بين العام الماضي والعام الجديد بادروا بالأعمال فتنًا

منذ 2013-11-05

انصرم عام من العمر، بعُجَرِه وبُجَره، بخيره وشره، وحلوِّه ومرِّه، حسنِه وقبيحِه، طيِّبِه وخبيثِه، سقطت فيه أنظمة، وتهاوت فيه عروش، وانقشعت عن بعض الوجوه أقنعة، ازداد عامة الفقراء فيه فقرًا، وازداد عامة الأغنياء غِنىً


الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي يسر لنا الأسبابَ المانعةَ من الضلالِ والافتتان، ووضَّح لنا الفتنَ وبين لنا الأسبابَ التي نتحصَّنُ بها أعظم بيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك المنان، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله المصطفى من بني عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة مستمرة باستمرار الزمان، وسلم تسليماً.

عباد الله! انصرم عام من العمر، بعُجَرِه وبُجَره، بخيره وشره، وحلوِّه ومرِّه، حسنِه وقبيحِه، طيِّبِه وخبيثِه، سقطت فيه أنظمة، وتهاوت فيه عروش، وانقشعت عن بعض الوجوه أقنعة، ازداد عامة الفقراء فيه فقرًا، وازداد عامة الأغنياء غِنىً.

انتهى عام؛ صلى فيه من صلَّى، وزكّى فيه من زكى، وحجّ من حج، وصام من صام.

انتهى عام؛ وكفر فيه من كفر، وعصى من عصى، وأساء من أساء، وقتلَ من قتل، وظلمَ من ظلم، ونامَ فيه عن الخير من نام، وقام من قام.

انصرمت سنةٌ شهباءُ، شوهد فيها بعين العلم، والحكمة والعقل، أمورٌ كانت محظورةً، فأصبحت -لرضا الغرب والشرق عنها- محظوظةً، كُثر المصفِّقون، وازداد المصفِّرون؛ كثُرَ المصفِّقون على سفك الدماء، وازداد المصفِّرون على زهق الأرواح وقتل الأبرياء، وشارك المصفقين والمصفرين أهلُ الخرابِ والدمار، كما قال تعالى عن اليهود: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ} [الحشر:2]، فصار خرابُ الاقتصاد، ودمارُ الممتلكات، العلامةَ المميَّزةَ لمن أراد أن يطالب بحقٍّ أو يرد ظلما، زعموا!!

أما المنظِّرون فجاؤوا يُهرعون، والصيادون في الماء النتن يهرولون، وعدوُّنا الماكرُ من وراء الجميع كالقطِّ متربِّصٌ، والفرحةُ تكاد تقتل قلبَه المتحمِّس، على هذه الإنجازات السريعة، التي لم يبذلْ فيها جهداً يُذكر، فهي له لقمةٌ سائغة، يتلمَّظُ لالتهامها في أيَّةِ لحظة، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].

أما العامُ الجديد؛ فماذا ينتظر الأمةَ فيه؟ وما الذي ستجده وتلاقيه؟ {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} [يونس:102]

هل سيزول ظلم الطغاة الظالمين؟ أم هل ستخف وطأة المستبدين؟ وهل ستُحرَّر أراضي المسلمين من المغتصبين؟ ويطلق سراح المسجونين والمعتقلين؟ وهل سترفرف رايةُ الحريةِ على عباد الله المؤمنين؟ نسأل الله ذلك! أم هناك أمرٌ آخرَ ينتظر هذه الأمة؟

ففي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم خلَّف وراءه الظلم والاضطهاد، والقهر للمؤمنين والاستذلال والاستبداد، وأقبل على عامه الأولِ الجديد، فكان ينتظر الأمّةَ آنذاك النصرُ والتمكين، والرفعةُ والعزة، وصدحت المآذنُ بنداء التوحيد: الله أكبر الله أكبر، وتوحَّدت بالتوحيد القبائلُ المتقاتلةُ المتناحرة؛ الأوسُ والخزرج، وذلَّت للمسلمين يهودُ وفارسُ والروم، وسائرُ الدول المجاورة.

أما اليوم فماذا ينتظر هذه الأمة؟ حسبما رأينا وشاهدنا، وبأُذن العقل استمعنا، وبعينِ الحكمةِ أبصرنا، وبلسان الشرع نطقنا، فكان الذي ينتظر هذه الأمّةَ ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه، وسيقع في العام القادم أو الذي يليه، أو الذي يليه، فهو واقع لا محالة.

منها فتنٌ عصيبةٌ، وأمورٌ عجيبة غريبة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» [مسلم (118)].

«بادروا بالأعمال فتنًا» جمع فتنة وهي الاختبار ويطلق على المصائب وعلى ما به الاختبار، هذه الفتن «كقطع الليل المظلم»..يعني وقوع فتنٍ مظلمةٍ سوداء، والمراد الحث على المسارعة بالعمل الصالح قبل تعذُّره، أو تعسُّره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرةِ، والمتراكمةِ كتراكم ظلام الليل، ثم وصف نوعًا من شدائد الفتن بقوله: «يصبح الرجل» فيها «مؤمناً ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا»..وهذا لعِظَمِ الفتن؛ يتقلُّب الإنسان في اليوم الواحد هذه الانقلابات، «يبيع أحدهم دينه بعَرَضٍ من الدنيا قليل» أي بقليل من حطامها،... هذا وما أشبهه من أحاديث الفتن من جملة معجزاته الاستقبالية، التي أخبر أنها ستكون بعده، وكانت وستكون". [فيض القدير (3/ 193)]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ» [مسلم (2947)] وَكَانَ قَتَادَةُ إِذَا قَالَ: «وَأَمْرَ الْعَامَّةِ»، قَالَ: أَمْرَ السَّاعَةِ. قَالَ كُلْثُومٌ: وَخُوَيْصَةُ أَحَدِكُمُ الْمَوْتُ، وَأَمْرُ الْعَامَّةِ الْفِتْنَةُ.

«بادروا بالأعمال ستًا» أي أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها،.. وقال القاضي: "أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات، فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال، أو سُدَّ عليهم بابُ التوبة وقبول العمل، «طلوع الشمس من مغربها» فإنها إذا طلعت منه لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، «والدخان» أي ظهوره «ودابة الأرض، والدجال» أي خروجهما، سُمِّي به أي بالدجال؛ لأنه خَدَّاعٌ ملبِّس، ويغطي الأرضَ بأتباعه، من الدجل وهو الخلط والتغطية،.. «وخويْصة أحدكم» تصغير خاصة بسكون الياء،.. والمراد حادثة الموت التي تخص الإنسان، وصُغِّرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم؛ من بعث وحساب وغيرهما، وقيل: هي ما يخص الإنسان من الشواغل المقلقة من نفسه وماله، وما يهتم به، «وأمر العامة» القيامة، لأنها تعمُّ الخلائق، أو الفتنة التي تعمي وتصم، أو الأمر الذي يستبد به العوام، وتكون من قِبَلِهم دون الخواصّ.." أهـ (فيض القدير [3/ 194]).

ومن الفتن ما يكون في الأمة، وهو تمحيص لها وابتلاء، من قلاقلَ واضطراباتٍ، وتقاتلٍ ومنازعاتٍ، ويرفع عنها المسخ والقذف ونحو ذلك، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ عُقُوبَةَ هَذِهِ الأُمَّةِ السَّيْفُ، ومَوْعِدَهُمُ السَّاعَةُ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ». (المعجم الكبير للطبراني [20/ 202] [460]، صحيح الجامع [4017]، والصحيحة [1347]).

قال المناوي: "«عقوبة هذه الأمة» في الدنيا «بالسيف» أي يقتل بعضهم بعضًا في الدنيا بالسيوف، فلا يُعذَّبون بخسف ولا مسخ، كما فعل بالأمم السابقة؛ رحمةً من الله بهم، وشفقةً عليهم". (فيض القدير [4/ 319]).

وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ، وَالزَّلازِلُ، وَالْقَتْلُ». (سنن أبي داود [4278]، وصحيح الجامع [1396]، الصحيحة [959]).

«أمتي هذه» أي الموجودين الآن؛.. وهم قَرنُه، ويحتمل إرادةُ أمة الإجابة، «أمةٌ مرحومة» أي جماعة مخصوصة بمزيد الرحمة، وإتمام النعمة، موسومة بذلك في الكتب المتقدمة، «ليس عليها عذابٌ في الآخرة» بمعنى أن من عُذِّب منهم لا يحسُّ بألم النار؛ لأنهم إذا دخلوها أميتوا فيها،.. «إنما عذابها في الدنيا الفتن» التي منها استيفاء الحدِّ ممن يفعل موجبه، وتعجيلُ العقوبةِ على الذنب في الدنيا، أي الحروب والهرج فيهما بينهم، «والزلازل» جمع زلزلة وأصلها تحرك الأرض واضطرابها..، ثم استُعملت في الشدائد والأهوال.. «والقتل والبلايا»؛ لأن شأن الأمم السابقة يجري على طريق العدل، وأساسِ الربوبية، وشأنُ هذه الأمةِ يجري على منهج الفضل والألوهية، فمن ثمَّ ظهرت في بني إسرائيل النياحةُ والرهبانية، وعليهم في شريعتهم الأغلال والآصار، وظهرت في هذه الأمة السماحة والصديقية، ففُكَّ عنهم الأغلالُ، ووضِع عنهم الآصار..". (فيض القدير [2/ 185]).

لقد استخف الناس بالدماء، ولم يحترم القرآن فاتخذ مزامير، وصار الحكمُ والمسئوليةُ تجارةً، وتَسلَّطَ على الناس السفهاء، وقُطِّعت الأرحام، لقد دعا الصحابي الجليل عبس أو عابس الغفاري، على نفسه بالطاعون عندما رأى بعض هذه الفتن في بعض بني أمية، وهي إمارة السفهاء والصبيان، عَنْ عُلَيْمٍ، (بالتصغير هو: ابنُ قُعير الكندي.. تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر [3/ 966]) قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَلَى سَطْحٍ مَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَزِيدُ: "لا أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَبْسًا الْغِفَارِيَّ، وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ"، فَقَالَ عَبَسٌ: "يَا طَاعُونُ! خُذْنِي"، ثَلاثًا يَقُولُهَا، فَقَالَ لَهُ عُلَيْمٌ: "لِمَ تَقُولُ هَذَا؟!" أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، فَإِنَّهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَلا يُرَدُّ فَيُسْتَعْتَبَ». فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْوًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ، يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا»" (مسند أحمد ط الرسالة [25/ 427] [16040] صحيح، انظر صحيح الجامع [2812]).

«بادروا بالأعمال ستاً» من أشراط الساعة، قالوا: "ما هي يا رسول الله؟" قال: «إمارة السفهاء».. أي ولايتهم على الرقاب، لما يحدث منهم من العنفِ والطيشِ والخفة، جمع سفيه، وهو ناقص العقل،.. «وكثرة الشُّرَط».. أعوان الولاة، والمراد كثرتهم بأبواب الأمراء والولاة، وبكثرتهم يكثر الظلم،.. «وبيع الحكم» بأخذ الرشوة عليه، فالمراد به هنا معناه اللغوي وهو مقابلة شيء بشيء، «واستخفافاً بالدم» أي بحقه، بأن لا يقتص من القاتل «وقطيعة الرحم» أي القرابة بإيذائه، أو عدم إحسان، أو هجر وإبعاد، «ونشئا يتخذون القرآن» أي قراءته «مزامير» جمع مزمار.. آلة الزمر يتغنون به، ويتمشدقون ويأتون به بنغمات مطربة، وقد كثر ذلك منذ زمان، وانتهى الأمر إلى التباهي بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها، «يقدِّمون» يعني الناس الذين هم أهلُ ذلك الزمان، «أحدَهم ليغنيَهم» بالقرآن بحيث يخرجون الحروف عن أوضاعها، ويزيدون وينقصون، لأجل موافاة الألحان، وتوفر النغمات، «وإن كان» أي المقدَّم =الذي قدموه= «أقلَّهم فقها»، إذ ليس غرضهم إلا الالتذاذ والإسماع بتلك الألحان والأوضاع...". (فيض القدير [3/ 194]).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ؛ إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، إِنْ أَطَاعُوهُمْ أَدْخَلُوهُمُ النَّارَ، وَإِنْ عَصَوْهُمْ ضَرَبُوا أَعْنَاقَهُمْ". (مصنف ابن أبي شيبة [7/ 531] [37751]).

وعَنْ نِمْرَانَ بْنِ مِخْمَرٍ الرَّحَبِيِّ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَسِيرُ فِي الْجَيْشِ وَهُوَ يَقُولُ: "أَلا رُبَّ مُبَيِّضٍ لِثِيَابِهِ مُدَنِّسٌ لِدِينِهِ، أَلا رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِينٌ، أَلا بَادِرُوا السَّيِّئَاتِ الْقَدِيمَاتِ بِالْحَسَنَاتِ الْحَدِيثَاتِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَسَاءَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً لَغَلَبَتْ سَيِّئَاتِهِ حَتَّى تُقْهِرَهُنَّ". (مصنف ابن أبي شيبة [7/ 116] [34621]. الزهد لأبي داود [ص: 127] [116]. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء [1/ 102]).

وعَنْ كَعْبٍ، قَالَ: "لِكُلِّ زَمَانٍ مُلُوكٌ؛ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا بَعَثَ فِيهِمْ مُصْلِحَهُمْ، وَإِذَا أَرَادَ بِقَوْمٍ شَرًّا بَعَثَ فِيهِمْ مُتْرَفِيهِمْ". (مصنف ابن أبي شيبة [7/ 529] [37735]).

الخطبة الثانية
عباد الله! سارعوا وبادروا وعجلوا بالأعمال الصالحة؛ قبل نزول الفتن، ووقوع الأمراض والانشغالات، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» (مسند أحمد [5/ 58] [2867]، صحيح الجامع [2957]).

تعجلوا إلى الحج» أي بادروا به «إن أحدكم لا يدري ما يعرض له» زاد الديلمي في روايته: «من مرض أو حاجة»، فالحجُّ وإن كان وجوبه على التراخي، فالسنة تعجيله؛ خوفا من هجوم الآفات القاطعة، والعوارضِ المعوقة.." (فيض القدير [(3/ 250]).

فعليكم عباد الله! بالجماعة فإنَّ يدَ اللهِ على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

واعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال تعالى قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

اللهمَّ صلِّ على عبدك ورسولِك محمَّد، وارض اللهم عن الأربعةِ الخلفاءِ الراشدين، والأئمةِ المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر، وعثمان وعليٍّ، وعن الصحابةِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، وانصرْ عبادَك الموحدين.
اللهم ادفع عنا الغلاءَ والوباءَ، والربا والزنا، والزلازلَ والمحنَ، وسوءَ الفتن، ما ظهرَ منها وما بطنَ، عن بلدِنا هذا خاصة، وعن سائرِ بلادِ المسلمين عامة، يا ربَّ العالمين.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. [البقرة:201]
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]
عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:91].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] (مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار. للسلمان [2/ 253]).


فؤاد أبو سعيد