لماذا يُضخَّم هؤلاء؟
إنَّما غرضي من هذا أن أبيِّن أن هؤلاء كان الأولى أن يُقْبَر أدبهم بجانبهم، لا أن يُقدَّموا للناشئة على أنَّهم عظماء يُحتذَى بهم؛ فقد كُنَّا في المرحلة الثانويَّة نتأثر كثيرًا للألقاب التي يُطْلِقها الأساتذة عليهم، ولا يَذْكرون لنا ما هم عليه من الانحراف، ولا عن توجُّهاتهم الفكريَّة؛ فهذا من الخيانة العِلْمية.
"طه حسين"، "معروف الرصافي"، "أدونيس"، "توفيق الحكيم"، "خليل مطران"... وآخَرون، أسماء سطعَتْ في عالَم الأدب العربي، فلا يوجد أحدٌ لا يعرفهم في مجال الأدب، خاصَّة وقد عُرِفوا، وتم تَضْخيمهم بألقاب كثيرة؛ مثل: عميد الأدب، أستاذ الجيل، المجدد، وغيرها من الألقاب، وطبعًا هي ألقاب زور، ولا شكَّ!
وفي الوقت نفسه يُغيَّب الكثير من الأدباء أصحاب النَّزعة الدِّينية، الذين وقَفوا سدًّا منيعًا ضد التغريب والسُّفور، والتبعية للغرب الذي نادى به زنادقة الأدب والفكر، الذين حاولوا سَلْخ الأمَّة العربية من هُويَّتها وتوجُّهِها الإسلامي؛ أمثال: البشير الإبراهيمي، والرافعي، وابن باديس، وغيرهم.
قلت: ظهر في تلك الفترة كُتَّاب وأدباء فُرضوا في السَّاحة الأدبية فرضًا، وخاصة في مصر، كيف لا؟ وحاكمهم في ذلك الوقت "محمد علي باشا"، الذي سعى بكلِّ جهده إلى جعل مصر قطعة أوروبيَّة؛ فهو أول من تجرَّأ على استبدال الشريعة بالقوانين الوضعيَّة في مصر حتَّى تفوَّقَت على تركيا في انسلاخها، وصار بذلك مُواليًا للفرنسيين الذين ساعدوه على الانفصال عن الدولة العثمانيَّة؛ من أجل افتراسها، بعد ضعفها، بل الذي لا يعلمه الكثير أنه كان الشخص المقترح لقيادة الحملة الاستعماريَّة على الجزائر، ولكنه خاف من الشعب، ولكن ذلك لم يمنعه من الإسهام بالمؤونة للفرنسيِّين، المهم أنَّه ذهب إلى مزبلة التاريخ، والغرض من ذِكْره أنه هو الذي بعث هؤلاء الأدباء إلى الغرب؛ ليأتوا بأفكار تتناسب مع تطلُّعاته في جَعْل مصر مثل الدُّول الغربية تمامًا، ووفَّر لهم الجرائد والمطابع، وبدؤوا ينفخون بعضهم بالألقاب، حتى طاروا في سماء الأدب بعد أن طَعِموا من فتات أسيادهم حتى التخمة، وقاؤوه في بلدانهم التي كثرت فيها الطعنات في ذلك الوقت، فزادوها وهنًا على وهن، وإن كان الأدباء النَّصارى أشدَّ وطأة منهم؛ مثل: "جبران خليل"، "إيليا أبو ماضي"، "ميخائيل نعيمة".
كما لا يفوتني التنبيه إلى أنَّ معظمهم ثبتت عمالتهم وجاسوسيَّتُهم لصالح الغرب ضد أمَّتِهم؛ مثل "أمين الريحاني" الذي قال عنه أحد الضُّباط الأمريكيين "مايلز كوبلاند": "لولا الريحاني، فلرُبَّما اختلفت خريطة الشرق الأوسط المعاصرة".
وسوف أقف مع القارئ الكريم مع بعض ما سطرته أقلامهم الخبيثة، متضمنًا ذلك في ثلاثة نماذج منهم.
طه حسين:
يطلقون عليه لقب: عميد الأدب العربي!
الذي درس عند الغرب، وعاد مبشِّرًا بأفكارهم العفنة، وألَّف كتابًا نفى فيه أن تكون مصر تابعة للبلدان العربيَّة، بل للدول الأوروبية، والقارئ الكريم يفهم ما يريد بهذا!
وكان ينتمي إلى حزب مُوالٍ للإنجليز؛ أيْ: كان عميلاً، ولم يكن يُحرِّك ساكنًا إزاء المستعمر الإنجليزي.
ذلك الهالك الطاعن في القرآن يقول: ليس القرآن إلاَّ كتابًا ككلِّ الكتب الخاضعة للنَّقد، فيجب أن يجري عليه ما يَجري عليها، والعلم يحتِّم عليكم أن تَصْرفوا النظر نهائيًّا عن قداسته التي تتصوَّرونها، وأن تعتبروه كتابًا عاديًّا، فتقولوا فيه كلمتكم، ويجب أن يختصَّ كلُّ واحد منكم بنقد شيءٍ من هذا الكتاب، ويبيِّن ما يأخذه عليه.
إلى غير ذلك من كفريَّاته وطعوناته في القرآن الكريم، والتشكيك فيه وفي الإسلام عامَّة، فأيّ أدب يقدِّمه أمثال هؤلاء؟! نعوذ بالله من الخذلان.
وأما عن تبعيَّته للغرب، فنتركه يحدثنا قائلاً:
"لقد اعتزَمْنا أمام أوروبا أن نَذْهَب مذهبها في الحُكْم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقَها في التشريع، والتزمنا هذا كلَّه أمام أوروبا، وهل كان إمضاء معاهدة الاستقلال، ومعاهدة إلغاء الامتيازات إلاَّ التزامًا صريحًا قاطعًا أمام العالَمِ المتحضِّر بأننا سنسير سيرة الأوروبيين في الحكم والإدارة والتشريع، فلو هَممنا الآن أن نعود أدراجنا وأن نُحْيي النُّظم العتيقة لما وجدنا إلى ذلك سبيلاً".
ولا يستغرب القارئ من عدم ذِكْر الثورة الجزائرية ومساندتها في أدبه.
محمود درويش:
الشاعر الفلسطيني الشيوعي، أحد أعضاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي راكاح.
لا يخلو أدَبُه من الاستهزاء بالله والأنبياء والدِّين الإسلامي، وتقديس الصليب؛ فمن ذلك قوله:
رَأَيْتُ الأَنْبِيَاءَ يُؤَجِّرُونَ صَلِيبَهُمْ *** وَاسْتَأْجَرَتْنِي آيَةُ الكُرْسِيِّ دَهْرًا
ثُمَّ صِرْتُ بِطَاقَةً لِلتَّهْنِئَاتْ *** يَا أَخْضَرُ لاَ يَقْتَرِب اللهُ كَثِيرًا مِنْ سُؤَالِي
وَلْتُحَاوِلْ أَيُّهَا الأَخْضَرُ أَنْ تَأْتِي مِنَ اليَأْسِ إِلَى اليَأْسِ *** وَحِيدًا يَائِسًا كَالأَنْبِيَاءْ
الْمُغَنِّي عَلَى صَلِيبِ الأَلَمْ *** جُرْحُهُ سَاطِعٌ كَنَجْمْ
ومنها:
أُحِبُّكِ كُونِي صَلِيبِي *** وغير ذلك مما لا يتَّسِع له مقال.
توفيق الحكيم:
الذي تردَّى إلى الهاوية، فألَّف كلامًا خياليًّا يتضمَّن حوارًا مع الله عز وجل تعالى الله عمَّا يقولون عُلوًّا كبيرًا.
ويشكِّك ذلك المتردِّي في عصمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويزعم أن العلماء الكفَّار يَدْخلون الجنَّة، بل هم من أوائل المطبِّلين للاستعمار، فيوم ضَرَبت الدبابات الفرنسيَّةُ سوريا، قال توفيق الحكيم:
لِتَذهبْ دمشق - ومئات مثل دمشق - إلى الهاوية، وتبقى فرنسا!
أما علاقته بالصِّهيونية العالميَّة، فهي مشهورة؛ ففي عام 1947 قام بزيارة تل أبيب، والتقى بفنَّانيها وكُتَّابها، كما عرضوا عليه ترجمة مسرحيته "سليمان" إلى العبريَّة، والذي دفعهم لذلك أن "توفيق الحكيم" استوحاها من التَّوراة حسب زعمه.
وغير ذلك مما يطول بنا المقام لو أتينا عليه، وإنَّما غرضي من هذا أن أبيِّن أن هؤلاء كان الأولى أن يُقْبَر أدبهم بجانبهم، لا أن يُقدَّموا للناشئة على أنَّهم عظماء يُحتذَى بهم؛ فقد كُنَّا في المرحلة الثانويَّة نتأثر كثيرًا للألقاب التي يُطْلِقها الأساتذة عليهم، ولا يَذْكرون لنا ما هم عليه من الانحراف، ولا عن توجُّهاتهم الفكريَّة؛ فهذا من الخيانة العِلْمية، فالأساتذة مستأمَنون على عقول المتعلِّمين، ومن خلال الدراسة أيضًا يمكن أن تستخلص توجُّهات بعض المسؤولين عن وضع المقرَّر الدِّراسي لمادة الأدب العربي.
هذا ما أردتُ توضيحه، ولو أن الموضوع يستحقُّ أكثر من مجرَّد مقالة.
- التصنيف:
- المصدر: