مصر؛ هل تصبح نموذجاً (الدولة المُشاع)؟

منذ 2013-10-07

(الأرض المُشاع) مصطلح قديم متداول في كثير من الدول العربية، وهو يعود إلى مرحلة الحكم العثماني، حيث كان نظام أراضي المشاع منتشراً في بعض الأقاليم، مثل فلسطين، وهذه الأرض لا تكون مملوكة لشخص بعينه، وتكون تابعة لقرية ما، وتكون تحت تصرُّف جميع سكان القرية، يخص كل منهم حصة مساوية لغيره.




هذا المصطلح يمكن توظيفه سياسياً لتوصيف بعض التطورات الحادثة على الصعيد العربي حالياً، خاصةً في دول الربيع العربي، وفي مقدمتها مصر.

نحن أمام نموذج جديد للدولة يمكن أن نطلق عليه اسم (الدولة المشاع)، وهي الدولة التي يكون للدول الواقعة في نطاقها الإقليمي حق التدخل في شؤونها بدرجات متفاوتة بحسب قوة كل دولة: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

هذا الحق في التدخل ليس مكتوباً، وليس رسمياً، بل ينتج بالأساس عن محاولاتٍ حثيثة لإعادة صياغة معادلة توازن إقليمية جديدة، بدلاً من معادلة التوازن التي اختلت منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في مطلع عام 2011م.

من المعروف سياسياً أن اختلال التوازن الإقليمي يُنشِئ حالة من الاضطراب بين الدول الواقعة في هذا النطاق. والاختلال الواقع في النطاق العربي يعود إلى أن ثورات الربيع أدّت إلى ظهور أنظمةٍ سياسيةٍ جديدةٍ في الدول الثائرة، تحمل رؤى مغايرة وتصورات مختلفة حول علاقاتها الخارجية وتوازناتها الإقليمية، في هذه الحالة تنشأ ردة فعل معاكسة لدى الدول التي ترى أن تغييرات الربيع العربي تعمل في غير صالحها.

هنا تبدأ حالة من اصطفاف القوى إقليمياً بهدف احتواء هذه التغييرات قدر الإمكان، ولأن دول الربيع تمرّ بعد الثورة بمرحلة انتقالية تجعلها غير متماسكة سياسياً، تؤدي الاستقطابات السياسية الحادة داخل الدولة التي تمر بتلك المرحلة، لدفع أغلب القوى لتتوجه بأنظارها إلى الخارج بحثاً عن وسائل لتدعيم موقفها السياسي داخل الدولة، وكلما احتدم الصراع الداخلي، كلما تساقطت قيم وثوابت كانت تمنع هذه القوى دون الاستعانة بـ الخارج على الداخل.

هذا التدخل يكون بداية لتحوُّل الدولة الثائرة إلى نموذج الدولة المُشاع؛ لأن القوى الإقليمية تنطلق من مصالحها وليس من مصالح الدولة التي تتدخل فيها. واستناداً إلى المفاهيم السياسية فإنه غالباً ما تكون العلاقة بين دولة وبين قوة سياسية تنتمي إلى دولة أخرى، هي علاقة غير متوازنة بسبب فارق القدرات والإمكانات، وغالباً ما تؤدي هذه العلاقات إلى انزلاق هذه القوى المستعينة بالخارج إلى سياق ضاغط يصعب عليهم الخروج منه لاحقاً، حتى لو انتهت حالة الصراع السياسي الداخلية؛ بل يمكن القول إن بقاء أو إنهاء حالة الصراع تصبح مفاتيحها بيد القوى الخارجية وليس الداخلية.

خطورة هذا النموذج أنه يختلف عن نموذج الدولة الرخوة التي تعود رخاوتها إلى حالة الفوضى الداخلية التي تجعلها نهباً لسيطرة وتدخلات القوى الخارجية، بدلاً من ذلك فإن نموذج الدولة المشاع يُقدِّم وضعاً أكثر استقراراً من الناحيتين السياسية والاقتصادية، لكنه أيضاً ينطوي على صراعات سياسية تختفي عن السطح حيناً لتعود مرة أخرى، ويصبح العنصر الأكثر تحكماً في حرارة الصراع ومساراته: القوى الخارجية.

ونسرد فيما يلي أبرز سمات هذا النموذج الذي يُهدِّد مصر مستقبلاً:

- تُعاد صياغة مضامين الأمن القومي والمصلحة القومية بما يتناسب مع مصالح القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، وبما ينعكس على المؤسسات السيادية.

- لا يمكن حسم أي صراعات سياسية داخلية من دون اللجوء إلى الخارج، لدرجة أن الحضور الخارجي قد يصبح رسمياً ومقبولاً عند التفاوض لحل الصراعات.

- تقنين مسارات التمويل الخارجي الموجَّه من أجل التحكم في المشهد السياسي، وهذا يعني مزيداً من السيطرة، ومزيداً من التحكم.

- فتح المجال لكي تصبح المصالح والدوافع الشخصية للنخبة السياسية، هي المدخل الأساس للتحكمات الخارجية، وهذه كارثة كبرى عندما تصل دولة إلى هذا المستوى، وقد بلغت مصر هذه المرحلة في نهاية عصر مبارك.

هذا النموذج (الدولة المُشاع) يمكن استخدامه كبديل استراتيجي لأنماط العلاقات "الغربية - العربية" التقليدية، وذلك من خلال تدشين نظام إقليمي يتضمن أساليب "تحكُّم وضغط وعقاب- ذاتي"، يجعل من الصعب على أي دولة الخروج من دائرة التبعية الغربية دون أن يرتبط ذلك بالضرورة بتدخل غربي مباشر.

هذا ما يُخطِّطون ويريدون، والله يفعل ما يريد.


أحمد فهمي
 

المصدر: مجلة البيان العدد: [315]، ذو القعدة 1434هـ، سبتمبر – أكتوبر 2013م.