التأويل بنكهةٍ سلفية!
مثل الموقف من التأويل واحداً من أبرز معالِم المنهج السلفي، وأصلاً رئيسياً يُميِّزه عن المناهج الأخرى: الكلامية والفلسفية والصوفية، ولعلماء المدرسة السلفية قديماً وحديثاً كتابات يصعب حصرها في مهاجمة التأويل غير المنضبط، وذم أصحابه، وبيان خطأهم في تحرير مفهومه، والخلل في تطبيقه، وبيان الآثار المترتبة على التّوسع فيه حتى إن ابن القيم عدَّه واحداً من الطواغيت وأصلاً لكل فساد حدث في المِلة، ويكاد الموقف من التأويل توسُّعاً أو تضييقاً وضبطاً يُمثِّل أحد الفِرق المميزة بين السلفي وغير السلفي.
مثل الموقف من التأويل واحداً من أبرز معالِم المنهج السلفي، وأصلاً رئيسياً يُميِّزه عن المناهج الأخرى: الكلامية والفلسفية والصوفية، ولعلماء المدرسة السلفية قديماً وحديثاً كتابات يصعب حصرها في مهاجمة التأويل غير المنضبط، وذم أصحابه، وبيان خطأهم في تحرير مفهومه، والخلل في تطبيقه، وبيان الآثار المترتبة على التّوسع فيه حتى إن ابن القيم عدَّه واحداً من الطواغيت وأصلاً لكل فساد حدث في المِلة، ويكاد الموقف من التأويل توسُّعاً أو تضييقاً وضبطاً يُمثِّل أحد الفِرق المميزة بين السلفي وغير السلفي.
وأظن أن ما سبق كله معروفٌ ومشهورٌ ومستقر؛ لكن كما يُقال: "عش رجباً تزدد عجباً"، و"الليالى حبالى يَلدن كل غريب"، وقد صُدِمتُ والله وأنا أقرأ اليوم تبريراً سخيفاً ومتكلِّفاً يتكلم فيه أحد قادة حزب النور عن الدستور الجديد وأنه لا يُخالِف الشريعة ويقول بالحرف الواحد: "إن قضية وجود عبارات وألفاظ تُخالِف الشريعة في الدستور، والتي يتعلَّل بها البعض لرفض المشروع، نحو نصوص مثل "مصر هبة النيل"، ومادة "السيادة للشعب وحده"، ومادة "قبل أن تعرِف الأرض الأديان السماوية الثلاثة"، و"بلغت الإنسانية رشدها"؛ أمر غير صحيح، مؤكِّداً أنها عبارات تحتمل التأويل، ولا يلزم حملها على ما يُخالِف الشريعة، فهذه المواد مع المادة الثانية يلزم حملها على ما لا يُخالِف الشريعة، وأن نص "مصر هبة النيل" هو لفظ مجازي يوضِّح أثر النيل في نشأة الحضارة المصرية، وبناء الدولة على ضفافه وبمائه"!
وياللهول أي سلفية هذه؟!
وأي تأويلات متكلفة تلك؟
وأي فرقٍ بين أصحابها، وبين المعتزلة الذين أوَّلوا نصوص الصفات بحجةِ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى من الآية:11].
وأما هؤلاء فقد أَوّلُوا كل مخالفات الدستور بنص المادة الثانية؛ حيث جعلوها مُحكماً وكل ما سواها متشابه، ورحمة الله على ابن القيم الذي لو كان موجوداً الآن فربما ألَّف "اجتماع الجيوش الإسلامية لغزو الجهمية السياسية".
وهل كل ما يَحتمل التأويل نُمرِّره ونقبله وندعو الناس لقبوله، مع أنه قلَّما تجد لدى الفِرَق مخالفات لا تحتمل التأويل، بل إن شطحات الصوفية وتمييعات المرجئة وغلو الخوارج وعقلانيات المعتزلة كل ذلك له وجه من التأويل ولو بتكلفٍ وتعسُّفٍ لا يقل عن هذا التكلُّف.
وأخيراً؛ فيا قوم افعلوا ما شئتم، وتبنَّوا أي خيارات أردتم، ولكن لي رجاءٌ واحد: أن تتركوا لنا صفحة السلفية نقيةً صافيةً ولا تُلوِّثوها بمواقفٍ سياسيةٍ متقلبةٍ، وتبريراتٍ متعسِّفة متكلِّفة.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: