فخ النووي السعودي

منذ 2013-12-06

إن الفخ النووي السعودي فخ أمريكي بامتياز أتمنى ألا تقع المملكة العربية السعودية شعبًا وحكومة فيه؛ وأن توجه أموالها التي استخلفها الله عليها للبحوث العملية في العلوم الطبية والتقنية بما فيها التقنية العسكرية، تلك البحوث التي تصنع العقول وتكتشف المواهب الكامنة في ربوع الأمة الإسلامية، والتي يسخرها الله سبحانه وتعالى كي تبني الأمة وتوفر غذائها ودوائها وسلاحها.

 

منذ إعلان التقارب الأمريكي مع إيران فيما يتعلق بالملف النووي ولم تتوقف التحليلات السياسية عن أسرار هذا التقارب، وأسبابه وتداعياته على المنطقة العربية، فمن ذاهب إلى تبدل الإستراتيجيات وتبادل الأدوار مع روسيا في المنطقة، والدور الرئيسي لنمو الصين في هذا التحول الدولي. وآخر يرى أن هذا في الأساس هو الموقف الحقيقي لأمريكا والغرب، وأن كل ما حدث هو خروج المواقف الخفية إلى العلانية. وثالث يرى أن الجامع المشترك بين كل الأطراف هي كلمة سحرية ذات بريق وسيطرة، تتحكم في غالبية المسارات الدولية تنطلق منها وتعود إليها ألا وهي كلمة اليهود.

جميعها تحليلات ذات اعتبار ووجاهة وشواهد، وفي ضوئها خرجت الأصوات منادية ومستغيثة؛ ماذا نحن فاعلون حيال هذا التقارب الغربي الإيراني النووي؟

وقد لاحظت في الأيام الأخيرة الدندنة بقوة على مسألة ضرورة التسليح النووي الخليجي، وبخاصة المشروع النووي السعودي. وخرجت بالفعل تقارير غربية عدة تدفع باتجاه أن رد الفعل السعودي على الصفقة الأمريكية الإيرانية سيكون متمثلًا في المشروع النووي السعودي. لا بأس لأي دولة أن تسلح نفسها بما يحقق لها الردع العسكري والحفاظ على أمنها القومي؛ فهذا من القواعد البدهية في العلاقات الدولية؛ لكن إذا كان الأمر لا يخرج عن كونه (فخ) يراد به استنزاف الأموال العربية، وضمان ديمومة التبعية الاستهلاكية للغرب، والقضاء على البقية الباقية من الأموال النفطية فينبغي حينها أن تكون لنا وقفة.

ففي تصوري أنه في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها الأمريكان، وفي أعقاب موقف الكونجرس الأمريكي الأخير الذي كاد أن يعصف بأوباما، ويحدث أزمة جديدة لأمريكا وخزانتها أشد وطأة من أزمتها المالية السابقة؛ أرى أنه قد تفتق ذهن الأمريكان إلى إيقاظ الفزاعة النووية الإيرانية، ودفع المملكة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الاستثمار في التسليح النووي؛ ومن ثم دفع الفاتورة الباهظة للردع النووي الخليجي الجديد، ومن غير المستبعد أن تشهد الأيام القادمة تصاعد وتيرة ضرورة تسليح المملكة نوويًا، ولا نستبعد أيضًا من يخرج علينا بدراسات جدوى لتكلفة التسليح النووي، وأنسب الدول التي يمكن الاعتماد عليها والمفاضلة بين أجودها وأقلها تكلفة و(عمولة).

هناك جملة من التساؤلات الفنية التي تطرح نفسها في ظل الإرث التاريخي للعلاقات مع أوروبا وأمريكا ومن خلفهم بني صهيون وأذنابهم؛ المتمثلة في الآتي؛ هل الرغبة في دخول النادي النووي يكون بين عشية وضحاها؟ وهل الإشكالية في التسليح النووي هي في فاتورة التسليح فقط؟ وهل من المعقول فنيًا أن سلم التسليح النووي يبدأ من حيث انتهى أعضاء النادي النووي وهو امتلاك القنبلة النووية؟ أعلم أن القضية شائكة جدًا، وتناولها الإستراتيجي له مواقعه الخاصة. لكن الأمر الآن لا يخرج برمته عن دائرة الإعذار أمام الله سبحانه وتعالى في أموال المسلمين؛ وهذا راجع لعدة أمور:

1. إن سلوك الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مع خيرات المسلمين منذ الحادي عشر من سبتمبر هو سلوك المتربص بالثروات الإسلامية؛ فالمراجع لكافة التدابير التي أصدرتها دول العالم الغربي خاصة، في أعقاب تلك الحادثة يجدها تسير وفق منطق التجميد والمصادرة؛ كما يجد أنها هدفت إلى التضييق على العمل الخيري الإسلامي، وبخاصة الخليجي والذي كان غاية في النشاط والتأثير قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ ولنا أن نتساءل؛ ألم تستخدم تلك التدابير الدولية في تجميد ومصادرة أموال العديد من المؤسسات الخيرية؟ ألم تستخدم أيضًا في مصادرة أموال بعض الدول ورؤسائها كما حدث في الحالة العراقية والليبية على وجه الخصوص؟ فمن يضمن لنا ألا يكون ذات المنطق الافتراسي هو المحرك للفخ النووي السعودي؟

2. تذكرت وأنا أكتب هذا المقال ما ذكره (جون بركنز) في كتابه (الاغتيال الاقتصادي للأمم) عن مهمته الرئيسية في الحالة السعودية والتي تمثلت في التفكير الإستراتيجي لاستحداث مشروعات استثمارية بالمملكة تستنزف الأموال النفطية لصالح الشركات الأمريكية، حتى ولو لم تكن تلك المشروعات على سلم الأولويات التنموية للمملكة العربية السعودية. وفي ضوء ذلك من يضمن لنا ألا يكون دفع الخليج والمملكة باتجاه الملف النووي نابع من ذات العقلية الإستراتيجية وتلامذته، ويسير على ذات الفلسفة اللصوصية التي استحدثت في أعقاب الطفرة النفطية الخليجية؟

3. هناك مجموعة من الأسئلة المباشرة المصاحبة لهذا الدفع النووي الأممي والتي يمكن حصرها في الآتي: من هي المكاتب الاستشارية التي ستخطط للمشروع النووي السعودي، وتكلفتها؟ من سيبني القواعد النووية ذات المواصفات الدقيقة؛ وما هي كلفتها؟ من هم العلماء الذين سيباشرون العمل في المحطات النووية السعودية، ومن سيحدد: هويتهم، تبعيتهم، كفاءتهم، أعدادهم، ورواتبهم؟ من هي الشركات الدولية التي ستتولى تأمين المحطات النووية؛ وكلفتها؟ من سيتولى إنشاء والإشراف على أقسام ومعاهد علمية جديدة لدراسة العلوم النووية بالجامعات السعودية؛ وما تكلفة ذلك؟ من هي الشركات البيئية التي ستوفر الحماية التقنية الضامنة لعدم التسرب النووي وتصدع المحطات وضمان عدم تعرضها للكوارث والسيول وتداعياتها المحزنة بالملكة كل عام؟ وفي النهاية من هي شركات السلاح الدولية المستفيدة من دورة المشروع النووي السعودي؟

وجميعها تساؤلات كما نلاحظ تدور حول التكلفة والفنيات، أما الأولى فمتوفرة، وأما الثانية فـ 95% بالمائة منها تدور في الفلك الأمريكي، ولا نلتفت لمن يقول إن القوم سيذهبون إلى السوق النووي في باكستان ويشترون من هناك قنبلة نووية ويعودون بها في حافظة نووية؛ فهذا الكلام لا قيمة له في العلوم العسكرية؛ والعلاقات الدولية.

4. من يضمن لنا بعد أن تقع المملكة في الفخ النووي وتنفق مئات المليارات من الدولارات بل إن شئت فقل التريليونات، من يضمن ألا يحدث مع المملكة مثل ما حدث مع كيماوي صدام بالعراق، ونووي القذافي بليبيا؟ ألم ينته المشروع الليبي وتم تفكيك المفاعل النووي الفرنسي في لحظة واحدة بعدما أنفق عليه مليارات الدولارات؟ من يستطيع حينها أن يوفر الحماية لتريليونات الدولارات العربية الموضوعة في البنوك الأمريكية والمرفوع عنها في الأساس غطاء الوصاية والحماية العربية؟ بل من يستطيع حينها توفير الحماية اللوجستية للأراضي الخليجية؟ ومقتل مئات آلاف المسلمين؟ ألم يقتل مئات الألوف بالعراق منذ الاحتلال الأمريكي حتى الآن؟

إن أمر التسليح النووي الإيراني لم يزد كثيرًا بعلانية الموقف الأمريكي فهو فزاعة مستنزفة للمال النفطي منذ اليوم الأول، ومواجهتها ومواجهة المشروع الفارسي عقديًا ولوجستيًا ينبغي أن يكون وفق إستراتيجية محددة منذ زمن بعيد، أو معدة من الآن بحرفية عالية؛ وليست فجائية مبنية على تبدل مواقف من كانوا يصورون أنفسهم أنهم حلفاء للسنة العرب في المنطقة، في مواجهة المشروع الشيعي وبخاصة الفارسي.

إن الفخ النووي السعودي فخ أمريكي بامتياز أتمنى ألا تقع المملكة العربية السعودية شعبًا وحكومة فيه؛ وأن توجه أموالها التي استخلفها الله عليها للبحوث العملية في العلوم الطبية والتقنية بما فيها التقنية العسكرية، تلك البحوث التي تصنع العقول وتكتشف المواهب الكامنة في ربوع الأمة الإسلامية، والتي يسخرها الله سبحانه وتعالى كي تبني الأمة وتوفر غذائها ودوائها وسلاحها ويتحق حينها عمليًا وفعليًا مراد الله سبحانه وتعالى من الآية الكريمة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].