رسالة أخوية ناصحة وهادئة إلى شباب حزب النور
أكتب إليك هذه الكلمات قِياماً بواجب الأخوة، وإبراءً للذمة، وامتثالاً للأمر النبوي بالنصح لكل مسلم، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ولن أُساير التيار السائد، وأفعل مثلما يفعل الكثيرون الآن من الإغراق في السب والشتم؛ بل سوف ألتزم لين الكلام، والأسلوب الهادئ، والبُعد عن التخوين والاتهام بالعمالة، لاعتقادي أن ذلك كله بالنسبة لك لن يجدي نفعاً، ولن يُغيِّر من قناعتك، بل ربما يدفعك لرد الكلام جملة، والانصراف عنه بالكلية
أخي من حزب النور:
أكتب إليك هذه الكلمات قِياماً بواجب الأخوة، وإبراءً للذمة، وامتثالاً للأمر النبوي بالنصح لكل مسلم، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ولن أُساير التيار السائد، وأفعل مثلما يفعل الكثيرون الآن من الإغراق في السب والشتم؛ بل سوف ألتزم لين الكلام، والأسلوب الهادئ، والبُعد عن التخوين والاتهام بالعمالة، لاعتقادي أن ذلك كله بالنسبة لك لن يجدي نفعاً، ولن يُغيِّر من قناعتك، بل ربما يدفعك لرد الكلام جملة، والانصراف عنه بالكلية.
كما أن ذلك لا يعنيني الآن؛ فأنا لا أُخاطِب القيادات التي قرّرتْ وشاركتْ، وإنما أُخاطِبك أنت أخي في الدين والعقيدة، ممن أظن فيه الغيرة على الشرع، والحرص على نصرة الإسلام والمسلمين.
أولاً:
أود أن أُخبِرك أن كاتب هذه السطور ليس من الإخوان ولا من غيرها من الجماعات أو الأحزاب، لكنه مسلم مستقل، ليس بينه وبين حزب النور عداوة قديمةٌ ولا ثأر شخصي، ولا يريد هدم الدعوة ولا القضاء على الحزب وإنما هو أخ لك محب، وعليك مشفق، وقد قدَّمت بهذا الكلام حتى لا تظن بي ظن السوء، وحتى لا تنصرِف عن قراءة تلك الرسالة الموجهة لك وحدك، دون غيرك من فصائل الإسلاميين.
ثانياً:
أُناشِدك الله أن تسأل نفسك بتجرد وموضوعية:
هل أنت مقتنع فعلاً أن هذا الدستور نصرَ الشريعة وقدَّم لها تفسيراً محكماً منضبطاً؟
وهل نسيت ما قيل مِراراً عن علمانية المحكمة الدستورية العليا، وأن المادة (219) خط أحمر؟
وأي فرق بين ما كان قديماً في دستور (71)، وما سيكون الآن؟
وهل تظن أن الكنيسة وتمرُّد وجبهة الإنقاذ والناصريين وغلاة العلمانيين من الغباء والسذاجة بحيث يوافقون على مادة تحكم الشرع فعلاً؟
ثم هل تثق بتفسير قضاة المحكمة الدستورية -وقد انقلبوا أصلاً على الدستور كله- ورضي رئيس تلك المحكمة بتعطيل الدستور الذي كان منوطاً برعايته وتفسيره؟
ثم إن هناك أكثر من حكم متضارب للدستورية وسيظل لها وحدها مطلق الحكم في التفسير والفهم وأحكامها في النهاية غير قابلة للنقض ولا الاستئناف.
ثالثاً:
سأُسلِّم معك جدلاً أن المادة الثانية جاءت على أحسن ما يكون، فماذا عن بقية المواد؟ وأنت حينما تقول نعم للدستور فسوف توافق عليه كله بجميع مواده، ولن يُتاح لك أن توافق على مادة وترفض أخرى، والدستور كله وِحدة واحدة لا تتجزأ.
ولست أدري كيف يمكنك أن تقابل ربّ العالمين وقد وافقت على مواد مثل: "مادة الإرهاب"؟
وأنا وأنت والدنيا كلها نعلم من سيطبق عليهم هذا القانون، وكم مسجداً سيُغلَق وكم شيخاً وأخاً سيُعتَقل بحجةِ مقاومة الإرهاب بتلك الصيغة المطاطة.
وكيف ستقابل ربك وقد وافقت على مادة المحاكم العسكرية والتي من الممكن أن يحاكم بسببها مسلم لأنه تشاجر مع ضابط، أو اختلف مع عامل في محطة بنزين تابعة للجيش؟
وماذا عن مادة "أن حرية الاعتقاد مطلقة"؟
وما موقفك حينما يُروَّج تحت غطائها للتنصير أو الضلال أو الإلحاد أو التشيع؟
وماذا عن مادة "تمييز النصارى والنساء"، ومادة "بناء الكنائس"، وماذا عن تحصين وزير الدفاع؟
ثم ماذا عن مادة "السيادة للشعب" وكلنا نعلم أن السيادة المطلقة لله ولأحكام شريعته؟
رابعاً:
أخي الحبيب تذكَّر قول الله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17]، وقوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمْ النَّار} [هود من الآية:113]، وسل نفسك وأنت ذاهب لتقول "نعم":
يا ترى من سيقول معك نفس الرأي؟
ومن سيخرج هذا اليوم ليشاركك في الموافقة؟
وللأسف لن تجد إلا النصارى والفلول والمفسدين والفنانين والراقصات والإعلاميين والعلمانيين وكارهي الدين والمغيبين من عوام المسلمين، فهل ترضى أن تكون لهم شريكاً وموافقاً، ومكثِّراً لسوادهم؟ وتذكر أن الطيور على أشكالها تقع، وقل لي من يُصفِّق لك أقلْ لك من أنت.
خامساً:
ربما تقول لي: "إنما شاركنا في المشهد برمته وفي لجنة الخمسين تقليلاً للمفاسد، وتحقيقاً لما يمكن تحقيقه من المصالح في حدود الممكن والمتاح، وأن الإخوان -بتصرفاتهم- هم من أوصلونا لهذا الواقع السيء". ومع أني أختلف معك في كثير من جوانب هذا التأصيل، لكني دعني أقول لك إن تقليل الفساد باب، وإقراره والموافقة عليه ودعوة الناس لذلك باب آخر مختلف تماماً. ولو أنك مثلاً رأيت رجلاً يريد قتل مائة رجل من المسلمين ففاوضته واتفقت معه بعد طول جدال على أن يقتل واحداً فقط، فذاك أمر طيب، لكن لا يجوز لك شرعاً أن تقول له أنا موافق على قتل واحد، وتدعو الناس لذلك، فالقتل لواحد وإن كان أقل بكثير في السوء من القتل لمائة إلا أنه ظلم ومعصية، يحرُم على مسلم الموافقة عليها فضلاً عن المشاركة فيها وتجويزها ودعوة الناس لها.
سادساً:
بغض النظر عن كل ما تقدَّم؛ فتعال أناقشك واقعياً وسياسياً: فأنت شاركت في لجنة الخمسين لتَحَقُّقِ مصالحٍ ما -وتدعي أنك حققتها- لكنك مُقِرٌّ باشتمال الدستور على ما لا يقبل. إذن ما وجه تصويتك بنعم؟ والدستور سيُمرَّر بك أو بغيرك، ومعارضوه أصلاً سيمتنعون عن التصويت وأنت من سيبوء بالإثم عند الله فما وجه قولك بنعم؟
سابعاً:
ربما تقول لي لو رفض هذا الدستور ستدخل البلد في فوضى أو ربما تُشكَّل لجنة أسوأ حالاً من هذه. وأنا أقول لك يا أخي وأي فوضى أشد مما نحن فيه؟
ومن أفسد شيئاً فعليه إصلاحه، وهم من أفسدوا ولسنا نحن. ثم إنني لا أظن أن هناك لجنة ستكون أسوأ من تلك اللجنة برئيسها وجل أعضائها. والمادة الثانية التي تخاف عليها بصياغتها الحالية ليست محل خلاف أصلاً حتى من النصارى والعلمانيين.
ثم هل تُبنى الأحكام على الظنون والتوقعات فحسب؟
ولماذا لا تُقدِّر العكس وأن خسارتهم لمعركة الدستور سيكون بداية لتصحيح الأوضاع وذهاب دولة الظلم والطغيان؟
ثامناً:
هَبْ أن مسألة التصويت كلها محل خلاف وشبهة، فأي القولين أحوط: أن تقاطع فتنجو من الإثم -والدستور سيمرّ سيمرّ بك أو بغيرك- وما تريده من مصلحة مدعاة سيتحقق، أم تقول نعم فتكون مُشارِكاً في الإثم والمنكر؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «البخاري).
تاسعاً: » (رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح")، و: « » (رواه
وأخيراً؛ إذا قلت لي إن جميع ما تقدّم من وجوهٍ مقبولٍ ومعقول، لكني ملتزم بقرار الدعوة والحزب، فهم أعلم مني وأدرى بالدين والمصلحة. فأقول لك، إذن لست من السلفية في شيء، بل أنت مقلِّدٌ أعمى ومتعصِّب أحمق، ولا فرق بينك وبين أصحاب الطرق الصوفية، ومتعصبة المذهب وأتباع كل فِرقة مثل الشيعة وغيرهم، فكلهم يثق في علمائه وقادته، وليس هذا بعذر عند الله، وكم أخاف عليك يوم القيامة أن تقول: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب من الآية:67].
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: