يوم من أحداث فلسطين

منذ 2013-12-10

نتمنَّاها، لكنها كانتْ يومًا لنا وضاعت؛ أهديكم قصَّة تصف بمعانٍ عن حال هذا الزمن: رفعَتْ تلك الفتاة رأسها لتنظر إلى السماء الملبَّدة، ولقطراتها التي تُشاركها البكاء، وتَمتزج مع دموعها؛ لتخفي لها أثر معاناتها، تلك الفتاة كان لها يومًا قصة حياة، الآن لَم يتبقَّ سوى ملابس رثَّة، ودموع لا حول لها ولا قوة، واستِنجادات صامتة.


نتمنَّاها، لكنها كانتْ يومًا لنا وضاعت؛ أهديكم قصَّة تصف بمعانٍ عن حال هذا الزمن: رفعَتْ تلك الفتاة رأسها لتنظر إلى السماء الملبَّدة، ولقطراتها التي تُشاركها البكاء، وتَمتزج مع دموعها؛ لتخفي لها أثر معاناتها، تلك الفتاة كان لها يومًا قصة حياة، الآن لَم يتبقَّ سوى ملابس رثَّة، ودموع لا حول لها ولا قوة، واستِنجادات صامتة.

بدأت القصة؛ سُمِع في كبد الليل دويُّ القنابل، وصراخٌ بِمُختلف الأصوات؛ لِتُحسَّ بنفسها تُسحب فجأة بين أحضان والدتِها التي كان الفزع والهلع بادِيَيْن على ملامحِها، وأخذَتْ تركض بابنتها الصغيرة؛ بحثًا عن ملجأ ينجيهم لهذه الليلة، كما كل يوم أخذت تجول تلك الصغيرة بأنظارها؛ لتشهد على مجزرة فوق أرضٍ طالَما أحبَّتْها، لم تستطع تحمُّل ذلك المنظر، لتجهش من البكاء وهي تَتْبع والدتها التي فقدت زوجها حديثًا في قصف جوِّي على حدود هذه الأراضي.

سمعت تلك الفتاة صوتًا، فصمتَتْ، وأرهفت السَّمع على استنجادات رجلٍ عجوز؛ لتصرخ الفتاة: "أماه، أُمَّاه أسمع رجلاً عجوزًا يستنجد!".

توقَّفت الأم وهي تسألها في عجلة: أين؟

الفتاة: وراء ذلك المنعطف.

أسرعت الأمُّ، حامِلةً فوق ذراعيها صغيرتها لذلك المنعطف؛ لكنها سرعان ما تراجعَت -خوفًا من دويِّ قنبلة بذلك الموقع- لتنظر إلى ابنتها الفزعة، وترمقها بحسرةٍ، وتُكمِل ركْضَها، وأخيرًا وجدَا ملجأً بعد ما لاقيا ما لاقياه، دخلَتاه ليقابلا أُناسًا كثيرين؛ صغارًا، كبارًا، رجالاً، نساءً... وكلهم ينتظرون نهاية كابوسهم؛ عسى أن ينتهي خيرًا، وهم يدرون أنَّ الملاجئ غير مضمونة تمامًا.

صوت رجل دوَّى وسط الرعب صارخًا: "بدأَت النار في التسلُّل، أبطئوا سرعتها، أسرعوا".

مسحت الأمُّ بكفِّها على شعر ابنتها وهي تحسُّ بالتعب الشديد، وقفَتْ بصعوبة شديدة لترمقها ابنتُها باستفهام، وتجيب والدتها قائلةً: "عزيزتي، هذا الملجأ لن يدوم، سنَبحث عن آخَر".

غطَّت الأمُّ ابنتها بغطاء بلَّلتْه بالماء، وحملتها وهي تخفض رأسها، محتميةً من النار، وحاميةً لابنتها الوحيدة، وهما تبحثان إذْ تسقط خشبة محترِقة من نافذة منكسِرة، سقطت من مدرستها لِتَصدم بوالدتها التي سرعان ما أحسَّت بسقوطها حتَّى أبعدَت ابنتها عندها بسرعة، وتسقط هي أرضًا في إغماءةٍ بسيطة، وابنتُها تناديها صارخة بها! لكن من أين لها أن تسمع صوت ابنتها الصَّغيرة في وسط الصرخات الأخرى!

بعد فترة قصيرة، تهلَّل وجه الفتاة وهي ترى والدتها تستجيب لنداءاتها، وتفتح عينيها، لكن لسوءِ الحظِّ كانت النار قد التفَّت بهم، اتَّسعت عينا الأمِّ من وجودِ ابنتها بجانبها، وقالت بألَم: "لِم بقيتِ هنا؟ اذهبي".

هزَّت الصغيرة رأسها ببراءةٍ، ودموعها تُبلِّل خدَّها من الحال التي هُم فيها، نظرت الأمُّ إلى قدَميها وذراعها، لقد تأذَّت من النار، وسقوطها، اعتصر الألَمُ قلبَها لحال ابنتها من بعدها، وتشوَّشت أفكارها وهي تشهد على هُطول زخَّات المطر التي شاركَتْ صغيرتها في دموعها، وعسى ألا تتعذَّب لدموع ابنتها.


وتَمنَّت أن تغسل الأمطارُ الدِّماء عن أرضها، ورفعت يدها صامتةً، تتضرَّع إلى ربِّها، وهمساتها لا تكاد تُسمَع وسط فوضى الظُّلم وآهات الآلام، وصرخات الاستنجاد، بينما هي تصرخ بِصَمْتها، راجعةً إلى سنَدِها؛ إلى ربِّها الَّذي لن ينسى عبده، بينما النِّيران تتدافع إلى جسدها كوحش ضارٍ، وهي تتلقَّاها حاميةً ابنتها بجسدها بكلِّ صبرٍ مِمَّا مدَّها الله من قوَّة.


وفاء كحيل