وما زالت مأساة مسلمي الروهنجيا مستمرة

منذ 2013-11-07

في غمرة انشغال العالم الإسلامي بمآسيه التي لا تكاد تحصى أو تعد، فالجرح ينزف في كل بلد إسلامي وأهل كل بلد مشغول بمحاولة ضماده وإيقاف نزفه، تبرز مأساة مسلمي الروهنجيا التي تكاثرت فيها الجراح والآلام من كل صنف ولون، وإذا كانت مأساة السوريين قد احتلت في الوقت الحاضر هرم اهتمامات المسلمين، إلا أن ذلك لا يعني نسيان مأساة الروهنجيا التي لا تقل دموية عن مأساة سوريا.


في غمرة انشغال العالم الإسلامي بمآسيه التي لا تكاد تحصى أو تعد، فالجرح ينزف في كل بلد إسلامي وأهل كل بلد مشغول بمحاولة ضماده وإيقاف نزفه، تبرز مأساة مسلمي الروهنجيا التي تكاثرت فيها الجراح والآلام من كل صنف ولون، وإذا كانت مأساة السوريين قد احتلت في الوقت الحاضر هرم اهتمامات المسلمين، إلا أن ذلك لا يعني نسيان مأساة الروهنجيا التي لا تقل دموية عن مأساة سوريا.

فلا يكاد يمر يوم إلا وخبر عن معاناة مسلمي الروهنجيا يزيد الجرح ألما ونزفا، فقد اقتحم اليوم رهبان بوذيون المشفى العام بمدينة أكياب عاصمة أراكان، وقاموا بطرد المرضى من مسلمي الروهنجيا؛ بحجة أن على منظمة التعاون الإسلامي علاج المسلمين، ولا يسمح لهم بتلقي العلاج في مشفى حكومي، ومن المعلوم أن السلطات البورمية تمنع مسلمي الروهنجيا من تلقي العلاج بالمستشفيات الحكومية منذ عقود، إلا بعد دفع رشاوى باهظة، وذلك منذ إسقاط جنسياتهم عام 1982 إثر انقلاب عسكري في البلاد.

ومنذ عدة أيام خلت، وتحديدا في 30/10/2013م ذكرت وكالة أنباء الروهنجيا أن عصابات بوذية قامت في بلدة (بولي بازار) بإحراق السوق المحلية للمسلمين، وصرح (كوكو لين) أحد القادة الروهنجيين للوكالة أن المتطرفين البوذيين وبالتعاون مع قوات الأمن ‏أضرمت النار، لكن الأسباب غير معروفة وراء هذه الأعمال المتطرفة إلا الحقد الدفين للإسلام والمسلمين.

وأمثال هذه الحوادث الإجرامية اليومية بحق مسلمي الروهنجيا لها تاريخ طويل من القمع والاضطهاد، وليست وليدة يوم أو شهر أو سنة، فمنذ أن احتل الملك البوذي (بوداياي) أراكان المسلمة عام 1784م وقام بضمها لإقليم ميانمار خوفا من انتشار الإسلام في تلك المنطقة بشكل عام، والاضطهاد والتعذيب والتنكيل لا يكاد يفارق هذه الفئة المسلمة من قبل البوذيين هناك.

ولم يتغير الوضع المأساوي لمسلمي الروهنجيا بعد أن احتلت بريطانيا ميانمار وضمتها لحكومة الهند البريطانية الاستعمارية، ثم جعلتها مع أراكان المسلمة مستعمرة مستقلة عن الهند في عام 1824م، وذلك بسبب مقاومة مسلمي الروهنجيا للاحتلال البريطاني، مما دفع الأخيرة للتفكير بحيلة للتخلص منهم، فأوصلها تفكيرها الشيطاني إلى تحريض البوذيين ضد المسلمين، حيث أمدت بريطانيا البوذيين بالسلاح ليوقعوا مذبحة بحق المسلمين عام 1942م راح ضحيتها حوالي 100 ألف مسلم.

