون ذكراً ذا قرنين أبيض، ويندب أن يكون فحلاً إن لم يكن المخصي أسمن؛ ويندب أن يكون ضأناً، ثم معزاً، إلى آخره، ويندب لمن يريد التضحية أن يترك الحلق، وقلم الظفر في عشر ذي الحجة إلى أن يضحي لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «{C}{C}إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشرته شيئاً{C}{C}».

ويندب أن يذبح الأضحية بيده أو يحضر ذبحها ندباً، ويندب للوارث أن ينفذ أضحية مورثه إن عينها قبل موته ما لم تكن نذراً، والنذر لا يُأكل منه بل يُتصدق به كله، وإلا وجب تنفيذ الوصية، ويندب أن يجمع بين الأكل منها والتصدق والإهداء وذلك على الاستحباب لا الوجوب، وظن كثير من الناس أن ذلك واجب بالشهرة والعادة وليس كذلك؛ والأفضل أن يتصدق بالثلث ويدخر الثلث، ويتخذ الثلث لأقربائه وأصدقائه، ويستحب أن يتصدق بأفضلها وأن يهدي الوسط ويأكل الأقل، وفي الحديث عند أبي داود عن ثَوْبَانَ قال: "ضَحّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمّ قال: «يَا ثَوْبَانُ أصْلِحْ لَنَا لَحْمَ هَذِهِ الشّاةِ»، قال: "فَمَا زِلْتُ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتّى قَدِمْنَا المَدِينَةَ".

قال الصنعاني في سبل السلام: "يستحب للمضحي أن يتصدق وأن يأكل، واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً، ثلثاً للادخار وثلثاً للصدقة وثلثاً للأكل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «{C}{C}كلوا وتصدّقوا وادّخروا{C}{C}» (أخرجه الترمذي بلفظ: «{C}{C}كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدا لكم وتصدّقوا وادخروا{C}{C}») ولعل الظاهرية توجب التجزئة.أ.هـ.

ورُوي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث. قال سالم: "فكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث"، وروى أبو داود عن نبيشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{C}{C}إنا كنا نهيناكم عن لحومها فوق ثلاث لكي تسعكم ج?ء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا إلا أن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل{C}{C}». وقال الشافعي: "من قال بالنهي عن الادخار بعد ثلاث لم يسمع الرخصة، ومن قال بالرخصة مطلقا لم يسمع النهي عن الادخار، ومن قال بالنهي والرخصة سمعهما جميعا فعمل بمقتضاهما. والله أعلم".

ولذلك لو أخذ الكل لنفسه جاز، لأن القربة تحصل بإراقة الدم. هذا إذا لم تكن منذورة، وإلا فلا يحل الأكل منها مطلقاً، بل يتصدق بها جميعها، ويكره أن يعطي الجزار أجره منها بل إن شاء أن يعطيه منها فله ذلك على سبيل الصدقة أو الهدية وفي الحديث عَنْ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عَنْهُ قالَ: "أَمرني رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أَنْ أَقومَ على بُدْنِهِ، وأَن أَقْسِمَ لحومَها وجُلُودَها وجلالهَا على المساكين، ولا أُعْطي في جزارتها شيئاً منْها" (متفقٌ عليْه).

ويسن أن تكون الإبل عند النحر قائمة معقولة رجلها اليسرى، والغنم والبقر مضجعة على جنبها الأيسر؛ وأن يحد المدية، ويكره أن يحدها والذبيحة تنظر إليه كما يكره أن يذبح واحدة، والأخرى تنظر.

* أمور لا بد أن تحذر:
* لا بد من الإخلاص والحذر من الرياء: قال تعالى: {{C}{C}لَنْ يَنَالَ اللَهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ{C}{C}} [الحج:37]. المعنى: لن يقبل لحومها ولا دماءها، ولكن يصل إليه التقوى منكم؛ أي ما أريدَ به وجهه، فذلك الذي يقبله ويرفع إليه ويسمعه ويثيب عليه؛ ومنه الحديث: «{C}{C}إنما الأعمال بالنيات{C}{C}» (ذكره القرطبي أ.هـ).
وقال تعالى: {{C}{C}وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء{C}{C}} [البينة:5].

* حذر أمر الجاهلية:
قوله تعالى: {{C}{C}وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ{C}{C}} [المائدة:3] قال ابن فارس: "(النصب) حجر كان ينصب فيعبد وتصب عليه دماء الذبائح، وهو النصب أيضا". قال مجاهد: "هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها". قال ابن جريج: "كانت العرب تذبح بمكة وتنضح بالدم ما أقبل من البيت، ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة؛ فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال، فكأنه عليه الصلاة والسلام لم يكره ذلك؛ فأنزل الله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} [الحج:37] ونزلت {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} المعنى: والنية فيها تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز".

صلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 


جمعه ورتبه وكتبه الفقير د. السيد العربي بن كمال