أسطول الحرية.. الإغراق قبل الانطلاق

منذ 2013-11-23

لإن كانت إسرائيل فشلت في إغراق أسطول الحرية (2) في عرض البحر المتوسط أو في الموانئ التي ترسو فيها سفن المساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة؛ إلا أنها نجحت بفعل سياسة إعلامية واضحة المعالم مخططةٍ مسبقاً متشعبة الاتجاهات في إغراق أسطول الحرية بالشائعات التي خوفت الدولة الأوروبية الحاضنة للسفن فتراجعت عن دعمها للناشطين الأوروبيين.



لإن كانت إسرائيل فشلت في إغراق أسطول الحرية (2) في عرض البحر المتوسط أو في الموانئ التي ترسو فيها سفن المساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة؛ إلا أنها نجحت بفعل سياسة إعلامية واضحة المعالم مخططةٍ مسبقاً متشعبة الاتجاهات في إغراق أسطول الحرية بالشائعات التي خوفت الدولة الأوروبية الحاضنة للسفن فتراجعت عن دعمها للناشطين الأوروبيين.

تلجأ الدعاية الصهيونية إلى الكذب والتبرير الإعلامي في مختلف المواقف السياسية منذ نشأتها، وتكون وظيفة رجل الدعاية الصهيوني أو المؤيد لها: أن يستخدم جميع الوسائل والحيل لعدم اكتشاف الأكذوبة. ولهذا تجدهم في حاله تأهب دائم مستعدين للرد على أي استفسار متقمصين دوماً صورة الضحية بطريقة لا تمكِّن الخصوم أن يكتشفوا الكذبة، ويندرج هذا الدفاع السلبي في صورة النجاحات التي حققتها الصهيونية على الصعيد الإعلامي.

وفي حالة أسطول الحرية (2) طفحت وسائل الإعلام الصهيونية بتقارير أشارت إلى أن سفن الأسطول ستحمل كثيراً من العرب والأتراك ذوي النيّات الصدامية، وأكدت في تقاريرها الإخبارية من الموانئ الأوروبية على لسان مراسليها أن هناك معلومات حول شحن عدد من السفن بمواد كيميائية سوف تستخدم سلاحاً ضد الجنود الصهاينة.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت وغيرها من وسائل الإعلام العبرية عن مصادر في الجيش الصهيوني استعداده لمواجهة أسطول الحرية (2) بشكل أكثر عنفاً من العنف الذي واجهته سفينة مرمرة السابقة، مشيرة إلى أنه بحسب المعلومات التي جمعتها الاستخبارات الصهيونية يتبين أن نية الناشطين هي المساس وربما قتل جنود الجيش الذين يفترض أن يصعدوا إلى السفن ويسيطروا عليها، واستخدام موادَّ كيميائية ضد الجنود الصهاينة بهدف إحراقهم.

وحتى تُحبَك الرواية الرسمية الصهيونية أكثر قالت الوسائل الإعلامية: إنّ بعض أفراد تنظيم (أي إتش إتش) سيشاركون في السفن، بالإضافة إلى أوساط إسلامية متطرفة طبعاً! وادَّعت وسائل الإعلام العبرية أنَّ المشاركين في الأسطول مرُّوا بوُرَش تدريبية لكيفية مقاومة جنود الجيش الصهيوني، وأنهم حصلوا على إرشادات على الوسائل التي يستخدمها الجيش ضد الناشطين، ومنها خراطيم المياه، والكلاب، ونار القناصة، وكيفية التعامل مع مثل هذه المواقف.

يدخل التحليل السابق لمنظومة عمل الإعلام الصهيوني ضمن دائرة التأثير النفسي؛ حيث تلجأ الوسائل الإعلامية إلى التأثير عبر إثارة انفعالات معيَّنة مثل: القلق والخوف والشعور بالخطر والموت وإظهار تعبيراتها عند الحديث عن التهديد الذي يواجهه جنودها وخطورته على مستقبل الدولة والسلام عموماً.

وتتخذ في ذلك أسلوب التكرار الذي تقوم به مختلف الوسائل الإعلامية الصهيونية: صحف، مجلات، إنترنت، إذاعات، فضائيات، إعلام اجتماعي، للتذكير المستمر بالخطر القادم من البحر مثلاً بسبب أسطول الحرية (2).

وتصل الرسالة الإعلامية إلى النتيجة؛ وهي في المحصلة: ترسَّيخ الإعلام الصهيوني في الأذهان أن دولة الاحتلال مهددة دوماً، وأنّ أمنها مرتبط بالأمن والسلام العالميين، وهي دولة صغيرة مسالمة ديمقراطية في محيط معادٍ غير ديمقراطي، يضم تياراتٍ متطرفة.

أما في الجانب الدبلوماسي فقد استبق وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان احتمال لجوء جيش الاحتلال للاعتداء على السفن باتهام الناشطين الدوليين بأنهم يريدون الصدام والدماء، وأعرب وزير الخارجية عن ارتياحه لنجاح الجهود الدبلوماسية والسياسية بهدف الحد من أهمية أسطول الحرية (2)؛ حيث يقول: "إنّ سفراءنا ودبلوماسيينا أجروا مئات المحادثات، وفي نهاية المطاف فإن عدد السفن والركَّاب في الأسطول أقل مما هو متوقع"، وأشار ليبرمان إلى أن من بين أولئك الذين يصرون على الإبحار على متن السفن ناشطين مرتبطين بالإرهاب يسعون عن عمد إلى العنف وإراقة الدماء لجذب انتباه محطات التلفزيون.

في التحليل الإعلامي لتصريحات وزير الخارجية الصهيوني يلاحَظ أن وسائل الإعلام الصهيونية درجت على ربط بعض الشخصيات باستعمال أوصاف من نوع: قاتل، إرهابي، يداه ملطختان بالدم بطريقة تساعد على إبراز مشاعر معينة لدى الجمهور الصهيوني بدرجة أساسية والعالمي بدرجة ثانية.

وفي سبيل ذلك أوجدت الآلة الإعلامية الصهيونية مجموعة من الوسائل كالاتصال الشخصي من خلال إرسال المندوبين والممثلين الذين يتسربون باسم المنظمات الدولية. وهو الذي دفع بوزراء خارجية الدول الأوروبية واليونان تحديداً إلى وضع العراقيل أمام أسطول الحرية.

وفي المقابل غاب تماماً عن وسائل الإعلام الصهيونية والوسائل المتحالفة معها بيان رَفْض العنف الذي وقَّع عليه المشاركون في أسطول الحرية (2)، كما غابت تصريحات درور فايلر وهو إسرائيلي الأصل وناشط يساري مؤيد للحقوق الفلسطينية، وناطق باسم الأسطول حيث قال في لقاءات مع وسائل إعلام فلسطينية: إنّ هدف ادِّعاءات الجيش الصهيوني هو تبرير استخدام العنف ضد الناشطين، ولم تسعفه تأكيداته أن جميع المسافرين وقَّعوا تصريحاً ينص على عدم استخدام العنف وأنهم لا يريدون أسطولاً شبيهاً بالأسطول السابق، وليست لديهم كما يقول فايلر أي نية للدخول في مواجهة مع أحد، بل الوصول إلى قطاع غزة بسلام.

إنّ نجاح الدعاية الإعلامية الصهيونية بات واضحاً؛ فالأسطول الذي من المقرر أن ينطلق مُنِع وخُرِّبت فيه أجهزة الملاحة، وهو بشكل أو بآخر يأتي في المصلحة الصهيونية فقد نجح قسم استخبارات التضليل الإعلامي التابع لمكتب رئيس الوزراء الصهيوني في هذه الجولة، وقدَّم  التبريرات المزيفة ولكنها أقنعت العالم بخطورة أسطول الحرية (2)، مثلما نجحت في وقت سابق بتبرير قصف سيارات الإسعاف الفلسطينية والترويج لمقولة: إن الفلسطينيين كانوا ينقلون عبرها الأسلحة والمتفجرات، وتبرير قتل الأطفال الفلسطينيين عبر القول بأن من يُقتَل هو إرهابي المستقبل، واتخذت من العمليات الاستشهادية والصور المباشرة التي تبثها لحظة وقوعها ذريعة لمواصلة القتل والقمع والتدمير والاحتلال تحت ذريعة الدفاع عن الوجود.

لقد نجحت الدعاية الصهيونية في منع مغادرة أسطول الحرية (2) بعد أن ساهم جيش المدونين التابع لوزارة الهجرة والاستيعاب الصهيونية في بث الأخبار عن خطورة الأسطول القادم من البحر على سكان فلسطين المحتلة وعلى السلام عموماً، ونجحت الصهيونية وفشلنا حتى عن تصوير فيلم يقدِّم نشطاء أسطول الحرية (2) على أنهم أصحاب رسالة إنسانية مع أن وسائل إعلامنا حاضرة في تقديم عارنا إلى العالم وغائبة عند الطلب منها تقديم رسالة تمسُّ معاناة شعب أعزلٍ يُضطهَد!


باسل النيرب