رحماك يا ربنا
رُحْمَاكَ يَا رَبَّنَا قَدْ جُنَّتِ البَقَرُ *** وَقَلَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِالآيِ يَنْزَجِرُ
مَهْمَا النَّوَازِلُ حَلَّتْ قُرْبَ سَاحَتِنَا *** أَوْ بَاغَتَتْنَا عَلَى أَعْتَابِنَا النُّذُرُ
فَنَحْنُ لا نَرْعَوِي وَالكِبْرُ فِي دَمِنَا *** لَسْنَا نُفِيقُ لِمَا يَجْرِي وَنَعْتَبِرُ
انْظُرْ بِعَيْنٍ -أَيَا إِنْسَانُ- مُنْصِفَةٍ *** مَاذَا تَرَى؟ دُلَّنِي بِاللَّهِ مَا الخَبَرُ؟
هَلْ نَحْنُ فِي غَابَةٍ هَاجَتْ كَوَاسِرُهَا *** دَارَتْ رَحَى حَرْبِهَا وَالقَتْلُ يَسْتَعِرُ؟!
هَلْ غَرَّتِ الأَرْضُ أَهْلِيهَا بِزُخْرُفِهَا *** وَازَّيَّنَتْ فَانْتَشَوْا مِنْ خَمْرِهَا سَكِرُوا؟!
لا زِلْتُ فِي حَيْرَةٍ فِيمَنْ إِذَا وُهِبُوا *** بَعْضًا مِنَ البَأْسِ ضَلُّوا هَلْ هُمُ بَشَرُ؟!
مَنْ يَحْسَبُونَ الدُّنَا دَانَتْ لِسَطْوَتِهِمْ *** فَالرَّأْيُ مَا قَدْ رَأَوْا، وَالأَمْرُ مَا أَمَرُوا
فَهَلْ نُدَاوي جُرُوحًا فِي ضَمَائِرِنَا *** نَحْنُ الَّذِينَ حَفَرْنَاهَا أَنَنْتَحِرُ؟!
رُحْمَاكَ يَا رَبَّنَا قَدْ غَصَّ عَالَمُنَا *** بِالظُّلْمِ وَاسْتَحْكَمَتْ فِي أَهْلِهِ التَّتَرُ
فَاقُوا الأَوَائِلَ فِي غَيٍّ وَفِي صَلَفٍ *** وَيَسْتَجِيرُ الوَرَى مِنْ شَرِّ مَا مَكَرُوا
صَاغُوا لَهُمْ هَيْئَةً تَشْتَدُّ قَبْضَتُهَا *** حِينًا، وَحِينًا تُرَى فِي الوَهْنِ تُحْتَضَرُ
شَوْهَاءَ لا قَوْلُهَا مِنْ فِضَّةٍ أَبَدًا *** وَلَيْسَ لِلتِّبْرِ فِي صَمْتٍ لَهَا أَثَرُ
مَهْمَا كَسَوْهَا رِدَاءَ الحُسْنِ وَاكْتَحَلَتْ *** وَمَشَّطُوا شَعْرَهَا فَالوَجْهُ مُعْتَكِرُ
صَارَتْ كَحَبْلٍ وَكَفُّ السِّحْرِ تَجْعَلُهَا *** رَقْطَاءَ تَسْعَى، فَإِذْ بِالرُّعْبِ يَنْتَشِرُ
كُلُّ الخُطُوطِ -رَعَاكَ اللَّهُ- قَدْ جُمِعَتْ *** فَالبَعْضُ مِنْهَا بَدَا وَالبَعْضُ مُسْتَتِرُ
فِي كَفِّ عَاهِرَةٍ تُؤْتَى عَلانِيَةً *** بَاتَتْ بِأَمْرِ زُنَاةِ العَصْرِ تَأْتَمِرُ
قَلَّبْتُ عَيْنَيَّ فِي أَرْجَاءِ أُمَّتِنَا *** فَارْتَدَّ فِي حَسْرَةٍ مِمَّا رَأَى البَصَرُ
البَعْضُ يُذْبَحُ وَالبَاقُونَ شِرْذِمَةٌ *** مَنْ مَاتَ صَمْتًا، وَمَنْ لِلذَّبْحِ مُنْتَظِرُ
لا شَيْءَ أَغْيَظُ مِنْ رَاضٍ بِذِلَّتِهِ *** يُدِينُ مَنْ غَاضِبًا لِلَّهِ يَنْفَجِرُ
رُحْمَاكَ يَا رَبَّنَا سَادَاتُ عَالَمِنَا *** فِي سَاحَةِ العَدْلِ أَصْفَارٌ إِذَا ذُكِرُوا
يُطَفِّفُونَ جِهَارًا دُونَمَا خَجَلٍ *** وَالرَّكْبُ فِي إِثْرِهِمْ وَالدَّرْبُ مُنْحَدِرُ
ذَنْبُ الصِّغَارِ وَمَهْمَا قَلَّ كَارِثَةٌ *** جُرْمُ الكِبَارِ وَمَهْمَا جَلَّ مُغْتَفَرُ
رَمْزُ العَدَالَةِ يَبْكِي مِنْ صَنَائِعِهِمْ *** كَيْفَ الشَّرِيفُ رَفِيعُ القَدْرِ يُحْتَقَرُ
مَا عَادَ لِلحَقِّ فِي مِيزَانِهِمْ ثِقَلٌ *** وَالسَّيْفُ حَدَّاهُ غَمْطُ النَّاسِ وَالبَطَرُ
أَمَّا الَّتي عَصَّبُوا لِلعَدْلِ أَعْيُنَهَا *** فَوَشْوَشُوهَا، وَبَاتَ الظُّلْمُ يُنْتَظَرُ
لَوْ أَنَّ مَدْيَنَ تَدْرِي بَعْضَ مَا فَعَلُوا *** ذَابَتْ حَيَاءً أَقَرَّتْ أَنَّهُمْ فَجَرُوا
الأَرْضُ ضَجَّتْ وَلَوْلا الوَعْدُ لانْفَجَرَتْ *** فَمَا الغَرِيبُ إِذَا مَا جُنَّتِ البَقَرُ؟!
وحيد حامد الدهشان
- التصنيف:
- المصدر: