خطبة دماج
لا يخفى على كل مطلع على مسار الحركة الحوثية فكرياً وعسكرياً ودولياً مدى خطر هذه الحركة المشبوهة التي ظهرت في غفلة التجاذب السياسي في اليمن لتخلق كيان عسكري قوي وتفرضه بقوة الرصاص، وتواطأ أطراف اللعبة، وفي كل يوم تتفتح شهية الحوثيين للانقضاض على اليمن الشمالي وفي نية للوصول إلى الجنوبي وهي امتداد للمشروع الإيراني الذي كان أحد أسباب نتائج هذه الشرذمة التي اتخذت الجبال متارساً لها والرصاص والقناصة لغة للحوار معها.
الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.
أمَّا بعدُ:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومراقبته، وخشيته في السر والعلانية، والإعداد ليوم الرحيل، قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
أما بعد:
لا يخفى على كل مطلع على مسار الحركة الحوثية فكرياً وعسكرياً ودولياً مدى خطر هذه الحركة المشبوهة التي ظهرت في غفلة التجاذب السياسي في اليمن لتخلق كيان عسكري قوي وتفرضه بقوة الرصاص، وتواطأ أطراف اللعبة، وفي كل يوم تتفتح شهية الحوثيين للانقضاض على اليمن الشمالي وفي نية للوصول إلى الجنوبي وهي امتداد للمشروع الإيراني الذي كان أحد أسباب نتائج هذه الشرذمة التي اتخذت الجبال متارساً لها والرصاص والقناصة لغة للحوار معها.
لم يتزحزح يقيني يوماً أن دعوة الرفض، والمد الصفوي الذي نراه يهددنا ليلا ونهارا، إنما هي دعوة فارسية شركية ممسوخة من بقايا المجوسية واليهودية والنصرانية، وتتلبس في كل حين بالإسلام وأنها من الأمة الإسلامية، وتدعوا في كل لحظة بأهمية جمع الكلمة ولم شمل الأمة، تلك الأمة التي ما فتئت الدعوة الصفوية تنحر فيها كل ما بزغ لها نجم أو امتلكت قوة، فإذا ما استيقظنا من نومنا على غدرة من غدراتها، رفعت شعارها المعروف، بأهمية لم الشمل، وبأنها عدوة إسرائيل! هذا الشعار الذي يرددونه ليل نهار كلما فطنا لبعض مخططاتهم، يرددونه ليتعاطف معهم الغافلون من المؤمنين، ويغضوا الطرف عن مخططاتهم وأهدافهم.
اليوم ليس هو أول حدث ولا ثانيه ولا ثالثه، نرى الفرقة الحوثية الفارسية تعيث فسادا في أرض الطهر والعز والشموخ، في بلاد اليمن، الطائفة الحوثية الغادرة، التي خدرت بعضنا حين حربها مع الجيش اليمني، ثم حربها مع الجيش السعودي، يوم كانت ترفع شعار الله والقدس وتسقط أمريكا وإسرائيل زعموا!
هنا يستعيد شريط الذكريات، مقالات وكتابات أضاع فيها بعض قومنا أعمارهم، ليوهمونا بأن ما يجري بيننا وبين إيران وأذنابها، إنما هو شأن سياسي لا شأن له بالعقيدة من بعيد ولا قريب، في معركة التحليل السياسي والعقدي التي جرت قبل سنين، وهؤلاء الكُتاب - مع الأسف - أسهموا في تخدير الكثير من المتابعين، وإشعارهم أن القضية قضية سياسية لا عقدية، واليوم نرى الحقيقة التي حاولوا يوما ان يخفوها واجتهدوا في ذلك ظناً منهم أنهم يسيرون في الطريق الصحيح، إنه الشعور بالعظمة والفهم لدى بعضهم، ذلك الشعور الذي أورد امتنا المهالك من جراء قراءة من إنسان ناقص، آخر ما يتلفت إليه الوحي الواضح، والتاريخ الذي لم يفتأ يحدثنا في كل لحظة من لحظات ضعف الأمة، عن حقيقة هؤلاء الروافض، وتجنيهم على الإسلام بتحريفه، وعلى المسلمين بقتلهم، وإنهاك دولتهم، وموالاة عدوهم، والتاريخ موجود، ولسنا هنا في سرد حقيقتهم، فالشواهد الحاضرة تغني عن مؤلفات من كتب التاريخ.
ومن خلال الاطلاع على الخطاب الحوثي السياسي تجد انبهاراً حوثياً بثقافة الخميني، وثقافة الفرس، وأولاد بدر الدين جلهم ابتعثوا إلى إيران، وكتبه جلها مطبوع في إيران..فهم يرضعون من حليبها وينفذون مشاريعها ويعدون أنفسهم جزءاً من كيانها الدولي.
فأستطيع أن أخرج بخلاصة من خلال قراءة سريعة في مسار الحركة أن الحوثيين:
مذهبياً: جار ودية متأثرين بالإثني عشرية ويوجد في أوساطهم اثنا عشرية يدينون بآراء السيستاني وفتاويه.
