تونس تحت ضربات العلمانيين

منذ 2013-11-27

 

ما يجري في تونس الآن ليس فقط محاولة لاقتناص مكاسب سياسية ضيقة على حساب مصلحة الوطن، ولكنها محاولة من أجل إجهاض أول ثورة شعبية عربية في العصر الحديث ألهمت بقية دول المنطقة وأحدثت هزة كبيرة في الأفق السياسي العربي الذي كان يمر بحالة من التأزم الشديد مع سيطرة حكام مستبدين على الحكم لفترات طويلة مستخدمين الآلة الأمنية والبطش دون رادع داخلي أو خارجي.

إن القضاء على الثورة التونسية بصفة خاصة سيكون له مدلول أقوى من القضاء على أي ثورة عربية أخرى في دول الربيع العربي لأنها كانت نقطة الانطلاق التي كسرت حاجز الخوف، وفي القضاء عليها رسالة من قوى الظلام للشعوب المقهورة (أنه لا فائدة من الانتفاض على الظلم وعليهم أن يستسلموا لواقعهم حتى يأتيهم الموت). لقد كان الإحباط يأكل فئات واسعة من الشعوب العربية حيث أوشكت على اليقين أنه لا فائدة ترجى من حدوث تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي ينتشلها من براثن الفقر والاضطهاد حتى قامت مجموعة من الشباب الحر بثورة تونس وانضمت إليهم فئات الشعب كافة فأجهزوا على الدكتاتور في أيام قليلة ومن بعد ذلك انتشرت حمى الثورات فشاهدنا انتفاضة مصر واليمن وليبيا وسوريا.

إن الثورة التونسية فجرت ينابيع الأمل في كثير من الأوطان العربية وغيرت نظرة العالم أجمع لشعوبها بعد أن كانت النظرة النمطية لهم في الخارج أنهم (شعوب متخلفة راضية بالظلم والتنكيل والفقر).

الآن الثورة التونسية تعيش أياما حرجة وهي القائدة أصبحت تنظر إلى تجارب فاشلة وتريد أن تقلدها رغم فداحة النتائج وأنهار الدماء التي تراق ومع ذلك تصر حفنة فاسدة من أتباع النهج العلماني على إفشال الثورة بحجة عدم الاستجابة لمطالبهم ومحاولة الالتفاف على الإرادة الشعبية واستغلال الأوضاع الغير مستقرة التي تعقب الثورات والتي تحتاج إلى تضافر الجهود ونسيان الخلافات مرحليا على الأقل من أجل الخروج من عنق الزجاجة وبعد ذلك التسليم بالآليات التي ارتضاها الجميع لتولي السلطة دون التنازع والاختلاف واستخدام الشارع لتأجيج الاضطرابات في وقت تحتاج البلاد إلى الأمن والاستقرار.

إن محاولة القفز على السلطة على جثث الأوطان أصبحت تفضح جماعات وأحزاب تدثّرت كثيرا بمفاهيم مطاطة عن الحريات وحقوق الإنسان واتضح أنها تريد الحرية لنفسها والحقوق لأتباعها بينما تسدد الرصاص في قلب المخالف وتتهمه بأبشع الاتهامات. إن الشعب التونسي أذكى من أن يتبع هؤلاء الأراذل الذين يريدون إغراق البلاد في حمامات من الدماء من أجل الوصول إلى السلطة والمناصب لا من أجل خدمته وتوفير الأمن والأمان لأبنائه.

إن بن علي وأنصاره بدأوا في الظهور مرة أخرى في المشهد التونسي مع تأزم الوضع السياسي وإصرار المعارضة على التصعيد وإرغام الحكومة على الاستجابة لمطالبها اعتمادًا على صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهي انتهازية أصبحت ملازمة للتيارات الليبرالية واليسارية في المنطقة العربية وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على إفلاسها الشديد بعد أن فشلت في أن تصل إلى السلطة عبر شعبية حقيقية في الشارع فهي تستغل العسكر تارة وتستغل العنف والتخريب تارة أخرى للوصول لما تريد.

إن الانتهازية وصلت إلى التحالف مع أعداء الثورات والأنظمة الاستبدادية القديمة وهو ما يظهر أنها حركات رجعية ترفع شعارات كاذبة لخداع الجماعير البسيطة.. أعتقد أن الأيام القادمة ستكون مقبرة لهذه الحركات في الشوارع العربية بعد انكشافها تماما واتضاح انتهازيتها وإن كانت الشعوب تحتاج إلى مزيد من الوعي واليقظة قبل فوات الأوان.
 

 

خالد مصطفى