خواطر مؤلمة مع دودة
بين وريقات السبانخ الخضراء وجدتها متكورة على نفسها. كانت جميلة رغم ما يصيب الإنسان من تقزز فطري إذا رأى مثلها! كانت خضراء جميلة فعلاً..
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
بين وريقات السبانخ الخضراء وجدتها متكورة على نفسها. كانت جميلة رغم ما يصيب الإنسان من تقزز فطري إذا رأى مثلها! كانت خضراء جميلة فعلاً، أخذت الورقة التي كانت عليها وناديت أولادي لأريهم إياها.
وبعد وقفات سلمية ومظاهرات ثورية وهتافات مسيلة للدموع، وافقت مشفقة على مطالباتهم بوضعها في علبة بلاستيك محكمة الغلق. كانوا يؤملون رؤيتها تتشرنق ثم تخرج من شرنقتها فراشة ملونة جميلة...هيهات!
وضعتها في العلبة المحكمة ووضعت معها ورقة السبانخ وتركتهما معا بيد أني كنت حريصة على إلقاء نظرة كل حين لأرى ماذا تفعل.
لن أحدثكم على انبهاري بطريقة مشيتها فآيات الله في الخلق لا تحصى ولا تعد! ولن أثرثر طويلاً على تأملي لها وهي تأكل الورق بطريقة منظمة تشهد بأن الخالق واحد أحد!!
لكن ما لفت نظري فعلًا حرصها الدءوب على البحث عن مخرج من العلبة!!
مرت الليلة وأصبحنا وقد أنهت ورقة السبانخ، فوضعت لها عيدان البقدونس، فعافت نفسها الأوراق لكنها لاتزال دؤوبة في التسلق على العيدان لتجد مخرجًا!!
أشفقت عليها وأنا حابستها فوضعت لها أوراق ملوخية فأكلت الأوراق ولكنها مصرة على تسلق العود السميك والبحث عن مخرج!!
وكلما فتحت غطاء العلبة رأيتها وهي تحث الخطى مسرعة بأرجلها العجيبة محاولة الهرب!!
شعرت أن فيها ذكاء ومكر لا سيما في المساء حينما نظرت إليها وهي متمددة على العود الأخضر قرب الغطاء البلاستيك الشفاف ...فتحت الغطاء فسقطت -عجبًا- داخل العلبة حتى حسبتها ميتة!! حركت العلبة وطرقت جوانبها فلم تهتز من مكانها، الماكرة!
أغلقت العلبة والعود عادة يصل إلى الغطاء ويكون بينه وبين العلبة وعادة أضغطه بإحكام، ولكني هذه المرة مع شعوري أنها ميتة وتفكيري في رد فعل الصغار في الصباح لم أضغط الغطاء بالإحكام اللازم!
استيقظت عند الفجر، فوجدت غطاء العلبة مرتفعاً قليلاً والعود بين الغطاء والعلبة، ولا أثر للدودة الخضراء الجميلة في العلبة! وكنت وضعت بعض أوراق الملوخية بجوار العلبة لأقدمها لها في وقت لاحق. قلت لعلي أجدها بينهم ففتشته، فلم أجدها!!
تسعى حثيثًا تبحث عن حريتها، رغم ما قدمته لها من طعام وشراب وأمان مزعوم ممزوج بالوصاية! إليكم عني وهاكم طعامكم وشرابكم لا أريد طعامًا ممزوجًا بذل العبيد في سجن كئيب!
حتى الأوراق التي كانت خارج جدران العلبة -السجن- عافته نفسها! آن كان من سجانيها؟! وإني لأعجب
حقًا!! سبحانك ربي...
شعرت باحترام عميق لهذه الدودة الخضراء التي يعدها البعض مقززة حقيرة، في حين أن بعض البشر أحق بهذا الوصف إذ تاقت نفسهم لعبودية البشر فباعوا دينهم وكرامتهم وعزة نفوسهم بدنيا فانية، بل بلقيمات حقيرة لن يدخل معه القبر منها إلا عذابًا ووبالًا، وفي الآخرة عذاب شديد.
- التصنيف: