مرض السلطة

منذ 2013-11-04

كثيراً ممن كتبوا عن ربيع الثورات العربية، وقيَّموا أحداثها، توجهوا باللوم للطغاة العرب الذين هان عليهم دماء أبنائهم، ودخلوا في دائرة جدل عقيم مع رؤوس هذه الأنظمة الغارقة في الفساد والطغيان.


كثيراً ممن كتبوا عن ربيع الثورات العربية، وقيَّموا أحداثها، توجهوا باللوم للطغاة العرب الذين هان عليهم دماء أبنائهم، ودخلوا في دائرة جدل عقيم مع رؤوس هذه الأنظمة الغارقة في الفساد والطغيان.

لكن فات هذه الطائفة من كُتَّابنا الأجلاء أن يحسبوا حساب إصابة هذه الطغمة الحاكمة الفاسدة بمرض "السلطة" الذي يتبدي في مجموعة من الأعراض لا تنفع معها لغة الإقناع ولا منطق الحكمة السائر بين الناس قاطبة.

"مرض السلطة" مرض غريب في أعراضه، غريب في تطوراته، غريب حتى في نوعية البشر المعرضون للإصابة به، ولو تفهمنا كل هذه الظروف والملابسات لسهل علينا تفسير سلوكيات الطغمة الحاكمة المصابة بهذا المرض، ولأحسنَّا قراءة الواقع والظروف التي تمرّ بشعوبهم المنكوبة، وبالتالي أعدنا صياغة لغة الحوار مع هؤلاء المرضى، وأجدنا اختيار القرارات والتصرفات المناسبة للتعامل مع هذه الشرذمة المكروهة والغارق في الطغيان.

يقول د. يوسف نور عوض: "إن العالم العربي يعيش مشكلة في الحكم وفي تكوين الدول، ويكـفي أن ننظر إلى دول مثل مصر واليمن وليبيا والسودان وسورية والجزائر وغيرها لنجد حكاماً لا يعتبرون أنفسهم يقومون بمهام سياسية محددة، بل يعتبرون أنفسهم موظفين في وظائف مدى الحياة، يستعينون بقادة الجيوش والإمكانات المالية الضخمة من أجل الاستمرار في أداء أدوارهمدون التنبه إلى أن الدولة هي في الأساس نظام موجه لخير المواطنين، ولا شك أنه من حقأي مواطن أن يصل إلى مركز القيادة من أجل أن يحقق مصالح شعبه بشرط ألا يصبح الوصول إلى مركز القيادة هدفاً في حدِّ ذاته، ويصبح بالتالي من حق أزلامه والمقربين منه" (التآمر الإسرائيلي لتفكيك الدول العربية؛ د. يوسف نور عوض، جريدة القدس العربي اللندنية).

مظاهر عامة:

ثمةَ مظاهر عامة تتجلى في الطواغيت التي يتلبسها "مرض السلطة"، فيقول أحد المحللين: "فقوة الثور ورعونته من مزاياه، ودناءة الخنزير وبلادته بعض سجاياه، وعشق النفوذ والتسلُّط على النفوس غريزة ثائرة لا يكبح جموحها اصطباغ الأرض بدماء ما لا يُحصى من ضحاياه".

لديه الكثير من المكاييل والأقداح التي اختص الصهيونية بأوفاها، وجعل للصليبية ما تلاها، والإلحاد عنده مكانة رفيعة، لا يزاحم إياها، وما تبقى من صنوف الموازين فللعرب غير المسلمين، ثم للعرب وغير العرب من المسلمين.

وهو نموذج مكرَّر، وقالب غير مطور للاستعمار في أقبح صوره وأحط أُطرِه، جل همّه التسلُّط والقهر، وغاية حلمه الولاية العامة والخاصة على البشر... كل البشر، في البرّ والجو والبحر.

وهو يسعى لتحقيق ذلك بسبلٍ كثيرة ودروب معهودة، فالرقاب يأسرها المنح والعطاء، ويكسرها المنع والإقصاء، ويكبلها القرض حين يعزّ الوفاء.

وبيت ماله تيه عجيب، لا تُحصى مفاتيحه ولا تُحصَر مفاتحه، بَيْدَ أنه رغم ذلك شرّه لا يشبع، طموع لا يقنع، بفرض ما يشاء من الخراج والجزاء، على من يشاء من رعاء البقر أو رعاء الشاء، ومن يسوف في الدفع أو يتردد، يناله العقاب الصارم من دون تردد.

مظاهر تفصيلية:

• يقين الخلود: يقول الأستاذ عبد الرحمن على البنفلاح: "عندما غاب الإيمان باليوم الآخر عن فرعون، قال لشعبه: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات من الآية:24].


والطغاة والمستبدون يعيثون في الأرض فساداً، ويسفكون الدماء ويهتكون الأعراض دون أن تتحرّك شعرة واحدة في أجسامهم، لأنهم نسوا الآخرة، وظنوا أنهم خالدون لا يَهلكون، وأن ملكهم دائمٌ مقيمٌ لا يتحوّل إلى غيرهم، ولو تنبهوا لعلموا أنه لو دام لغيرهم ما وصل إليهم" (العلمانية بضاعة مسرطنة؛ عبد الرحمن على البنفلاح، مجلة الهداية البحرينية، العدد: [231]).

ولا أدل على منطق الخلود من الأرقام الفلكية للعمر الرئاسي لهؤلاء الطغمة؛ ففي مصر امتدت حقبة الطاغية مبارك لأكثر من ثلاثين سنة، حتى نشأ جيل من الشباب والكهول ولا يعرفون رئيساً لهم سِواه، أما طاغية ليبيا فمكث (42) سنة، فضلاً عن برامج التوريث التي دانت لها كل الدساتير والمجالس النيابية في أقل من لمح البصر.

• اختزال التاريخ في الأمجاد الشخصية، وتسليط الضوء على تلك المنعطفات بشكلٍ أدّى إلى ضمور دور كل أحقاب تاريخنا، رجالاً وأحداثاً، بل مناطق وجهات بأكملها، تم تهميشها ورميها إلى غياهب النسيان حتى لا تشوش على نقاء الانتماء الجديد الذي ولدت معه الشعوب العربية من عدم!


والنماذج في هذا عديدة، فمنها: ثورة الفاتح في ليبيا، وصاحب الضربة الجوية في مصر، وخبير الممانعة في سوريا.

يقول د. جمال الحضري: "لقد أصبحت الذاكرة العربية قصيرة جداً، ويكفي تصفح المواد التاريخية أو الإعلامية بشتى وسائطها في بلادنا ليدرك المتشكك إلى أي حدٍّ اختصرت البلاد في شخص، والتاريخ في حدث، والفكر في فكرة واحدة، والميول السياسية في لون واحد مهما تعددت ألاعيب التنويعالمزيفة".

• تكوين نُخَب الموالاة: لأن صناع الثورات الانقلابية أو الثورات المختطفة بشر تلحقبهم عوارض الفناء، فإن ديمومة صروحهم السياسية والفكرية تعهدت بها أجهزة متنوعة، تعمل على قولبة الفكر والسلوكيات، فتخرج للشعوب المستضعفة نماذج من الناس لديها كل الاستعداد (والعدة) لأن تفتدي "الثورة" بأرواحها ودمائها.


يقول د. جمال الحضري: "إن الأجهزة الثقافية والإعلامية التي لم تكف طوال حقب تولي هذه الزعامات عن ترسيخ الفكر الواحد والمرجعية الواحدة والمشروعية الوحيدة قد فرّخت لنا أنماطاً من الناس لهم نسق للحقيقة والباطل غير النسق الممتد في تاريخ الشعوب العربية، كيف لا وقد أعيد تشكيل الخطاب الفكري بما يرسخ مرجع الحقائق في أقوال هذه الزعامات، وتبطل بفعل ذلك كل الأقوال المغايرة أو حتى المنزاحة ولو قليلاً عن تلك المرجعية".

"كما تم ترسيخ قيم الولاء بما يعني الوفاء والخدمة للنظام القائم حصراً، وكل نشاط لا يؤدي ضريبة هذا الولاء فهو في خانة العدوان على مصلحة الشعوب والخيانة لطموحاته. وما يترتب على إشاعة هذه الأنساق هو إضعاف حلقات التواصل الأفقي بين الناس ليصبح معيارالوطنية والمواطنة هو درجة القرب عمودياً من السلطة المنفذة ولو على حساب كل العلاقات الأخرى عائلية أو فكرية أو جغرافية... إلخ".

"وإزاء تعزيز هذه المنظومة المغلقة على فكرة نقاء الولاء؛ يستحث خدمة السلطة وسدنتها كفاءات الشعب وإطاراته ليس على تقديم أجود ما لديهم من قدرات للتنمية بل على ابتكار أفضل الصور الدالة على الطاعة والانخراط في دائرة المنفذين. وهنا تتحرّك هذه السلطة من خلال علاقات أخطبوطية ممتدة إلى (حبل الوريد) إلى غربلة كل مُتقدِّم إلى مركز إداري كبير أو حقير، فلا يتم الحصول عليه إلا بوساطة هي في حدِّ ذاتها ختم بصحة الولاء وضمان بديمومة السلطة من خلال توريث جيل من الممسوخين المستعدين لبذل كل شيء مقابل العيش في كنف حام".

• العمالة والخيانة: منذ حوالي أربعين عاماً، بعد حرب العام (1973م) تحديداً، وبعد ذلك الاتفاق الرهيب بين النظام الرسمي العربي وحكومة الولايات المتحدة على جعل البترول العربي غطاء للدولار الأمريكي بدلاً من الذهب (البترودولار) مقابل ضمان واشنطن لسرمدية حكم العائلات، بدأت عملية إبادة للأمة لا مثيل لها في تاريخ الأمم، وذلك بتحويل حياة الشعوب العربية فعلاً إلى ما يُشبِه حياة القطعان!


وكان محمد حسنين هيكل قد ذكر في مطلع الثمانينيات الماضية، أنّ أحد الأمريكيين عبّر عن استخفافه بالرأي العام العربي، وقال له: أنّ كلاً من البلاد العربية سوف يُحكَم بمجموعة من الأشخاص، أو بأُسرة من الأُسر، وأنّه من الأفضل أن يكون الشخص الذي يقف على رأس الحكم مجنوناً!

لقد سارت الأمور فعلاً كما أراد الأمريكيون، وتمخّض النظام الرسمي العربي عن طراز من الحكم لا مثيل له في العالم المعاصر، لا في ممالكه ولا في جمهورياته، حيث تشابهت الممالك والجمهوريات العربية، فلا المملكة مملكة ولا الجمهورية جمهورية، بل نوع غريب فظيع من أنواع الحكم قوامه الاستئثار والجشع، والاستبداد والإجرام، والتفريط بالأوطان وكرامتها، وبالإنسان فرداً وجماعة، وقد استقلّت العائلات الحاكمة بذاتها معتمدة على قبائلها -الحزبية والمجتمعية الخاصة- جاعلة من هذه القبائل بديلاً للشعب، ومن أجهزتها السلطوية أداة لإذلاله وإخضاعه، ومن كليهما مصدر شرعيتها الوحيد (نقل الأصفار العربية من الشمال إلى اليمين؛ نصر شمالي).

وفي مقال لصحيفة "روز اليوسف" المصرية تحت عنوان: "حسني مبارك الرئيس المصري المخلوع، عمل لصالح الموساد قبل توليه الرئاسة بعامين"، والمقال الذي نشرته "روز اليوسف" مصدره صحف إسرائيلية وأخرى أمريكية هي "اليونايتد برس" في عددها الصادر في (31 أيار/مايو)، حول تعامل مبارك مع الموساد وبعلاقاتٍ وثيقة منذ العام (1979م)، وأنه لعب دور الوسيط السري بين الموساد وبقية الدول العربية.

وتُعززالصحيفة ما أوردته "بفتوى" صادرة عن مكتب الحاخام الأول في إسرائيل (عوفاديا يوسف) في الأول من أيار/مايو لهذا العام، موجهة لرئيس الموساد الإسرائيلي "تامير باردو" بخصوص ما يجب القيام به لرد الجميل لصديق الشعب اليهودي ودولة إسرائيل المخلص (حسني مبارك)! وكيفية الوقوف بجانبه في محنته الحالية.

وتمضي "روز اليوسف" نقلاً عن صحيفة أمريكية ذائعة الصيت، في الكشف عن العلاقة القوية التي ربطت بين مبارك والحاخام اليهودي الأول الذي عمل بالقاهرة بداية (1947م) قاضياً شرعياً للطائفة اليهودية، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى تفاوض سري بينه وبين الحاخام الأول عقب حرب أكتوبر وحتى عام (1976م) حول استرداد رُفات الجنود الذين سقطوا في مصر أثناء المعارك الحربية.

ولم يكن مبارك الرئيس الوحيد الذي كانت له علاقة مميزة مع الموساد الإسرائيلي؛ فقبل ذلك وعند اشتعال الثورة في تونس، كتبت بعض الصحف أن الرئيس التونسي المخلوع كان أيضاً على علاقة بالموساد، وأن عملية اغتيال القادة الفلسطينيين في "حمام الشط" في بداية التسعينات لم تكن دون علم بن علي وأجهزة مخابراته.

