إعلام المسيح الدجال

منذ 2013-10-26

للأسف الإعلام المصري في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري أصبح سلطة بلا محاسبة؛ سلطة فلتت من عقلها، سلطة تؤذي وتضرب وتتهم وتخون كل من يحاول الاقتراب منها، فالحرية الإعلامية وللأسف فسرت في إعلام ما بعد الثورات العربية على أنها انفلات وتعدي وتخوين بدون سند قانوني وأخلاقي، في حين أن الحرية الإعلامية هي حق وكرامة وقبل كل شيء أخلاق.

 


عندما أعلن قائد المجلس العكسري المصري عبد الفتاح السيسي عن (خطة المستقبل) بعد الإطاحة بالدكتور محمد مرسي وقال إنها تشمل وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحياد وإعلاء المصلحة العليا للوطن، كان الحديث يدور بالكواليس عن أحداث ما بعد الانقلاب ولكن بصورة دموية تُكمم من خلالها الأفواه وتعتقل الحريات.

بعد ثورة يناير وما تبعها في الإعلام والشارع المصري من الانفتاح تغير جلد الإعلام المصري الحكومي الذي تأسس منذ أيام عبد الناصر وزاد كذباً وفساداً في عهد مبارك، وتظاهر الإعلام المصري بعد ثورة يناير أنه تغير ولكن الحقيقة أنه غير جلده لكنه لم يغير ولاءه وفكره، وكان لسان حال القائمين على الإعلام الحكومي والمصري الخاص يتمنى عودة العهد القديم بأي طريقة، وأصبح الإعلام هو من يقرر مسيرة الأحداث في الشارع المصري، وتحولت الفضائيات المصرية ومقدمو البرامج السياسية إلى قادة للرأي العام لهم تأثير أكبر من تأثير قادة الأحزاب بسبب حالة الفراغ السياسي بعد الثورة على مستوى القيادات السياسية والأحزاب، وخير مثال حركة تمرد التي انبثقت من بين صفوف الثورة بقيادة شباب مجهولين وصلت بسرعة إلى الرأي العام مستغلة القوة الإعلامية وصنعت أحداث 30 حزيران في الإعلام.

كان دور الإعلام المصري هو الأخطر ولا فرق بين الإعلام الحزبي والخاص أو إعلام الدولة، فتسابق الجميع للقيام بدوره في مؤامرة الخداع وخلق فكرة الرئيس العدو وأخونة الدولة وبث قصص الإرهاب وغيرها من القصص، أما ما كان ما يقوم به الرئيس حتى وإن كان صحيحًا وخدمة لمصر يتم تصويره على أنه خطأ وعدم خبرة وخيانة للوطن، وانحياز للجماعة والمصالح الحزبية على حساب الوطن.

والنتيجة صحف ومجلات ومواقع إخبارية وإذاعات وفضائيات لا تذيع إلا الأكاذيب والشبهات والتشويهات، في ظل ضعف عام للإعلام الإسلامي في مصر؛ وتغول واتحاد الوسائل الإعلامية الحزبية والخاصة والرسمية ضد وصول أول رئيس لمصر منتمي لاتجاه إسلامي، مما أدى إلى تكوين رأي عام شعبي مضلل ومخدوع يردد ما تردده وسائل الإعلام المضللة. وساهمت برامج الحوار (التوك شو) في احتقان الشارع المصري مستغلة الواقع السياسي في الشارع بعد أن كانت البرامج الحوارية التي تذاع على الفضائيات تخضع للرقابة الصارمة في عهد مبارك وهو الأمر الذي غاب بعد الثورة في ظل الانفلات الإعلامي، وكان معيار الانفلات هو الخروج عن القواعد الاساسية في برامج الحوار لتكون مؤشر نجاح ومصداقية للبرنامج الحواري، لهذا كان التأثير سلبيًا على المشاهد، لأن بعض مقدمي البرامج زادوا من حدة توتر الشارع، وعرضوا مواداً مصورة وتقارير ومعلومات وأخبار لم يتم التأكد من صحتها. أما ما قدم من سب وشتم لتيار أو شخصية وذرف الدموع على الهواء مباشرة فحدث ولاحرج دون الالتفات إلى المواثيق الإعلامية وأخلاقيات الانضباط والممارسة الإعلامية في إطار من حرية الرأي.

ومع أن ذات الإعلام المحلي تعامل بشكل غريب مع تقاليد المصريين عندما برر مقتل عشرات من مؤيدي الدكتور مرسي، فإن الغرابة تزايدت كثيرا عندما هلل هذا الإعلام لمقتل وإصابة الآلاف بعدما وصمهم بالإرهاب. ووصلت ذروة الكذب والتدليس الإعلامي في الإعلام المصري مبلغها خلال أحداث دار الحرس الجمهوري وأثناء فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، فكل خبر من عابر طريق أصبح حقيقة، وكل شائعة أصبحت واقعاً مُصدقاً، دون حتى التأكد من مصدرها كما هو معمول فيه من وكالات الأنباء والفضائيات المحترمة، ووزعت التهم على كل ما طالته أقلام وكاميرات الإعلام سواء كان عابرا في مناطق التجمع الخاصة بعودة الشرعية في ميدان وساحات مصر أو كان مشاركاً، وابتكر أعداء جدد لهم مواصفات محددة وصموا بالخيانة والتحريض والقتل مورس بحقهم شتى أنواع الظلم.

والحقيقة أن من يتابع الشأن المصري ويطلع على تبريرات الإعلام الرسمي، والخاص، والحزبي في التعامل مع الأحداث الأخيرة لن يندهش من طريقة تعامل تلك الوسائل مع باقي أفراد الشعب غير المؤيدين للانقلاب العسكري، فقد قدم ذلك الإعلام التبريرات والأعذار للقتل والاعتقال ومصادرة الحريات وكله بموجب صكوك القانون والتفويض، والأمر تم ببساطة لأن هذا الإعلام نفسه هو من قام بالدور الأبرز في التخوين والتحريض والتبرير على الحكم فكانت عمليات القتل ومصدارة الحريات.

للأسف الإعلام المصري في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري أصبح سلطة بلا محاسبة؛ سلطة فلتت من عقلها، سلطة تؤذي وتضرب وتتهم وتخون كل من يحاول الاقتراب منها، فالحرية الإعلامية وللأسف فسرت في إعلام ما بعد الثورات العربية على أنها انفلات وتعدي وتخوين بدون سند قانوني وأخلاقي، في حين أن الحرية الإعلامية هي حق وكرامة وقبل كل شيء أخلاق.
 

 

باسل النيرب
 

المصدر: مجلة البيان