سياسياً: يمثلون الامتداد الشيعي لمشروع الثورة الإيرانية، وهم معجبين بالشعارات الإيرانية، وهم امتداد للفكر السياسي الخميني من خلال الإعجاب بثورة الخميني.
عسكرياً: هي جزء من حزب الله اللبناني وقد ثبت تدرب كثير منهم في لبنان، وكشفت الحروب الستة مع النظام اليمني بوجود خبراء إيرانيين ولبنانيين يدربون الحوثيين.
استغل الحوثيين الفراغ السياسي والعسكري الذي جاء نتيجة للتجاذب السياسي بين الكيانات السلطوية والثورية.
فبدؤوا بالتمدد في مناطق الجوف وحجة وعمران وغيرها وهي خطوة لم يعي الحوثيين أن القبائل السنية العصية والقوية ستقف أمام مشروعهم الماكر فدخلوا في حروب خاسرة مع هذه القبائل وتجاهلوا أن بعض هذه القبائل هي ضمن الثورة الشعبية التي يدعي الحوثيين الانتساب لها.
والواقع أن مشروع التمدد الذي كان يرغب به الحوثيين كان مفتاح لفضيحتهم ولإظهار أهدافهم فعليا من خلال هذه الحروب التي اختلقوها والجبهات التي صنعوها. لم أستغرب من حصار الحوثيين لمركز دماج كما استغرب غيري وتفاجأ بل الغريب عندي أن هذا الحصار لم يحصل منذ زمن طويل ولم يحصل ليلة استيلاء الحوثيين على صعدة فمركز دماج يعتبره الحوثيين العقبة الكؤود أمامهم بل يعتبرون أصحابه نواصب يجب قتلهم.
وإذا ما رجعنا للحديث عن الحصار الغاشم على المركز فأننا سنرجع على الوراء قليلاً لنتذكر حصارات كثيرة فعلها الحوثيين على القبائل السنية ونجحوا في تهجير بعض مشايخها وإسكات البعض الأخر واحكموا السيطرة من خلال هذا الأسلوب الماكر.
وكان الحوثيين يظنون أن هذه الطريقة سينجحون من خلالها بتهجير طلاب العلم من هذا المركز عن طريق الضغط بالحصار والتجويع.
أيها العقلاء! ما لغرابة في الأمر؟ وهل جربنا من هؤلاء الشرذمة يوما من الأيام عدلا أو مودة أو رحمة؟ إنهم يتعبدون الله بدماء أهل السنة، هذا هو الموضوع باختصار بعيدا عن السفسطة والفلسفة والقراءات المتأنية والحوارات الفكرية.
أيها الغيورون أدركوا إخوانكم من أهل السنة في دماج وغيرها، قبل أن تقع المذبحة ونحن في غفلة، وقد أصدر الصليب الأحمر تقارير تفيد بموت بعض الأطفال يومياً بسبب نقص الدواء والغذاء. أعطوهم من دعواتكم وصلواتكم وكل ما تستطيعونه...
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
"دار الحديث" السلفية في "دماج" اليمنية محاصرة، رغم إعلان الهدنة، ووسائل الإعلام العربية والعالمية تغفل عن مذابح قد يرتكبها الحوثيون ضدهم، والمدرسة تحوي نساء وأطفالاً وشباباً وكهولاً من كل أنحاء العالم، جاءوا لطلب العلم، يربون على الثمانية آلاف نسمة في تلك الدار، وللأسف لم يناصرهم أحد، وهم المعتزلون السياسة، المتفرغون لطلب العلم الشرعي.
وإنه ما يجعلنا قلقين هو تطورات الأمور هناك، حيث أن منطقة "صعدة" تتماس مباشرة وخاصرتنا الجنوبية، وما يحدث هناك نتأثر به في المملكة.
أحبتي في الله: لا تنسوا إخواننا المستضعفين المحصورين بغير ذنب فعلوه من هبة مضرية تعيد المسخ على جحره، مضى زمن الغفلة وأصبح الأمر واضحا لكل غافل فضلا عن مطلع بان الدور سيصلنا إن غضضنا الطرف عما يحدث الآن من قومٍ دم السني عندهم أشهى من العسل.
وهم رغم ما لديهم من عدة وعتاد من أجبن الناس لو وجدوا أمامهم من يوقفهم، وكسرى هلك ولا كسرى بعده، وهذا كلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأنّى ثم أنّى له أن يُخطئ، إنما هم فقاعة فاضوا عليها قبل أن تحصل الكارثة، ويُقتل إخواننا ونحن في المشهد.
اللهم ارفع الغمة، عن أهل السنة في دماج وانصرهم على عدوهم بنصرٍ وتمكينٍ من عندك.
اللهم إن فيهم من قضى وقته في قراءة كتابك وسنة نبيك، وفيهم النساء والأطفال، وهم في عزلة وضعف وفقر وظلم، فارفع عنهم برحمتك واقتل عدوهم بقوتك وعظمتك يا قوي يا عزيز.
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين على الطواغيت الذين قتلوهم واستباحوهم في كل مكان يا قوي يا عزيز.
سعيد بن محمد آل ثابت
- التصنيف:
- المصدر: