شبِّيحة اللّسان

منذ 2013-11-29

إنّ (الشبِّيحة) مفرد (شبِّيح) وهو عبارة عن شخص خارق يستطيع القيام بكل أنواع الجريمة تحت سمع وبصر السلطات الرسمية، دون أن يستطيع أحد مساءَلته عمّا يفعل، وهذا يعني أن الشبّيحة هم من جنس من يُسمَون (البلطجيّة) في مصر و(الزعران) في الأردن..


مصطلح الشبِّيحة من المصطلحات الرائجة هذه الأيام في سوريا، وكثير من الناس لا يعرفون معنى هذه الكلمة، وبتوضيح موجز أقول: إنّ (الشبِّيحة) مفرد (شبِّيح) وهو عبارة عن شخص خارق يستطيع القيام بكل أنواع الجريمة تحت سمع وبصر السلطات الرسمية، دون أن يستطيع أحد مساءَلته عمّا يفعل، وهذا يعني أن الشبّيحة هم من جنس من يُسمَون (البلطجيّة) في مصر و(الزعران) في الأردن.

وظهور الشبِّيحة في سوريا قديمٌ؛ حيث إنه ربما كان في حدود (1975م) بعد دخول القوات السوريّة إلى لبنان بإدارة وهندسة مالك الأسد، وهو ابن الشقيق الأكبر لحافظ الأسد.

الشبِّيح شخص ذو عقلٍ صغير مع ثقافةٍ ضحلة وبنية قوية وجسم رياضي كبير، إلى جانب تمتّعه بتدريب قتالي عالٍ. وكثيراً ما يتمّ اختيار الشبِّيح من بين المجرمين الذين يتم إطلاق سراحَهم بشرط أن يعطوا الولاء المطلق لمن سرَّحهم إلى درجة الموت في سبيل قائدٍ أو زعيم عصابة.

وقادة الشبّيحة هم من المتنفذين من آل الأسد مثل: منذر، وفواز، وهلال، وسومر، وسوار الأسد.

المخيف في الموضوع هو صدور مرسوم رئاسي عام (1969م) يمنع من مقاضاة رجال الأمن أمام القضاء عما يفعلونه أثناء الدوام الرسمي، وهذا يعني أن الشبِّيحة -الذين يُعدَّون اليوم عشرات الألوف- غير مسؤولين عما يفعلون؛ لأنهم يتحرَّكون برفقةِ رجال الأمن، ويقومون بأعمال القتل والترويع والسلب والنهب، مما لا يحدث مثله في أي دولةٍ متمدِّنة في القرن الحادي والعشرين.

موضوع هذا المقال ليس الشبِّيحة؛ ولكن أولئك الذين يُقدِّمون أنفسهم على أنهم خبراء استراتيجيون ومُحلِّلون سياسيون وكُتّاب صحفيون... هؤلاء هم موضوع هذا المقال.

شبِّيحة اللسان والقلم منهم أوروبيين وأمريكيين -خواجات-، من مثل (باتريك سيل) وأشباهه، وجمهورهم من السوريين واللبنانيين.

لدى هؤلاء الشبيحة يقين بأنهم يخوضون معركة إعلامية ضارية من أجل نصرة النظام السوري الظالم، ولهذا فإنهم يستبيحون في سبيل ذلك الكذب والخداع وإخفاء الحقائق والمراوغة.

هؤلاء الشبِّيحة ذو الياقات البيضاء أخطر على الثورة وعلى الشعب السوري من الشبِّيحة الأصليين؛ لأنهم يُغَطُون على جرائمهم، ويُسوِّغون لهم فعل كل الكبائر، كما أنهم ينظِّرون لشرعية النظام وبقائه، ولا يتورّعون عن اتهام الثوار الأحرار بالخيانة والعمالة.

وقد قيل لأحد الطغاة: "كيف تضبط شعبك، وتسيطر عليه؟ قال: بجيشي. قيل له: فإذا عجز الجيش؟ قال: بكُتَّابي!"

شبِّيحة اللسان والقلم لهم أساليب متشابهة في الدفاع عن القتل والتعذيب وانتهاك الحرمات، ومن أساليبهم:

1- تكرار ما يقوله النظام من أجل برمجة المشاهدين والقرّاء عليه، وعلى هذا فالثورة السوريّة عبارة عن مجموعات صغيرة تحتجّ هنا وهناك، ولها مطالب خدمية واقتصادية وكثير منها تمّت تلبيته، والباقي قادم في القريب، وإن من حق الناس التظاهر، والذين يطاردهم الجيش هم عبارة عن عصابات مسلَّحة تُروّع الآمنين، وليسوا من المتظاهرين.

2- استخدام النفي الجازم الذي يوحِي لسامعه بأن المتحدِّث مُطّلع على تفاصيل كل ما يجري، مع أن الواحد منهم موجودٌ في مكان محدّد، وليس لديه بالطبع مراسلين يُخبرونه عما يجري في المدن السورية المختلفة، وهكذا يُردّدون أن في مدينة كذا مسلحين يطلقون النار على الجيش، وفي مدينة كذا محاولة لإقامة إمارة سلفية، وفي مدينة ثالثة حرقاً لمبنى حكومي.

مع أن الدور الرئيس لأمثالهم ينبغي أن يكون هو التحليل السياسي وتقديم حلول لتجاوز الأزمة.

3- حين تُجري إحدى الفضائيات مقابلة مع أحدهم؛ فإنه يتكلم بسرعة، ولا يترك فرصة للمذيع كي يخوض في بعض التفاصيل خشيةً أن يُقدِّم له سؤالاً ليس في أسطوانته المشروخة جواباً له.

4- يُظهِر شبِّيحة اللسان نوعاً من الحماسة الشديدة لما يقولون، وكثيراً ما يخرجون عن حدود اللياقة والأدب مع من يُحاوِرهم، وهذا جزء من استراتيجيتهم في الإقناع وكسب بعض المشاهدين إلى صفهم.

من هؤلاء الشبِّيحة أصحاب لحى وعمائم يُصدِرون الفتاوى، ويُخوِّفون الناس من الفتنة، ويُذكِّرونهم بمحاسن النظام، ويتّهمون المتظاهرين بضعف التّدين، حتى يتوقفوا عن الاحتجاج، ويتراجع الدعم الشعبي للثوار.

حين أستمع إلى شبِّيحة اللسان والقلم، واقرأ لهم أُدرِك الحكمة البالغة في تشديد العقوبة على أولئك الذين لا يهتمون بما يقولون على نحو ما نجده في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرَّجلَ ليتَكَلَّمُ بالكلِمةِ لا يريدُ بِها بأسًا، يَهْوي بِها سَبعينَ خريفًا في النَّارِ» (رواه الإمام أحمد وغيره؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه بطرقٍ عِدة).