ورغم أن بريطانيا قد منحت ميانمار استقلالها عام 1948م مشروطا بمنح كل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت بذلك، إلا أن البوذيين لم يفعلوا ذلك، بل استمروا باحتلال أراكان وأذاقوا أهلها على مر تلك السنين ألوان العذاب والهوان، وكان آخر مخططاتهم الشيطانية بحق مسلمي أراكان هو تهجيرهم من أرضهم وبيوتهم، من خلال القتل الجماعي الذي يمارس ضدهم، والحرق الممنهج لبيوتهم وقراهم ومحالهم وأسواقهم التجارية، وممارسة أبشع الجرائم الإنسانية بحق نسائهم وأطفالهم التي وصلت إلى حد حرق الرجال والأطفال والنساء.

ومنذ عام 1982م أخذت مأساة الروهينجيا طابعا ديكتاتوريا عرقيا ممنهجا، وذلك بعد تطبيق قانون الجنسية الجديد في ميانمار، والذي تم فيه حرمان المسلمين الروهينجيا من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما تم حرمانهم من جميع الحقوق الإنسانية الأساسية كحق التصويت بالانتخابات البرلمانية، أو تأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية.

ورغم أن عدد المسلمين يشكل ما يقارب 20% من عدد سكان ميانمار بحسب تقديرات منظمة تضامن الروهنجيا التي تدافع عن حقوق أبناء أركان منذ عام 1983م، إلا أن حكومة ميانمار لا تعترف بهم كمواطنين، كما أن التغيير الظاهري لشكل نظام الحكم التي قيل بأنه أصبح مدنيا ديمقراطيا بعد انتخابات عام 2010م بعد أن كان عسكريا ديكتاتوريا في السابق، لم يغير من وضع مسلمي الروهينجيا، بل ربما زادت وطأة العنف والقتل والتهجير الممنهجة ضدهم، بقيادة بوذية معادية للإسلام والمسلمين، وبدعم وتغطية حكومية رسمية.

ومنذ أكثر من عام ونصف والمذابح وأعمال القتل بحق مسلمي الروهنجيا مستمرة، وقد وصل عدد القتلى خلال 18 شهرا فقط إلى أكثر من 10 آلاف مسلم، ناهيك عن آلاف الغرقى في البحر أثناء الهروب من جحيم البوذيين، وآلاف المشردين والمعتقلين، إضافة إلى هدم البيوت والمساجد والمدارس الروهنجية.

إن ما يميز مأساة الروهنجيا في ميانمار هو عدم التفاعل الإسلامي الكافي تجاهها، لا أقول بالعواطف والمشاركة الوجدانية، وإنما بالأفعال والأعمال المادية الواقعية، وعدم وجود ملامح لتحرك حكومي عربي وإسلامي لمحاولة حل أزمتها ونكبتها، ناهيك عن عدم وصول المساعدات الإنسانية الكافية لأبنائها إن وجدت. ورغم انعقاد بعض المؤتمرات والندوات هنا وهناك بشأنها، وكان آخرها ندوة عقدت بالأمس في العاصمة الأمريكية واشنطن تحت عنوان (الوجه المؤلم لمأساة مسلمى الروهينجيا)، والتي تناولت معاناة المسلمين فى إقليم أراكان فى ميانمار، وقد روى فيها شهود عيان مشاهداتهم عن أعمال العنف التى تعرض لها المسلمون هناك، إلا أن ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع إذا لم يترجم إلى أفعال ملموسة تحل معاناة ومأساة هؤلاء المنكوبين من جذورها.

إن حل أزمة الروهنجيا وإنهاء معاناتهم المستمرة منذ عقود يحتاج إلى قوة عسكرية أو اقتصادية ضاغطة على الدول التي تمارس ذلك الاضطهاد والتنكيل بحقهم، فالشجب والتنديد لا يجدي في زمن أصبحت للقوة العسكرية والاقتصادية فيه الكلمة الفصل في حل هكذا أزمات، بل وكل الأزمات، وإلى أن يمتلك العرب والمسلمون تلك القوة فإن مأساة ومعاناة مسلمي الروهنجيا وغيرها ستبقى مستمرة.


عامر الهوشان