بل كانوا إخوان؛ وكانوا مسلمين؟

منذ 2013-11-17

الحقيقة ما دعاني إلى كتابة هذا المقال برغم ترددي في كتابته منذ مدة نظراً لحساسية الأوضاع وحالة الاستقطاب والتشويش والفوضى الإعلامية والصحفية بل والسياسية الشاملة.هو أن الأمور تتسارع بشكلٍ أكبر من المتوقع بل أكبر من مواكبة مرونة التغيير الاستراتيجي والتيكتيكي لمسارات جميع القوى المتصدرة للمشهد وهذا هو مفتاح السِرّ.


الحقيقة ما دعاني إلى كتابة هذا المقال برغم ترددي في كتابته منذ مدة نظراً لحساسية الأوضاع وحالة الاستقطاب والتشويش والفوضى الإعلامية والصحفية بل والسياسية الشاملة. هو أن الأمور تتسارع بشكلٍ أكبر من المتوقع بل أكبر من مواكبة مرونة التغيير الاستراتيجي والتيكتيكي لمسارات جميع القوى المتصدرة للمشهد وهذا هو مفتاح السِرّ. مواكبة مرونة التغيير الحركي والتيكتيكي لسرعة المتغيرات وهذا ما تبنى عليه في المقابل نظرية الصدمة والرعب سواء العسكرية أو تطبيقاتها الأخيرة على المستوى السياسي.

ولذا سأكون مضطراً إلى الكلام بشيء من الحدة في النقد والتصحيح نظراً لخطورة المرحلة وارتكازاً على تحليل النتائج حتى الآن؛ فمنحنى تحليل الأحداث لا شك أنه يُنذِر بأخطار جسيمة بل يؤكد نجاحات 80 % من مخطط الانقلاب الذي دُرِسَ بعنايةٍ فائقة، اعتماداً على عدة دراسات أثق بأنها لم تكن محلية لمعرفتي بمستوى ضحالة الأجهزة الخاصة بذلك إلا أنها دراسات جاءت من وراء المحيطات بتنسيق كامل من أبناء العم ......

وقامت جميع تلك الدراسات -كما ظهر لي- على مستوى ردود الأفعال المتوقعة بعد الانقلاب -سواءً من جماعة الإخوان أو التيارات الإسلامية- المدروسة بعنايةٍ فائقة وخصوصاً في مصر سواءً الجماعة الإسلامية أو التيار السلفي (المسجون حالياً في الإسكندرية) أو التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي هو في النهاية حتى لا نخدع أنفسنا مكون من الفئات السابقة مضافاً إليه بعض فئات أخرى قليلة من طوائف وألوان الشعب المصري بصورة قليلة ومحدودة حتى الآن.

وبالفعل لم تأتي ردود الأفعال بعيدة عن توقعات تلك الدراسات بنسبة حيود كبيرة بل اقتربت إليها بشكلٍ يُشبِه التطابق.

وهذا ما أدّى إلى استمرار خارطة طريق الانقلاب دون أي شوشرة بل ويترجم موقف أمريكا المطمئن لمسار الانقلاب حتى الآن؛ لأن كل ما حدث كان أمامهم على أوراق مختومة بخاتم مراكز البحوث الثقة لهم من أكثر من مصدر، بل أحياناً جاء رد الفعل بشكلٍ أقل مما كان مكتوب في تلك الأوراق وتحديداً رد فعل مجازر رابعة والنهضة التي بدورها لم تكن لتحدث إلا بعد أن جاءت ردود الأفعال قبلها مطابقة تماماً لِما ورد في تلك الأحداث.

الشاهد؛ حتى لا يتصور أحدٌ أني ممن يتفلسفون بآرائهم بعد الأحداث -أي بعد فوان الآوان- طبعاً هذا ليس صحيح فما أكتبه الآن كتبته سابقاً منذ سقوط مبارك مروراً بالانتخابات الرئاسية وحتى بعد تولي الرئيس محمد مرسي وأثناء الانقلاب وبعد الانقلاب وكلامي منشوراً في أكثر من موقع توثيقاً للتاريخ؛ بل وفي أرشيف اليوتيوب من حلقات تلفزيونية كرَّرتُ فيه ما أقوله وحذَّرتُ مِراراً وتكراراً من هذه الأحداث.

إلا أنني -في كل مرحلة لم تجري الأمور فيها وِفق التحذيرات- لم يمنعني هذا من الاستمرار في مواصلة الدعم ولكن بشكله الجديد فالمسألة عندي رسالة أمة وليست مواقف شخصية.


الموضوع ببساطة هو حالة تكلُّس الفكر وانطلاق البعض من الحصار داخل سجن الاتهام الدائم، مما يقيّده في موضع المدافع الدائم الباحث عن مبررات وتنازلات دائمة داخلية على المستوى الشعبي العام وخارجياً على مستوى الدول الداعمة والرافضة للانقلاب.

وحتى نكون عمليين لابد من ذكر الأسباب وسأختصر الأسباب في عدة نقاط سريعة مع سرد حيثيات فترة زمنية مصرية شبيهه إلى حدٍ كبير.

- السبب الأول: هو كما قلنا استخدام نظرية الصدمة والرعب بإسقاطها السياسي والعسكري في مقابل تكلُّس نسبي في الطرف المقابل والصدمة والرعب على المستوى السياسي هو إجراءات غير متوقعة في زمنٍ غير متوقع.

- الثاني: هم الكوادر القائمة أو على الأقل المحسوبة لقيادة الطرف المقابل للانقلاب طبعاً بعد اعتقال معظم كوادر الصف الأول والثاني والثالث من جماعة الإخوان، لم يبقى سوى كوادر من الصف الرابع للإخوان مع بعض كوادر الفئات سابقة الذكر المدروس ردود أفعالها بعمق.

- الثالث: وهو طبيعة ونوعية شخصيات تلك الكوادر

حتى وإن لم تعتقل كوادر الصف الأول والثاني والثالث؛ هي شخصيات ليست سياسية إطلاقاً ولا تملك خبرات لمواجهة مثل تلك الحالة الانقلابية -حتى وإن حدث الانقلاب بصورة طبيعية- فضلاً عن استخدام وسائل حديثة كالصدمة والرعب والاتصال بالحبل السري للنظام العالمي الجديد بإمكاناته الهائلة.

وهذا الأمر له ما يُبرّره تاريخياً بل وأحياناً شرعياً وإنما يكن ذلك وِفق الحالة السياسية المحيطة بشمولها وأقصد أنه يمكن قبول ذلك فيما قبل النقطة الحرجة (Critical point) ولكنها بالتأكيد سيكون قبولها بعد تلك النقطة حالة من العبث بل الدليل على الأكيد على التكلُّس الفكري المرضي، أو نوع من التخلف الذهني السياسي والاستراتيجي، والتخلف هنا تعني تخلف عن اللحاق بالمتغيرات أو فهم البيئة المحيطة فهماً دقيقاً ليس تخلفاً عقلياً شاملا.

وتلك الحالة تترك دائماً مسافة زمنية مريحة للغاية؛ على سبيل المثال في مصر بين مسار خارطة طريق الانقلاب وردود أفعال التحالف الوطني عن كل مرحلة، مما يُمرِّر كل مرحلة بأرحية كاملة وأقصد بذلك كافة المستويات ولكي نكون منصفين هذا ليس انتقاصاً من تلك الكوادر أبداً بل على العكس هو إثباتاً لنموذجية تلك الكوادر ورقي أخلاقهم، ولا أكون مبالِغاً لو قلت لو أن الفريق عبد الفتاح السيسي نفسه أراد الخطبة لابنته لاختار أحد تلك الكوادر فعلاً، فعند رؤية أحدهم يتحدث تشعر بالرقة والأخلاق والطيبة مما يجعلك تتمنّاه زوجاً لابنتك لا أن تدفعه لمواجهة أقذر وأشر الناس خَلقاً وخُلقا.

الرابع: فكرة السلمية

تذكرني تلك المقولة بالضبط ما كان يقوله مبارك بأن السلام خيار استراتيجي، كان يكرِّر تلك الكلمة أكثر من أي شيء وخصوصاً عند حدوث اختراق إسرائيلي لأرضنا أو لحرماتنا، وتذكرني أيضاً بخطابات الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن أثناء الحرب الباردة ولم تمنع هذه الخيارات إسرائيل من تدمير البنية التحتية لمصر تحت غطاء كامب ديفيد وخيار مبارك الاستراتيجي، ولم تمنع أيضاً أمريكا من تدمير الاتحاد السوفيتي في تلك الحرب الباردة.

وبالمِثل؛ لم تمنع تلك السلمية ولم تعطِّل حتى مسار الانقلاب، ولم تمنع تدمير الوطن بل حتى وحركة الإخوان نفسها، فكل الشواهد تشير إلى ذلك وإن كانت السلمية لحقن الدماء أو على الأقل تقليل عدد الشهداء على العكس بالغ الطرف المقابل في أعداد وطرق القتل وِفقاً لنظرية الصدمة والرعب. وحتى إن أقرينا ذلك التصور فمن البديهي أن يصاحب تلك السلمية أدوات أخرى أكثر فاعلية أو حتى تناسب سرعة مسار خارطة الطريق المحلية والدولية.

ولذا أُذكِّر الجميع كما أسلفنا بحقبة مشابهة نوعاً ما لما نمرّ به الآن وهي واقعة قتل النقراشي باشا حيث تلاها بيان شهير من الإمام المؤسس لجماعة الإخوان ينفي ويتبرأ من هذا العمل وهنا يمكن قبول وتفهُّم بيان الإمام وِفق طبيعة وتوازنات المرحلة؛ أما أن يصبح خطأً دائماً -برغم تغير الأحداث المحيطة واللعب على المكشوف- فهو الأمر الغير مقبول والغير علمي والغير عملي أيضاً ويترتب عليه الهزيمة المؤكدة.

أصدر الإمام حسن البنا بياناً يتبرأ فيه من عملية قتل النقراشي باشا، بعنوان "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، ويقول فيه؛ "إن الذين فعلوا هذا ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين ولا يستحقون شرف المواطنة المصرية!".

وفي هذا يقول محمود الصباغ:

"وقد هلَّلت أجهزة الحكومة مدعية أن الغرض كان نسف المحكمة، وبالغت أبواق الاتهام تهيئ الجو للقضاء التام على الإخوان المسلمين، مما اضطر المرشد العام إلى إصدار بيانه "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، ليساعد على تخفيف حدة الضغط على الإخوان، وهو أمر جائز شرعاً في الحرب ويعد من الخدعه، كما أوضحنا عند ذكر سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لاغتيال أعداء المسلمين، ولكن الأخ عبد المجيد أحمد حسن لم ينتبه إلى ذلك، وتأثر بالبيان تأثراً قاده إلى الاعتراف على إخوانه".

في حين أن الأستاذ محمود الصباغ يوصف تلك العملية بأنها أحد العمليات الفدائية التي قام بها الإخوان، وكتب مبرِّرات تلك العملية.

يفصِّل في تفاصيل قال إنها خيانة النقراشي في فلسطين ثم ختمها بالتلخيص التالي:

أولاً: أسلموا القيادة العامة للجيوش العربية المسلحة إلى إنكليزي صهيوني هو جلوب باشا وتلك هي ذروة الخيانة.

ثانياً: سمحوا بتوغل الجيش المصري في فلسطين دون أن يضع خطة عملية لفض الجيوب اليهودية الخطيرة، التي توزَّعت في صحراء "النقب"، حتى يحاصر هذا الجيش من الجنوب بقوات مستعمرات النقب، ومن الشمال بالقوات اليهودية في المستعمرات الصهيونية، فتتحقق بذلك هزيمته، وإعلان إسرائيل.

ثالثاً: قبِلوا الهدنة الأولى والثانية لإعطاء اليهود فرصة نادرة لاستجلاب أحدث أنواع الطائرات والدبابات وغيرها، وحبسوا واعتقلوا أبناء مصر البررة، المتطوعين في سبيل الله، فمنعوهم من مواصلة العمل، لما رأوا أن في مصر رجال هم أهلٌ فعلاً لإنزال الهزيمة بالأعداء، وتخييب آمال حكام مصر في الولاء والفناء ذلاً وانكساراً لهؤلاء الأعداء.

رابعاً: غيّروا دون سبب معقول هدف الجيش المصري في احتلال تل أبيب وهو يتقدّم إلى الشمال دون مقاومة مخافة أن ينهار العدو باحتلال عاصمته وقبل تل أبيب بعشرين ميلاً عدّدوا له الأهداف ليضطرب صفه وينكمش جمعه، ويقترب من الهزيمة، وييأس من المقاومة والاستبسال.

خامساً: سلّحوا الجيش بأسلحة ترتد إلى جنوده لتقتلهم، ولا تندفع إلى الأمام لتنصرهم، اللهم إلا القليل من الأسلحة الخفيفة، التي لم يستطيعوا سحبها، وإحلالها بما فسد، لثقتهم أنها لن تحسم المعركة، وأن خدمة العدو في تقديم شعب مصر ممثلاً في جيشها فداءً للأعداء هي خدمة أكيدة ومحققة.

فما يكون جزاء مثل هؤلاء الخونة الغدّارين في الإسلام؟

الشاهد هنا هو أن الموقفين -بيان الشيخ الإمام حسن البنا عليه رحمة الله وما ذكره الصباغ في كتابه- كل في وقته المناسب أما وأن نتمسك بفلسفة أي منهما مهما تغيرت الأوضاع فهذا من باب التخلف السياسي والاستراتيجي وأظن أن هذا ما حدث فعلاً وما أوصلنا إلى ما نحن فيه.

سأختم بفكرة أدعو الجميع للتفكر فيها جيداً والتأمُّل والدراسة وأؤكد أنها تحمل داخلها كلمة السِرّ ومفتاح الحل والنصر بإذن الله وهي ببساطة:

ألم يأن لنا أن نكون كلنا إخوان وكلنا مسلمين؟


 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام