ظاهرة الحقد والكراهية في الإعلام التونسي

منذ 2013-11-28

يبدو أن كمية الكراهية الموروثة من قبل علمانيي تونس للتيار الإسلامي كانت أكثر من أن تخفف من حدتها الثورة التونسية، التي تعتبر باكورة الثورات العربية والملهمة لها، ويبدو أن حجم الأحقاد المتأصلة في نفوسهم وعقولهم ضد الإسلاميين أكبر من أن تمحها ثورة أو مصلحة وطن، بل يبدو أن ما سمي بثورات الربيع العربي لم يكن كافيا لإزالة عقود من الخريف والشتاء العلماني.


يبدو أن كمية الكراهية الموروثة من قبل علمانيي تونس للتيار الإسلامي كانت أكثر من أن تخفف من حدتها الثورة التونسية، التي تعتبر باكورة الثورات العربية والملهمة لها، ويبدو أن حجم الأحقاد المتأصلة في نفوسهم وعقولهم ضد الإسلاميين أكبر من أن تمحها ثورة أو مصلحة وطن، بل يبدو أن ما سمي بثورات الربيع العربي لم يكن كافيا لإزالة عقود من الخريف والشتاء العلماني.

فرغم عقود من السنوات العجاف التي مرت بها دول ما سمي بالربيع العربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بقيادة الأنظمة الموصوفة بالديكتاتورية، ورغم الفساد والخراب الكبير الذي خلفته تلك الأنظمة وراءها، إلا أن النخبة العلمانية واليسارية التونسية آثرت التحالف مع رموز نظام بن علي القديم الفاسد، ضد التيار الإسلامي هناك، لمجرد أن الأخير قد فاز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد نجاح الثورة.

لقد اختار الشعب التونسي ممثليه في البرلمان (المجلس التأسيسي) بكل حرية ونزاهة وشفافية، كما اختار رئيسه المحسوب على التيار الإسلامي بشكل ديمقراطي حضاري، وكان يمكن للبلاد أن تنتقل إلى الديمقراطية الحقيقة في غضون سنة أو أكثر بقليل، لولا أسلوب وضع العصي بالعجلة التي تنتهجه النخبة العلمانية هناك ضد التيار الإسلامي.

وإذا كانت بعض الثورات العربية قد استطاعت أن تقضي على رؤوس الأنظمة الفاسدة، كما حصل في تونس من خلال فرار بن علي من البلاد، فإن ذلك لا يعني أن البلاد قد تطهرت من بقايا رموز الفساد، التي تجذرت في مؤسسات الدولة عبر عقود من الزمان خلت.

ولعل من أخطر المؤسسات التونسية التي لم تطهر بعد، وأشدها تأثيرا على الثورة والثوار في تونس: الإعلام، الذي كان وما يزال بيد فلول النظام القديم، أو بيد بعض العلمانيين المناوئين للفكر الإسلامي بشكل عام. والمتابع للإعلام التونسي بعد نجاح الثورة التونسية المفاجئة للجميع، يمكنه أن يلاحظ في البداية انحناءه مع عاصفة الثورة، وهدوء نسبي خيم عليه بعد ذلك ريثما تنجلي الصورة ويطمئن على بقائه ووجوده، فلما عومل من قبل القيادة الجديدة الإسلامية للبلاد باللطف والإحسان، لا بالتصحيح والتطهير والتغيير، حاول الانقضاض من جديد على التيار الإسلامي الحاكم، مستغلا حادثتي اغتيال كل من العلماني شكري بلعيد واليساري محمد البراهمي، وإلصاق التهمة بالتيار الإسلامي، لوصمه بالعنف والإرهاب، تلك التهمة التي كانت وما زالت حكرا عليه وحده دون سائر الأحزاب والتيارات السياسية التونسية، لتكون ذريعة للإعلام فيما بعد لبث الحقد والكراهية ضد ذلك التيار.

إن المدقق في الخطاب الإعلامي التونسي في الآونة الأخيرة، يمكنه أن يلاحظ بجلاء نبرة الكراهية والحقد ضد التيار الإسلامي، كما يمكنه أن يلاحظ تنامي ظاهرة التحريض عليه أيضا، مما ينذر بفتنة عظيمة قد تنجر إليها البلاد، كما ينذر بانهيار مبدأ التعايش السلمي بين أبناء البلد واللغة والدين والتاريخ الواحد.

ومن الجدير بالذكر أن اتهام الإعلام التونسي ببث الحقد والكراهية، جاء على لسان المجموعة العربية لرصد الإعلام، وهي شبكة مستقلة تضم منظمات من عدة بلدان عربية، وصلت إلى 21 منظمة ذات عضوية من 14 دولة عربية، تعمل على إنجاز أنشطة تخص الإعلام وحرية التعبير وحقوق الإنسان، بالاشتراك مع جمعيتين تونسيتين هما: المجلس الوطني للحريات بتونس و شبكة تحالف من أجل نساء تونس. فقد أصدرت المجموعة منذ أيام تقريرا خطيرا حمل عنوان: (رصد خطابات الحقد والكراهية في الإعلام التونسي)، وقد جاء في مقدمته سعي التقرير للكشف عن أهم المعوقات التي تحول دون تغير طبيعة الإعلام التونسي، وتحوله من إعلام دعائي مرتبط سياسيا لعقود خلت بممارسات إعلامية غير مهنية فرضتها عليه المؤسسات السياسية (ويقصد بذلك فترة حكم بن علي) إلى إعلام مهني تحكمه قواعد المهنة وأخلاقياتها، وتلزمه على احترام مسؤولياته الاجتماعية تجاه الجميع.

ومن المعلوم أن لعملية رصد خطابات الكراهية والحقد في وسائل الإعلام أهمية كبيرة، نظرا لكون الحقد والكراهية لا يمكن أن يبنيان ديمقراطية، بل يشكلان خطرا وتهديدا مباشرا لها، وليست يوغسلافيا وروندا وأفغانستان ولبنان ومالي والنيجر ومصر والجزائر عن ذلك ببعيد. وقد قام التقرير برصد كميات الحقد والكراهية المنشورة في الصحف التونسية أو المبثوثة في إذاعتها وتلفزيونها، وقد شمل التقرير أهم 9 صحف تونسية، أربعة منها يومية وباللغة العربية وهي (المغرب والشروق والتونسية والصريح) ويوميتان باللغة الفرنسية وهما (لابريس ولوطون) وثلاث أسبوعيات هي (المساء والضمير وآخر خبر). وأما المحطات الإذاعية فقد شمل التقرير خمس إذاعات هي (تونس أو الوطنية و موزاييك وأكسبراس وراديو6 وراديوكلمة)، كما شمل التقرير قناة عامة هي: الوطنية1 وثلاث قنوات خاصة هي (حنعبل ونسمة والتونسية)، وقد تم اختيار فترة زمنية واحدة للرصد هي: من الساعة السادسة مساء وحتى منتصف الليل.

وقبل أن نبدأ بذكر نتائج هذا الرصد، لا بد أن نذكر أن معظم وسائل الإعلام إن لم يكن كلها سواء منها الورقية أو الإذاعية أو التلفزيونية، إما عام يعود لمؤسسات الدولة التونسية، والتي كان يرأسها وما يزال فلول النظام السابق، أو خاص يعود لرجال أعمال كانوا وما زالوا امتداد للنظام القديم. ورغم اتهام التقرير طرفي النزاع في العملية السياسية التونسية بالتحريض وبث الكراهية في وسائل الإعلام، إلا أن مرجعية تلك الوسائل الإعلامية العلمانية، إضافة إلى وقائع الحال، تؤكد على مصدر تلك الكراهية.

ومن أهم النتائج التي توصل إليها التقرير:
1- الصحف اليومية: أفرزت النتائج انتشارا لخطاب الكراهية في الصحافة اليومية الصادرة باللغة العربية بنسبة 90,3%، في حين تقاسمت اليوميتان الصادرتان بالفرنسية 9,7% الباقية.
2- شكلت عبارات القذف والشتم أزيد من 72% من نسبة خطابات الكراهية في الصحف اليومية، والأخطر هو كون أكثر من 13% من هذه الخطابات تدعو ضمنيا أو صراحة للعنف.
3- كان أكثر من 58% من المادة الإعلامية التي تضمنت خطابات كراهية في تلك الصحف صلة موضوعية مباشرة أو غير مباشرة بمحوري الأحزاب والدين، 44,78% للأحزاب و13,43% للدين.
4- استهدفت نسبة 38% من خطابات الكراهية في الصحافة اليومية حركة النهضة الإسلامية وحركة نداء تونس والجبهة الشعبية، وقد كانت حصة حركة النهضة الأكبر منها 17,91%.
5- الصحف الأسبوعية لم تكن أحسن حالا من اليومية، فنسبة خطاب الكراهية فيها حوالي 90%، 75% منه يشمل على عبارات سب وقذف وشتم، و19% منه يدعو للعنف والقتل.

6- أما المحطات الإذاعية فقد احتلت مكانة الوصيف بعد التلفزيون في بث خطاب الحقد والكراهية من بين وسائل الإعلام التونسية بنسبة 98%، أكثر من 67% منها قذف وشتم، بينما يدعو 9% منها ضمنيا أو صراحة للعنف.
7- تستهدف 33,96% من خطابات الكراهية في المحطات الإذاعية بالأساس وبالدرجة الأولى كل ما له علاقة بالتيار الإسلامي من حركة النهضة التونسية ورابطة حماية الثورة والسلفيون.
8- أما المحطات التلفزيونية الخاصة فقد احتلت الصدارة في نسبة خطابات الكراهية بنسبة 100%، أكثر من 73% منها قذف وشتم، وأكثر من 9% منها دعوة للعنف والقتل، وتتعلق بمحوري الدين والأحزاب.
9- تبرز مسؤولية السياسيين في إنتاج خطابات الكراهية في المحطات التلفزيونية، فنسبة 59,52% منها من إنتاج السياسيين، وتستهدف 33,33% من هذه الخطابات حركة النهضة الإسلامية، وهي نسبة كبيرة تبين بوضوح معاداة أغلبية القنوات التلفزيونية لحزب الأغلبية في المجلسي التأسيسي.

إن بث وسائل الإعلام التونسية للكراهية والحقد في نفوس أبناء الشعب الواحد مهما اختلفت توجهاتهم السياسية والإيديولوجية بهذا الحجم من الأرقام والنسب الكبيرة، والذي يؤشر إلى تحولها لظاهرة وسياسة حقيقية للإعلام، ينذر بنسف حالة التعايش السلمي بين أهلها، ويهدد بتدمير الديمقراطية المأمولة بعد ثورتها. فهل سيحقق الإعلام هدفه ؟؟ أم إن الشعب التونسي سيكون أوعى من أن تضلله ماكينة الإعلام المسيسة والموجهة ؟؟