إعلام التضليل المتعمّد في عصر الفضائيات
قبل ربع قرن من الزمان؛ كان الإعلام العربي رسمياً يمثل رأي الحكومات بصرامة، ولا يتيح نشر خبر يزعج مزاجها، أو يمكن أن يُعكِّر رؤيتها لفرض الهيمنة المطلقة على عقول المتلقين، الذين لم يكن أمامهم من بدائل. أما بعد ظهور الفضائيات الإخبارية المتحرِّرة من إسار النمط الرسمي المتحجِّر، فقد تغيرت الصورة كثيراُ، وأصبح إخفاء نبأ عن الناس عملية عسيرة للغاية إن لم تكن مستحيلة، وبات التلفيق بين فتات الحقائق وركام الأضاليل عملاً ساذجاً سرعان ما يفضحه التنافس وتعدد العدسات المتربصة بزوايا الرؤية.
أما بعد ظهور الفضائيات الإخبارية المتحرِّرة من إسار النمط الرسمي المتحجِّر، فقد تغيرت الصورة كثيراُ، وأصبح إخفاء نبأ عن الناس عملية عسيرة للغاية إن لم تكن مستحيلة، وبات التلفيق بين فتات الحقائق وركام الأضاليل عملاً ساذجاً سرعان ما يفضحه التنافس وتعدد العدسات المتربصة بزوايا الرؤية.
المذهل أن إعلام المستبدين الدمويين ظل عصياً على الاستجابة إلى معطيات الواقع الجديد، وبقي رهين عقلية الستينيات من القرن العشرين الميلادي... رأينا ذلك عند المخلوعين: ابن علي ومبارك وعلي عبد الله صالح وبدرجة أشد عند الهالك القذافي... لكن الأبواق الأسدية تحتكر "ريادة" التضليل المطلقة في عصر الفضاء المفتوح.
فرية الممانعة هي الركن الأكبر في إهرامات الدجل الأسدي، على مدى نصف قرن. وبكل أسى، نجح نظام الاتجار بالقميص الفلسطيني في تخدير أكثرية الأمة بأكذوبة مقاومته، بالرغم من أن جبهة الجولان المبيع هي الأشد هدوءاً في محيط الكيان الصهيوني، لأن عصابات الأسد تفرض حماية للاحتلال ليس لها نظير.
ولم يستيقظ عميان البصيرة من غيهم حتى بعد تكرار عمليات العدو اليهودي فوق سوريا، حيث يدخل طيران نتنياهو في أجوائها يسرح ويمرح ويضرب ويرجع من دون أن يطلق عليه تاجر الممانعة طلقة لرفع العتب!
بل إن الصهاينة قاموا بعمليات تصفية لرموز فلسطينية مقاومة في قلب دمشق، حيث يحصي كلاب الأسد على الناس أنفاسهم. ودخلوا إلى موقع مشروع مفاعل نووي في دير الزور-أقصى الشمال الشرقي من سوريا- فأخذوا ما يمكن حمله ولغَّموا كل ما لا يقبل النقل، ثم خرجوا بكل طمأنينة، ثم جاءت طائرات F15 و F16 وأكملت المهمة. وكان الرد الأسدي الكاريكاتيري دائماً: "نحتفظ بحق الرد".
ثم اندلعت الثورة السورية المباركة فسقط القناع كاملاً، وتبيّنَ لكل ذي بصر أن نيرون الشام العميل ابن العميل يحظى بحماية يهودية غير مسبوقة.
وقبل شهور اضطرت عصابة الطاغية إلى إطلاق أكثر من 1100 مختطف سوري من أقبية تعذيبها، في مقابل 48 وغداً من أوغاد الحرس الثوري المجوسي الإيراني سبق للجيش الحر أن أسرهم. وهي فضيحة مجلجلة ومكتملة الأركان، فما من نظام في التاريخ يطلق مواطنيه من سجونه في مقابل أجانب يتبعون سيده خامنئي!
وقبل أيام تكررت المهزلة فتم إجبار الطاغية على تحرير 48 امرأة سورية من غياهب مخابراته الوضيعة، في نطاق صفقة اشتملت على إطلاق لواء عاصفة الشمال 11 وغداً من أوغاد حزب اللات -فرع المجوس في لبنان-!
وهكذا هي مفاهيم السيادة والوطنية والمقاومة والممانعة، التي تصرّ المافيا الأسدية على ترديدها ليل نهار من أبواقها، وكأن كل الفضائح الماحقة لا تهز لتلك العصابة الفاجرة شعرةً في رأسها.
إن العتب ليس على المجرم العميل الذي تخصص في مهمة حقيرة تتكون من شطرين متكاملين: حماية اليهود وذبح السوريين، لكن اللوم كله يستحقه بعض المغفلين الذين ما زالو يصدقون أدعياء القومية وتُجّار العِداء المزعوم للصهيونية والإمبريالية، ممن يظهرون في وسائل تضليل شتى يجمِّلون نظام الأسد الخائن، الأمر الذي يؤكد أنهم شركاؤه في الخيانة وليسوا من المنخدعين بشعاراته الزائفة.
ومن يتذكر كيف بيعت سيناء والضفة الغربية والجولان في كارثة 1967م على يد عبد الناصر -كبيرهم الذي علّمَهم السحر- وعصابة البعث المسيطرة على الشام، يدرك الحقيقة ويراها كما يرى شمس الساطعة بشدة في يوم قائظ في صيف خليجي معروف بقسوة شمسه وشدة حرارته!
- التصنيف: