«ألا أخبركم بخيركم من شركم؟»

منذ 2013-11-05

«خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره»


وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يَألَف ويُؤلَف، ولا خير فيمن لا يألَف ولا يُؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس» (رواه الضياء في الأحاديث المختارة عن جابر (حسن) انظر حديث رقم: [6662] في صحيح الجامع). ‌

قال الماوردي: "بيّن به أن الإنسان لا يصلح حاله إلا الألفة الجامعة، فإنه مقصود بالأذية، محسود بالنعمة، فإذا لم يكن ألفاً مألوفاً تختطفه أيدي حاسديه، وتحكم فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له مدة وإذا كان ألفاً مألوفاً انتصر بالألف على أعاديه، وامتنع بهم من حساده، فسلمت نعمته منهم، وصفت مودته بينهم، وإن كان صفو الزمان كدراً ويسره عسراً وسلمه خطر، والعرب تقول من قل ذل" (فيض القدير [2/897]).

وقال أبو حاتم: "لا يجب على العاقل أن يكافئ الشر بمثله، وأن يتخذ اللعن والشتم على عدوه سلاحاً، إذ لا يستعان على العدو بمثل إصلاح العيوب وتحصين العورات حتى لا يجد العدو إليه سبيلا" (روضة العقلاء؛ لأبي حاتم بن حبان: مكتبة السنة المحمدية ص: [100]).

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء فحشه» أي: لأجل قبح فعله وقوله، أو لأجل اتقاء فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولاً أو فعلاً، وهذا أصل في ندب المداراة إذا ترتب عليها دفع ضر أو جلب نفع، بخلاف المداهنة فحرام مطلقاً إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا، والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا، بنحو: رفق بجاهل في تعليم، وبفاسق في نهي عن منكر، وتركه إغلاظ وتألف ونحوها مطلوبة محبوبة إن ترتب عليها نفع، فإن لم يترتب عليها نفع بأن لم يتق شره بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع، فما كل حال يعذر ولا كل ذنب يغفر، وقال بعضهم: أُخذ من هذا الخبر أن ملازمة الرجل الشر والفحش حتى يخشاه الناس اتقاء لشره من الكبائر (فيض القدير [1/356]).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» أي: دواهيه جمع بائقة الداهية، وجاء في حديث تفسيرها بالشر وهو تفسير بالأعم، زاد في رواية، قالوا: وما بوائقه، قال: «شره»، وذلك لأنه إذا كان مضراً لجاره كان كاشفاً لعورته حريصاً على إنزال البوائق به دل حاله على فساد عقيدته ونفاق طويته، أو على امتهانه ما عظم اللّه حرمته وأكد وصلته، فإصراره على هذه الكبيرة مظنة حلول الكفر به فإن المعاصي بريده، ومن ختم له بالكفر لا يدخلها، أو هو في المستحل أو المراد الجنة المعدة لمن قام بحق جاره، قال ابن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان بقدر الطاقة كهدية وسلام وطلاقة وجه وتفقد حال ومعاونة وغير ذلك، وكف أسباب الأذى الحسية والمعنوية عنه وتتفاوت مراتب ذلك بالنسبة للجار الصالح وغيره "(فيض القدير [2/457]).

alnaggar66@hotmail.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

(1) (رواه الترمذي؛ كتاب الفتن رقم: [2189]، وقال: "حديث حسن صحيح"، ورواه أحمد؛ باقي مسند المكثرين من الصحابة رقم: [8456]، ورواه القضاعي في مسند الشهاب [2/228] رقم: [1246]، وابن حبان: [2/285] رقم: [527]. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع؛ انظر حديث رقم: [2603] في صحيح الجامع، وقال المناوي في فيض القدير [2/514]؛ قال الذهبي في المهذب: "سنده جيد وفي الباب أنس وغيره". ‌وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [2/541]: "رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح"، والحديث رواه أيضاً أبو يعلى في مسنده عن أنس [7/16] رقم: [3910]، وابن أبي شيبة في مصنفه: [7/91] عن سعيد المقبري رقم: [34430]).

[2] (رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما (صحيح) انظر حديث رقم: [3287] في صحيح الجامع).

[3] (رواه القضاعي في مسند الشهاب عن جابر رضي الله عنه (حسن) انظر حديث رقم: [3289]؛ في صحيح الجامع).

[4] (رواه أبو داود والترمذي عن عائشة (صحيح) انظر حديث رقم: [2095] في صحيح الجامع).

[5] (رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ كتاب الإيمان رقم: [66]).

 

المصدر: صيد الفوائد

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز