ثنتان موجبتان

منذ 2013-10-18

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثنتان موجبتان» قال رجل: "يا رسول الله، ما الموجبتان؟" قال: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» (رواه مسلم)


عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثنتان موجبتان» قال رجل: "يا رسول الله، ما الموجبتان؟" قال: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» (رواه مسلم). (ثنتان) صفة لمبتدأ محذوف، أي صفتان أو فعلتان أو خلتان، و(موجبتان) هي الخبر، أي كل واحدة منهما سبب في وجوب شيء على صاحبها، إما الجنة وإما النار. فالجزاء من جنس العمل، واليوم الآخر ينتظر الناس جميعا لتحقيق هذا الجزاء، والله وحده سبحانه بيده الخلق والأمر سبحانه وتعالى عما يشركون.

قال رجل: "يارسول الله ما الموجبتان؟" والألف واللام هنا للعهد، يعني: ما هاتان الخصلتان الموجبتان التي تتحدث عنهما يارسول الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة». فحال المرء إما مؤمن بالله سبحانه أو مشرك به، والمراد بالشرك هنا معناه الأعم الذي يتحقق في أنواع الكفر، والإيمان هنا بمعناه الأخص الذي يتحقق بالإيمان بجميع أنواع الإيمان الواجبة -أركانه الستة-، فكانت الموجبة الأولى هي الموت على الشرك وموجبها النار، والموجبة الثانية هي الموت على التوحيد والإيمان وموجبها الجنة. وهذا الحديث قد أخرجه الإمام مسلم في باب (من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا، فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَاللَّهُ هُوَ الْمَلِكُ وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ رَسُولٌ، فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مَا فِيهَا» (أخرجه البخاري).

ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة: أنه لا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فالمسلم العاصي إذا مات ولم يتب من معصيته فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، لكنه لا يخلد في النار بحال. روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ». قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان» (رواه البخاري).

والمعنى أنّ الذي مات وفي قلبه الإيمان مهما كان قد فعل من المعاصي إذا دخل النار لا بد أن يخرج منها بعد ذلك، لأنه مات على الإيمان. ومن المذنبين العُصاة من يُسامحهُم الله تعالى فلا يعذّبهم في النار، وهذا الذي ذكرناه هو ما أجمع عليه أهل السنه والجماعة وخالف في ذلك طائفتان، طائفةٌ قالوا: "من فعل ذنباً من الكبائر ومات عليه فهو خالدٌ في نار جهنم" وهم الخوارج، وطائفةٌ قالوا: "إذا كان الشخص مسلماً لا يضرّه مهما فعل ذنوب" وهم المرجئة، والطائفتان شاذتان عن الصواب وما قالوه مخالفٌ لما علّمه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد روى مسلم عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما «من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك دخل الجنة»، قال أبو ذر: "قلتُ: وإن زنا وإن سرق؟" قال: «وإن زنا وإن سرق» قال: "وإن زنا وإن سرق؟" قال: «وإن زنا وإن سرق» ثم سأله الثالثة، فقال له النبي: «وإن زنا وإن سرق» وقال له في الرابعة: «على رغم أنف أبي ذر». فكان أبو ذر بعد ذلك إذا روى هذا الحديث يقول: "من قال لا إله إلا الله ومات على ذلك دخل الجنة وإن رغُمَ أنفُ أبي ذر".

وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال: بخطاياهم) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحماً، أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل»)). ولمسلم من حديث جابر بن عبد الله يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أقواماً يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة».

وهؤلاء الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة يسميهم أهل الجنة بالجهنميين، ففي صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيدخلون الجنة، يسمون الجهنميين». وفي الصحيح أيضاً عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير»، قلت: "وما الثعارير؟" قال: «الضغابيس» وهي الأغصان الناعمة الصغيرة الخضراء. وروى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع، فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين». وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة الطويل في وصف الآخرة: «حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا (احترقوا)، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون منه، كما تنبت الحبة في حميل السيل»)).

فعقيدة أهل السنه هي عقيدةٌ وسط، لم يجعلوا العاصي مثل المطيع ولا جعلوا المسلم كالكافر إنما قالوا: "المسلم جاء بالتوحيد وهو حق الله على عباده، فلا يخلد كالكافر في النار، ولو مات على المعصية لأنه آمن بالله وهذا أعظم فرض، ومن عصى الله من المسلمين يستحق عقاب الله بحسب معصيته، فيعاقب بما فعل ثم يخرج من العذاب ويدخل الجنة خالداً فيها بسبب إيمانه، فإيمانُه نفعه، وذنوبه ضرّته، لكن من عصاة المسلمين من يسامحهُمُ الله بمنّه وعفوه وكرمه ورحمته، فالمؤمن دائماً بين الخوف والرجاء يخاف عِقاب الله ويرجو رحمةَ الله.


خالد روشه