فكر انشطاري بطبعه!
ذُهِلتُ والله وأنا أسمع مقطعاً صادِماً ومُقزِّزاً للشيخ محمد سعيد رسلان من على المنبر يوم الجمعة يصف أحد مخالفيه بأنه: "مازال يهذي بما تتنابح به جرّاء الحدادية من حوله يلتهم رجيعهم القديم ليقيئه من فمه غائطاً يزكم الأنوف نِتنه ويؤذي الشرفاء عهره".
ذُهِلتُ والله وأنا أسمع مقطعاً صادِماً ومُقزِّزاً للشيخ محمد سعيد رسلان من على المنبر يوم الجمعة يصف أحد مخالفيه بأنه: "مازال يهذي بما تتنابح به جرّاء الحدادية من حوله يلتهم رجيعهم القديم ليقيئه من فمه غائطاً يزكم الأنوف نِتنه ويؤذي الشرفاء عهره".
والمفزع حقاً هو هذا التردي والانحدار في الأسلوب والتعامل مع المخالف، وأثر ذلك كله تربوياً ونفسياً على شباب تتبِع الشيخ وتقتدي به حينما تسمع هذه الشتائم البشعة تصدر منه وهو على المنبر، وكيف تتشكَّل عقولهم بعد ذلك، وكيف يتعاملون مع مخالفيهم.
وما أبأس أولئك الذي يؤصلون فِكراً ويؤسسون أصولاً يكونون هم أول من يكتوون بنارها، ويصيبهم أذاها وأضرارها، وبعد فترة من تطبيق أفكارهم على من خالفهم في الرأي والمسلك، تبدأ الدائرة تدور عليهم ويذوقون من نفس الكأس التي طالما أذاقوها الآخرين.
وفي التاريخ القديم نماذج عدة لهذه الظاهرة، أما حديثاً فلم أرَ تمثلاً ظاهراً لها؛ أوضح وأجلى من تلك المدرسة العلمية -والمسماة عند خصومها بالجامية أو المدخلية- و التي شاد أصولها الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله ثم زادها تنظيراً ونشراً ودعوة الدكتور ربيع بن هادي المدخلي وقد انتقلت من بلاد الحرمين إلى أماكن شتى في العالم وكان لمصر منها نصيب غير منقوص، وأبرز ما عُرِفَت به تلك المدرسة هو قضية الولع بتجريح المخالفين، وتتبُّع أخطائهم، وتصنيفهم بتصنيفات جديدة قُرباً وبُعداً مما يرونه هم السنة والسلفية الحقة، فذاك خارجي، وهذا قطبي، وهذا مبتدِع جلد، وهذا حزبي ظاهر أو مستتر، وهذا خارجي قاعدي، إلى آخر تلك القائمة الطويلة التي قلَّما سَلِمَ منها أحد إلا قلة قليلة في كل بلد سرعان ما يحدث لهم أمر عجيب وهو كثرة الانشقاقات والتحولات وحالة التشظي الغريبة، والتضارب الشديد في الأحكام.
فبعد أن يتوالى الثناء والمدح على شخص ما، ويوصف بأنه على المنهج السديد، والجادة السلفية، وزكاه فلان وعدله علان، وأثنى عليه الإمام فلان، ومدحه العلامة ترتان، إذا بذلك كله ينسخ ويتحوَّل الرجل إلى مبتدعٍ ضالّ يجب اجتنابه والتحذير منه، وكل ذلك بسبب زلة أو هفوة، أو خطأ وقع فيه تجاه مسألة ما أو لخصومة وقعت بينه وبين قادة المدرسة الكبار.
وفي مصر الآن -ورغم كل ما يجري بها من مِحنٍ ومصائب- تدور رحى معركة غريبة مضحكة مبكية، ومؤسفة مؤلمة، بين رجلين من رجال تلك المدرسة وهما الشيخ محمد سعيد رسلان والشيخ هشام البيلي.
ومع أن الرجلين كانا -في الجملة- متفقين في المنهج والمشرب، وبينهما ثناء متبادل، ولهما جهود حثيثة في تبديع الإخوان، وسلفي حزب النور، والمشتغلين بالعمل السياسي، وكل من انتقد الحُكَّام، أو عارض الإمام، أو هيَّج العوام، إلا أن نيران الخلاف قد شبَّت بينهما وقلب كل واحد لصاحبه ظهر المجن، وبدأت سلسلة من الانتقادات والشتائم المتجاوزة لكل حد متخيل.
ونتيجة طبيعية لأصول هذه المدرسة؛ فقد صار كل واحد منهما خطراً كبيراً على الأمةِ وداهيةٍ عمياء لابد من التحذير منها وتخصيص خطب ودروس لها، ومن ثم خصص الشيخ البيلي دروساً للرد على الشيخ رسلان بعناوين مثل البيان الواضح على كذب رسلان الفاضح، والكواشف الجلية ببيان سرقات رسلان وولده العلمية.
أما الشيخ رسلان صاحب الفصاحة واللسان الذلق فقد سلق البيلي بألسنةٍ حداد، وسبَّه بأقذع الذم وأشنعه ووصفه بأنه "جرو تكفيري خارجي مبتدع" و"هبلة ومسكوها طبلة" وأنه شيخ الحدادية المصرية الخارجية المعثر، قائد كتائب التحريض على الجيش المصري.
فاللهم الطف بنا، وزكِّ نفوسنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: