فتوى (جهاد المناكحة) وحملة تشويه العلماء

منذ 2013-11-23

لقد ساهم الانفتاح الإعلامي وفضاؤه الرحب في انتشار مثل تلك الافتراءات والأكاذيب التي لا يشك عاقل أنها إدعاءات واهية صنعتها أنظمة جائرة سعت لأن تجعل منها كرة ملتهبة تقذف بها خصومها وتوغل بها صدور العوام من شعوبها تجاه كل من وقف في وجهها وكشف مخططاتها وحذر من أطماعها.

 

لا يبدو أن النظام النصيري، ومن يقف خلفه من الصفويين وأذنابهم باتوا يمتلكون الكثير في جعبتهم ليواجهوا به النجاحات الكبيرة التي حققتها الثورة السورية وأبنائها ومجاهديها وانتصاراتهم على الأرض، سوى بث الأكاذيب والادعاءات وإطلاقها في كل اتجاه، خاصة تلك يريدون بها النيل من علماء الأمة وخاصة علماء المملكة ودعاتها الذين عرفوا بدورهم في مساندة الثورة السورية وبيان واجب المسلمين في نصرة إخوانهم والتحذير من أعداء الأمة الإسلامية الذين حاكوا لها المؤامرات وتلوثت أيديهم بدماء أبنائها.

لقد ساهم الانفتاح الإعلامي وفضاؤه الرحب في انتشار مثل تلك الافتراءات والأكاذيب التي لا يشك عاقل أنها إدعاءات واهية صنعتها أنظمة جائرة سعت لأن تجعل منها كرة ملتهبة تقذف بها خصومها وتوغل بها صدور العوام من شعوبها تجاه كل من وقف في وجهها وكشف مخططاتها وحذر من أطماعها.

وكان آخر تلك المزاعم ما تناقلته مواقع سورية محسوبة على نظام بشار الأسد وأخرى لبنانية وإيرانية أن دعاة بارزين في المملكة ممن يثق الناس بعلمهم وتوجهم أجازوا ما يسمى بـ(جهاد المناكحة)؛ بل وتعدى ذلك إلى إجازتهم ممارسته مع المحارم في حال عدم وجود مجاهدات من غير المحارم. وما يسمى بجهاد المناكحة هي فتوى مجهولة الهوية انتشرت على هامش الأزمة السورية وقد تناقلتها وسائل إعلام محسوبة على الأنظمة السورية أو الإيرانية وتلك التابعة لحزب الله، وأخرى علمانية ساهمت في نشرها، وهي تدعو النساء إلى التوجه نحو الأراضي السورية من أجل ممارسة نوع خاص من الجهاد، أي إمتاع المقاتلين السوريين لساعات قليلة بعقود زواج شفهية من أجل تشجيعهم على القتال.

واللافت في الأمر، أن أكذوبة فتوى جهاد المناكحة أو زواج المناكحة تشبه إلى حد بعيد تلك الفتاوى التي اشتهرت عن بعض معممي الرافضة والتي يحثون فيها النساء الشيعيات على زواج المتعة من المقاتلين في جيش المهدي وغيرهم من أفراد المليشيات الشيعية المسلحة مما يظهر بجلاء الوجه الصفوي الرافضي القبيح خلف أكذوبة ما يسمى بجهاد المناكحة. وبالطبع لم تكن تلك هي الأكذوبة الوحيدة التي يحاول النظام الصفوي وأذنابه بثها للنيل من العلماء والدعاة فكثيراً ما تناقلت مواقع ومنتديات رافضية على نطاق واسع فتاوى مكذوبة على علماء المملكة تزعم فيها دعوتهم لاستئصال الشيعة، وذبحهم ذبح النعاج، و بسبي نسائهم وتوزيعها على المجاهدين وغير ذلك من الافتراءات.

وبالعودة إلى ما يسمى بجهاد المناكحة، فإن أول من ألصقت به هذه الفرية هو فضيلة الشيخ الداعية محمد العريفي، وذلك حين نقلت قناة الجديد التابعة للنظام السوري، إصداره فتوى بزواج المناكحة للمجاهدين في سوريا، تبيح لهم الزواج لأجل محدود بساعات، لإفساح المجال لآخرين، ومن فتيات في سن (14) عاماً، وأن ذلك من موجبات دخول الجنة لمن تجاهد به. وقد نفى الشيخ العريفي نسبة هذه الفتوى له وقال مرات عدة إن حسابه في تويتر لم ينشر هذه الفتوى وأن الصورة التي تم تناقلها لهذه التغريدة كانت زائفة وقد اتضح ذلك جلياً من نوع الخط الذي كتبت به غير المدعم من موقع تويتر، إضافة إلى ركاكة الأسلوب الذي كُتب به و تجاوز التغريدة الزائفة تلك عدد الأحرف المسموح به في تويتر.

لقد بات من الواضح أن هذا النهج المضلل يتولى كبره الإعلام السوري والإيراني وأذنابهما من الإعلام اللبناني وحزب الله، بل وتلقفها العلمانيون في دول عربية آخرى لتشويه العلماء والدعاة والنيل منهم لصرف الناس عنهم وربطهم كذبا وزوراً بسلوكيات غير سوية يتم إلصاقها بالمجاهدين في سوريا.

وعلى ذكر المجاهدين، فقد كانوا أول ضحايا مسلسل التشويه الإعلامي من قبل قنوات النظام السوري منذ بداية الثورة، إذ دأبت قنوات النظام على إلصاق التهم بهم وتصوير الثورة السورية منذ انطلاقتها على أنها مؤامرة كبرى يقف وراءها مجموعة من المرتزقة والمخربين في الداخل والخارج. وكثيراً ما تناقل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي نماذج لفبركات إعلامية يكون بطلها شبيحة إعلام النظام السوري، كان من أبزرها تقرير مصور بثته قناة الدنيا يظهر فتاة تتهم شابا في مدينة حرستا بريف دمشق باختطافها، ثم يجلب أحد معتقلي حرستا للاعتراف بما هو منه براء. إلا أن ما ظهر في شريط سربه منشقون عن السلك الإعلامي للنظام السوري، يوضح أن الفتاة لم تخطف وأن هناك من كان يلقنها تفاصيل الأحداث الوهمية وأن الشاب لم يكن إلا ضحية.

واستمرارا لمسلسل الأكاذيب التي تروجها وسائل الإعلام المحسوبة على النظام السوري، فقد أشاعت هذه الوسائل أخباراً تزعم أنها نقلتها عن وسائل إعلام تونسية، مفادها أن فتيات تونسيات، توجهن إلى سوريا استجابة لتلك الفتاوى للمشاركة في ما يسمى بجهاد المناكحة (للترويح عن المجاهدين هناك).

وبالطبع فإن ما جرى مع التونسيات لا يعدو كونه أكذوبة آخرى من مسلسل الافتراءات ذلك، فقد نفى عدد من الإعلاميين ممن تناقلوا تلك الأخبار أن يكونوا قد استندوا إلى مصادر موثوقة. بل إن الفيديوهات التي زعموا أنها لفتيات تونسيات في سوريا، اتضح فيما بعد أنها لقطات قديمة لنسوة شيشانيات إبان العدوان الروسي على الشيشان.

وعلى ما يبدو، فإن حمى القذف والتشويه بما يسمى بـ(زواج المناكحة) قد انتقل إلى مصر ليطال تحديداً مؤيدي الرئيس الشرعي المقال محمد مرسي والمطالبين بالشرعية خلال اعتصامهم بميداني النهضة ورابعة العدوية، حيث تناقلت وسائل إعلام مصرية باهتمام بالغ خبراً نشرته إحدى الصحف البريطانية مدعية فيه ممارسة المعتصمين في الميدانيين لهذا النوع المزعوم من الجهاد.

لكن حملات التشويه تلك استحثت عدداً من الجهود المخلصة لمواجهتها بالأساليب المتاحة ومن ذلك ما نظمه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لمقاطعة فضائيات عربية وثيقة الصلة بإيران، والتي لا تزال مستمرة في دعم نظام الأسد إعلاميا في حرب الإبادة التي يشنها على الشعب السوري، إضافة إلى أن كثير منها تحول إلى منابر لتجييش المقاتلين إلى جانب نظام الأسد والحرس الثوري ومليشيات حزب الله في سوريا.

وشملت القائمة 27 قناة بعضها تابع بشكل مباشر للحكومة الإيرانية، وبعضها تابع لمليشيات لبنانية تابعة لإيران مثل حزب الله وحركة أمل، وهناك قنوات تابعة لأحزاب ومليشيات عراقية أبرزها دولة القانون التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وأحزاب التحالف الشيعي العراقي المتكون من المجلس الإسلامي والتيار الصدري ومليشيا بدر، إضافة إلى قنوات تملكها شخصيات دينية خليجية في الكويت تتبع إيران.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الإعلام الجديد هو بذاته ما أسهم في كشف زور تلك الادعاءات وزادها وهنا، فجل الدعاة وأهل العلم الذي يثق الناس بعلمهم وإخلاصهم، وخاصة البارزين منهم ممن وجودوا القبول لدى الكثيرين لهم منابرهم الخاصة في هذا الفضاء الإعلامي إما بمواقع رسمية أو صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي يسهل الوصول لها، ومعرفة آرائهم ومواقفهم الحقيقية.

لقد بات من الواضح أن هناك قاسم مشترك بين المشايخ الذين يستهدفهم إعلام النظام السوري وأذنابه من القنوات الرافضية، وهو وقفتهم القوية إلى جانب الثورة السورية ضد النظام النصيري المجرم وتأييدهم للمجاهدين في سوريا وكشفهم لمخططات الروافض ومؤامراتهم، الذين لم يبق لهم ما يستصرخونه سوى إرثهم الضخم من الأكاذيب والافتراءات المرذولة التي دأبوا على بثها عبر التاريخ وإلصاقها بمن لم يوافقهم والتي لم يسلم منها حتى خير القرون بل وزوجات نبي الأمة وأصحابه الكرام.

 

محمد لافي