من أجل البقاء في السلطة

منذ 2013-11-23

أيا كانت المؤامرات الدولية على الشعب السوري وثورته، جراء قبول آل الأسد على المبادرة الروسية التي تفوح منها رائحة الشك والريبة والخبث، فإنها تؤكد على أن الطغاة يضحون بكل شيء من أجل البقاء في السلطة. كما أنها تؤكد على وجود ارتباط بين الطغاة والغزاة، حيث يقوم الطغاة بالتمهيد لدخول الغزاة، سواء باستدعائهم لنصرتهم كما فعل بشار حين استدعى الإيرانيين والروس للقتال معه ضد الشعب السوري الثائر، أو حين يتذرع الغزاة الطامعون في احتلال أرض ما ونهب خيراتها ببطش الطغاة فيها على مواطنيها، فيجعلون من تحرير هؤلاء من ذلك البطش عنوانا لغزوهم، كما فعلت أمريكا في العراق.

 

"المستبد يتجاوز الحد ما لم يرَ حاجزًا من حديد، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفًا لما أقدمَ على الظلم، وكما يقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب" (كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي- 19).

عبارة تنطبق على آل الأسد وأمثالهم من طغاة العالم، الذين عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا، وحولوا البلاد والأوطان إلى دمار وخراب، لا أقول دمار البنيان وخراب العمران فحسب، بل شمل أيضا موت الإنسان والنبات والحيوان، ومعاداة العلم والفكر والإيمان. لقد تكررت في سوريا مأساة كثير من الشعوب العربية الإسلامية، التي ابتليت بحكام طغاة مستبدين، انتقاهم الاستعمار الغربي بعناية فائقة، ليكونوا في العصر الحديث أمثال نيرون وفرعون في البطش والطغيان، وأمثال الرافضي ابن العلقمي وزير المستعصم في الخيانة والعمالة للعدو والاستسلام، ويبدو أنه قد تحقق لهم كثيرا مما أرادوا.

فها هو بشار وتحت وقع مجرد التهديد بالضربة العسكرية الأمريكية المحتملة ضده، سلم واستسلم فورا، ولم يُبدِ أي مقاومة أو ممانعة تُذكر، مما كان يتبجح به طوال أربعين عامًا، وأبدى استعداده لتسليم سلاحه الكيماوي الإستراتيجي، الذي دفع الشعب السوري ثمنه وثمن إعداده مالا ووقتا وجهدا طويلا، وبدلا من أن يدخر هذا السلاح ليلوح باستخدامه في أي مواجهة مستقبلية ضد اليهود وأعداء العرب والمسلمين، استغنى عن التلويح والتهديد، واستخدم الكيماوي ضد الشعب السوري، الذي صنع هذا السلاح بيده ودفع ثمنه من جيبه.

فقد وافقت الحكومة الأسدية على لسان وزير خارجيته وليد المعلم مساء الإثنين الفائت على مقترح روسي يقضي بوضع ترسانة سورية من الأسلحة الكيماوية تحت مراقبة دولية، ومن ثم التخلص منها وتدميرها، والانضمام بالكامل إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وذلك لتفادي احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية غربية ضد سوريا.

وأيًا كانت خفايا ودهاليز هذه المبادرة والموافقة الأسدية عليها، وأيًا كانت درجة الخبث والمكر المحتمل من الدول الغربية والروسية لوأد ثورة الشعب السوري وإخماد جذوة جهاد أبنائه وأبطاله، والتي لا يشك مسلم في إمكانية وقوعها، فإنها تعتبر من أكبر الأدلة على مدى تضحية الطغاة بمقدرات بلادهم المادية والاستراتيجية من أجل البقاء في السلطة والحكم.

وليس ذلك بمستغرب ولا مستعجب من قبل الطغاة العملاء، فهم يفعلون كل شيء من أجل البقاء في السلطة، ويضحون بأي شيء من أجل التشبث بالكرسي والحكم، وهم على أي حال كانوا وما زالوا الحامي الأول لحدود وأمن اليهود، حيث لم يطلق آل الأسد طوال فترة حكمهم لسوريا طلقة واحدة تجاه حدود الكيان الصهيوني، بل كانت كل ضرباتهم ضد شعبهم الذي حكموا باسمه، ونهبوا البلاد باسمه.

ففي عام 1973م خسرت سوريا في الحقيقة حرب تشرين، والتي يزعم آل الأسد بأنها حرب تحريرية، حيث لم تسترد سوريا في تلك الحرب أي جزء من هضبة الجولان المحتل منذ عام 1967م، بل خسرت مناطق أخرى كانت تسيطر عليها قبل الحرب، أما مدينة القنيطرة التي يتبجح النظام باستعادتها بعد حرب تشرين، فقد كانت تحت سيطرة اليهود حتى تنازلت عنها ضمن اتفاقية فصل القوات عام 1974م، ولم يعد آل الأسد إعمار القنيطرة حتى اليوم.

أما في عام 1982م فقد ظهرت شجاعة آل الأسد وقوة بطشهم على شعبهم، فقد دخلت قوات الأسد الأب مدينة حماة شمال سوريا، فقتلت أكثر من 35 ألف مسلم، وسوت أبنية معظم أحياء المدينة بالأرض، واعتقلت الآلاف وشردت مئات العائلات، تحت شعار محاربة الإرهاب، الذي يبدو أنه لا تنطبق مواصفاته إلا في المسلمين في كل مكان، أو ممن يعارض حكم الطغاة أو يقول لهم: لا. ومن أهم المجازر التي ارتكبت حينها: مجزرة جسر الشغور ومجزرة قرية كنصفرة، ومجزرة سجن تدمر المعروفة والمشهورة، ومجزرة سرمدا وبستان القصر وغيرها الكثير من المجازر، وكلها من أجل بقاء الأسد الأب في السلطة، حيث رأى أن الحل الأمني العسكري هو الحل، في وجه المطالب باستقلال القضاء ومنع المحاكمات العسكرية وإجراء انتخابات ديمقراطية... إلخ.

وها هو التاريخ يعيد نفسه ولكن هذه المرة مع بشار الابن، حيث خرج الشعب السوري بثورته السلمية مطالبا في البداية بإصلاح النظام، ومعاقبة الطغمة الأمنية المفسدة في البلاد، فما كان من الابن إلا أن سلك طريقة ومنهاج أبيه الدموي، مع زيادة ملحوظة في عدد المجازر، ومضاعفة لأعداد الشهداء والمعتقلين، وتدمير كامل للبنية التحتية، وكما يقال: الطيور على أشكالها تقع.

وكان الاختلاف هذه المرة، أن الشعب كان مصمم على استرداد حريته ممن اغتصبها، ونيل كرامته المسلوبة منه طوال أربعة عقود من الزمان، فاستبسل وقاوم وناضل، وقدم من أجل هذه الحرية والكرامة عامان ونصف من الكفاح والصبر والنضال، سقط خلالها أكثر من 124 ألف شهيد، ومئات الآلاف من المصابين والمعتقلين، وملايين اللاجئين والنازحيين.

وكما ينطبق على آل الأسد مقولة الكواكبي، ينطبق عليه مقولة تنسب لابن خلدون: "الطغاة يجلبون الغزاة"؛ والتي باتت تستخدم بشكل كبير في عصرنا الحاضر، الذي كشف عن مزيد من الطغاة والمستبدين العرب، الذين لم يكتفوا بإهلاكهم العباد وإفسادهم للبلاد، بل زادوا على ذلك بأن جلبوا لأوطانهم قبل رحيلهم الغزاة. ولمن لا يعلم معنى دخول الخبراء الدوليين للتفتيش عن الأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وما يستتبعه ذلك من استعمار مادي ومعنوي للبلاد، فليذكر ما حصل بالعراق قبيل الاحتلال الأمريكي لها، وكيف كان التفتيش تمهيدا للاستعمار والاحتلال الأمريكي أولا ثم الشيعي الإيراني الرافضي لاحقا.

أعود فأقول: أيا كانت المؤامرات الدولية على الشعب السوري وثورته، جراء قبول آل الأسد على المبادرة الروسية التي تفوح منها رائحة الشك والريبة والخبث، فإنها تؤكد على أن الطغاة يضحون بكل شيء من أجل البقاء في السلطة. كما أنها تؤكد على وجود ارتباط بين الطغاة والغزاة، حيث يقوم الطغاة بالتمهيد لدخول الغزاة، سواء باستدعائهم لنصرتهم كما فعل بشار حين استدعى الإيرانيين والروس للقتال معه ضد الشعب السوري الثائر، أو حين يتذرع الغزاة الطامعون في احتلال أرض ما ونهب خيراتها ببطش الطغاة فيها على مواطنيها، فيجعلون من تحرير هؤلاء من ذلك البطش عنوانا لغزوهم، كما فعلت أمريكا في العراق.

وفي كلا الحالين فقد اجتمع في سوريا الطغاة والغزاة معا، ولمواجهة ذلك لا بد أن يكون أبطال الثورة السورية مدركين لحجم المؤامرات التي تحاك ضد ثورتهم، متنبهين يقظين لما يخطط ويدبر لهم، فالثورة السورية أول وآخر أهدافهم، والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.