تأوهات على جدار الصبر

منذ 2013-11-21


 

قفِ المطيَّ على أطلال منزله *** وأسمعي الشوقَ إن الصمتَ يُفزعُهُ
ولترقمي بدموع العين قصته *** فكم جرت بربوع الدار أدمعُه
ما زال يؤنسه وُدٌّ ويوحشه *** بُعْدٌ ويدهمه خوف يروّعُه
والله يشهد كم فاضت جوانحه *** بالبشر إذ كان من عينيك مطلِعُه

وكان في صبوات العمر مضطلعًا *** بالحلم تبني قصورَ السحر أضلُعه
لا يأس يغزو، فمن ضرع الضريع غدًا *** يرجو وتحتلب الآمالَ أصبعُه
وأخلص الودّ مذ كبَّلتِه فغدا *** من سحر عينيك نهرُ الودّ منبعُه
كم راودته خيالاتُ الهوى فبنى *** منها حياة ببيت راح يرفعه

رآك حورية العمر التي قُدِرت *** له عروساً من الآهات تنزِعُه
حيث السكينة في جفنيك أغنية *** يرنو لها رغم طول الصمت مسمعُه
وكم تصوّر أبناء له نسلوا *** من صلبه الغضّ في روض يساجعه
يهفو إلى عشّه الورديّ تملؤه *** زغبُ الحواصل تغريداً ترجّعُه

وهدهدت طفلةَ الأحلام بسمتُه *** وهزهزت مهدها السحريّ أذرُعُه
لكن تقوضتِ الآمالُ مذ زحفتْ *** مخاوفُ العقمِ فاهتزتْ مضاجعه
سبع عجاف وما من طفلة صرخت *** من رحم زوجٍ ولا لاحت ودائعه
ولا الطبيب الذي يرجوه يسعفه *** ولا المشافي التي راحتْ تتابعه

سبع عجاف وما من بهجة سنحت *** إذ يقصف الدهر ما قد كان يزرعه
والآن لا بسمة الماضي تراوده *** ولا الطيور التي رفّت تُمَتِّعه
ولا الأمان تغشّى قلبه قمراً *** من بعد أن راحت الأحزان تقرعه
فبيته الوادع المسكين مقبرة *** وروضه اليانع المخضلّ يصفعه

فكيف يحيا بلا طفل يعانقه *** إذ يدخلِ البيتَ أو طفلٍ يشيّعه
وكيف يضحك والألعاب قد وقفتْ *** على الرفوف بلا لطف تقطّعه
وكيف يبصر والأركان مظلمة *** من غير طفل يضيء البيتَ مطلِعه
"لا تعذليه" إذا فاضت محاجره *** فثورة الحزن في الأضلاع تسفعه

ضاق الفضاء فلا الآفاق مشرعة *** على الحياة ولا الأحلام تدفعه
ما راح من ألم إلا إلى ألم *** يكاد يقتله لولا تضرُّعه
يرى الصغار فيذوي غصن فرحته *** ويستبد به يأس يضعضعه
فبسمة الطفل في جنبيه طعن مُدى *** وصرخة الطفل في الحارات تُوجعه

مدي إليه يدا بالرفق حانيةً *** فلست وحدك من ضاقتْ أضالعه
ولست وحدك من هدّته جائحة *** ولست وحدك من فاضت مدامعه
أتطلبين صكوك الهجر صارمة *** من القضاء لعلّ الحُكْمَ يخلعُه
أتنشرين كتاب السرّ باسمة *** أليس يكفيه أهوال تفجّعه

أليس من حقه أن تصبري زمنًا *** فربَّ صبر يواسيه وينفعه
لا تذبحيه بسيف الهجر ناكثة *** عهدًا توثق بالأيمانِ أجمعه
فقدرة الله أعطت مثله ولدًا *** من بعد يأس طغى في القلب يصدعه
واستذكري قدرة الرحمن إذ منحت *** يحيى لمن طال في الأقصى تخشّعه
ما زال في الطب آمال تراوده *** وفي إرادة ربِّ الكون مطمعه

 

يوسف أحمد