• العِداء للحريات: إن الحرية هي عدوة السلطة، ولكي تستتب لك هذه الأخيرة، لا بدّ لك من حجب الحرية بكلأشكالها عن المجتمع.


هذه ضمانة جوهرية، أولية، وبسيطة؛ وهي الأهم لاستمرار سياسة احتكاره للحقيقة، بمصادرها وصناعتها، وتحويرها، وفرضها على النحو الذي يلبي غايته في استمرار قبضه على السلطة بلا منافس. وقد سخّر النظام لهذه الغاية -خاصةً في نسخته الأولى- جهوداً متكاملة تبدأ بضرب الثقة بين الناس، ونشر ثقافة الريبة، وبث الشكوكبين الجميع، وحتى الشك في الذات، مروراً بإفساد من وما لم يفسد بعد، وجعل الجميع مداناً تحت الطلب. وانتهاءً بتركيع المجتمع وتعقيم أية إمكانية لنهوضه على مدى عقود قادمة (من ماثلك بنفسه ما ظلمك؛ النظام إذ يعبد ذاته، علي ديوب، القدس العربي اللندنية).

يقول الأستاذ (عبد الباري عطوان) عن طاغية سوريا: "والرئيس (بشار) يتحدث عن تشكيل لجان، واحدة لتعديل الدستور، وثانية لوضع قانون للانتخابات، وثالثة للإعلام، ورابعة لمكافحة الفساد، وجميع هذه اللجان ما زالت تعمل، وتدرس، وتمحص، ولم نر النتائج على الأرض حتى الآن".

مكافحة الفساد لا تحتاج إلى لجنة، فرموز الفساد معروفة للرئيس بشار مثلما هي معروفة لأصغر طفل في سورية، فإذا كانت هناك نوايا فعلاً لمحاسبتها، فان الأمر لا يستغرق ساعات، فمثلما تُعطى الأوامر للأجهزة الأمنية بإطلاق النار على المتظاهرين، ويتم التنفيذ فوراً، يمكن أن تقوم بالشيء نفسه لاعتقال الفاسدين وتقديمهم إلى محاكم عادلة مثلما شاهدنا ما حدث لنظرائهم في تونس ومصر.

وقد تفننت السلطة الرسمية في توظيف أساليب العنف لإخماد جميع أنواع الرأي المخالف خصوصاً في المجتمعات التي تعاني الديمقراطية فيها أزمة خانقة.

وبلغت الإهانة ذروتها عندما سمعت السيد أردوغان يُمهِله أسبوعاً لتطبيق الإصلاحات مهدداً ومتوعداً في حال عدم التنفيذ. ولعل الرئيس بشار كان يرد عليه عندما قال أنه لا ينتظر دروساً من أحد بل سيُعطي دروساً للآخرين.

لا نعرف طبيعة الدروس التي ستُعطى للآخرين؛ هل هي تلك التي تمارسها أجهزة الأمن في التصدي لمحتجين لا يملكون غير الحناجر واللافتات التي تهتف بالإصلاح، أم في التحجُّر الاقتصادي، واستفحال الفساد والمحسوبية باعتراف الرئيس بشار نفسه.

أردوغان يُعطي الدروس ليس فقط للرئيس بشار وإنما لجميع القادة العرب دون استثناء، لأنه قدم نموذجاً فريداً في الديمقراطية والإصلاحات السياسية عبر صناديق الاقتراع، وفاز بثلاث ولايات متتالية بسبب نقله تركيا وفي أقل من عشر سنوات من كونها دولة متخلفة مدينة فاسدة منهارة اقتصادياً إلى سادس أقوى اقتصاد في أوروبا، والسادس عشر على مستوى العالم وبنسبة نمو تصل إلى (8%) سنوياً.

• حصر الأزمات في مجموعة صغيرة من المخربين -كالإسلاميين بالأخص- وحملهم مسؤولية ما يحدث من أعمال عنف وصدامات مع قوات الأمن وحرق المباني والمؤسسات العامة، وهذا تبسيط من الصعب أن يقنع غالبية الشعب التي تتابع ما يجري في بلادها بالصوت والصورة عبر الفضائيات العربية والأجنبية بأدق التفاصيل.

• في سبيل الكرسي تهون كل التضحيات: حتى ولو كانت التضحيات بالشعوب المحكومة، وإبادتها كلها عن بكرة أبيها، فالدماء عندهم رخيصة بصورة عجيبة رغم أنها عند الله تعالى بمكان، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «لِزَوَال الْدُّنْيَا أَهْوَن عَلَى الْلَّه مِن قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْر حَقٍ» (صحيح الجامع: [5078]).

يقول الأستاذ محمود المبارك: "بل إن المتأمِّل في حال الأمة العربية اليوم؛ قد يصعب عليه تصديق ما يراه بأم عينيه. ولو أن أحداً فتح كتب التاريخ بعد خمسة قرون من اليوم، وقرأ فيها أن الزعيم العربي لم يكن يتردد في إبادة شعبه باستخدام كل ما لديه من أسلحة لأجل زيادة عدد أيام حكمه، لربما راوده شيء من الشك في هذه الروايات التاريخية".

لقد كشف ربيع الثورات العربي عن السبب في أن منطقة الشرق الإسلامي أكبر منطقة في العالم شراء للسلاح، هذا السلاح الذي ما توجه يوماً للعدو الصهيوني، بل كان الغرض منه السياسة القمعية للشعوب العربية المقهورة، فطاغية ليبيا يقول لهم: "لن أُسلِّم لكم البلد إلا بالعدد الذي تسلمتها به"، يُذكر أنه تسلمها وهي خمسة مليون نسمة، وهي الآن سبعة مليون، أي أنه من المفروض أن يبيد بكافة الأسلحة الثقيلة والخفيفة مليونين من أبناء جلدته.

وطاغية سوريا يهدد شعبه بأنه سيُعيد أمجاد أبيه في مذبحة حماة "حاصر وقتل"، وفعلاً فعل، آليات مدرعة تحاصر البلدة المتمردة على طغيانه، وتدكها بكافة الذخائر على مسمع ومرأى من العالم الحُرّ.

أما طاغية مصر فلم يزال من عرشه إلا بعد أن قدم الشعب ألف شهيد، وآلاف الجرحى والثكالى.

دواء الفطرة:

يقول الأستاذ (أحمد المزاري): "كثيراً ما يهمل المريض تناول الدواء الذي نصح به طبيب أريب أو صيدلي مجرب، لا لشيء سوى مرارة المذاق، وربما كانت المرارة في حلقه هو لا في الترياق".

وحين تسوء به الحال؛ يهفو ما به من عِلل إلى شيء من الأمل، ولو كان طعمه الحنظل. بَيْدَ أنه يفاجأ أن بينه وبين ما رفض بالأمس مفازة كبرى ينبغي اجتيازها ببرنامج طويل، من العلاج بالمسكنات والمنظمات، وشيء غير قليل من المقومات البدنية والنفسية، قبل أن تستجيب علله للداء الأول.

ولما كان المرضى يعانون أشد المعاناة من الأعراض الجانبية للأدوية المخلقة من مواد كيماوية، فقد قام جماعة من الحكماء ببادرة تصحيح، تدعو للعودة إلى الطبيعة، لعلاج ما يصيب البدن من سقم، بما تنبت الأرض من بلسم، وهي دعوة طيبة لا يدوم أثرها إلا أن يتساوق معها دعوة أخرى للعودة إلى الفطرة لعلاج ما يلمّ بالروح من ألم، بما نزلت به ملائكة السماء من هدى وشفاء لا يلزم لتعاطيه سؤال طبيب أريب أو صيدلي مجرب.

والفطرة هي "الإسلام"، إقامة الإسلام في القلوب قبل القوالب في الصدور قبل السطور رؤوس الحكام قبل من تطبق عليهم الأحكام.

وقيام دولة الإسلام يقتضي إفراغ القلوب من الأزلام والأنصاب، وتفريغ الجيوب من هويات الأحساب والأنساب، ودفن مومياوات الجنسيات في التراب، وإعادة بناء الصرح من جديد، بدءاّ من توحيد التوحيد، ومروراّ بإصلاح بيت المال، وانتهاء بإعادة بناء النساء والأطفال والرجال.

وإن عَزّت الخلافة اليوم ففي الامتثال للأحكام الشرعية استخلاف. وفي صدق الاعتصام بحبل الله تعالى تحالف. وفي إخلاص العمل لصالح المسلمين تمكين. وفي وحدة الصف ونبل الهدف بديل عن التبعية أو الخوف. وفي الغد القريب ما يؤيد ذلك، لو صحّت النيات والعزائم منذ اليوم" (كلام في التكافل بين هز الرؤوس ومصمصة الشفاة، أحمد المزاري، مجلة الوعي الإسلامي الكويتية، العدد: [482]).

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز