المعتقلين الإسلاميين: بين ضعف الحكومة المغربية و تجاهل الملك

منذ 2013-12-23

لا زالت تفجيرات 16 مايو من عام 2003م بمدينة الدار البيضاء المغربية تثير الكثير من التفاعلات في الساحة السياسية للمملكة، خصوصًا بعد موجة الربيع العربي التي هزت المنطقة، وحملت رياحها الإسلاميين في المغرب إلى الحكم، حيث أصبح مطلب حل الملف وإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين أمرًا ملحًا.


 

لا زالت تفجيرات 16 مايو من عام 2003م بمدينة الدار البيضاء المغربية تثير الكثير من التفاعلات في الساحة السياسية للمملكة، خصوصًا بعد موجة الربيع العربي التي هزت المنطقة، وحملت رياحها الإسلاميين في المغرب إلى الحكم، حيث أصبح مطلب حل الملف وإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين أمرًا ملحًا.


 

ففي غمرة الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير الاحتجاجية بالمغرب، بادرت السلطات وأطلقت سراح عدد من الشيوخ والمعتقلين البارزين في التيار السلفي بعفوٍ ملكي وهم: الشيخ حسن الكتاني، والشيخ عمر الحدوشي، والشيخ عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، والشيخ محمد الفيزازي، وهي الخطوة التي اعتمدتها من بين إجراءات أخرى من أجل تهدئة الأوضاع وامتصاص غضب الشارع.


 

لكن القوس والانفراج الذي حصل مع ملف المعتقلين السلفيين على خلفية تفجيرات 16 مايو  في سنة 2011م سرعان ما سيختفي ويترك الملف يراوح مكانه رغم كل المحاولات والمبادرات التي تقودها العديد من الجهات الحقوقية والحكومية الهادفة لإيجاد حل نهائي للملف، لاقت جميعها الفشل لأسباب معلنة وأخرى خفية، ما زالت الجهات الماسكة بالملف لم تكشف عنها لحد الآن.



اعتقالات بالجملة:
 

مباشرة بعد التفجيرات التي شهدتها مدينة الدار البيضاء، دشَّنت سلطات الأمن المغربي حملة من الاعتقالات بمختلف المدن، حيث بلغ عدد المعتقلين حوالي خمسة آلاف شخص، الكثير منهم لا علاقة له لا من بعيدٍ أو قريب بالأحداث، سوى أنه يسدل لحيته ويقصر لباسه.


 

وحتى اليوم، تشير الأرقام والمعطيات التي حصلت عليها البيان من الهيئات والجمعيات الحقوقية المتابعة للملف، إلى وجود حوالي 600 معتقل إسلامي في السجون المغربية على خلفية هذه الأحداث، توفي مؤخرا من بينهم معتقل ستيني مقعد يدعى محمد بن الجيلالي، بعد دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام، الأمر الذي أشعل موجة من الغضب في صفوف باقي المعتقلين وأنصار التيار السلفي بالمغرب.


 

الشيخ عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، أحد الشيوخ الأربعة الذين أُفرِج عنهم قبل سنتين من الآن، قال في تصريح للبيان، إن الملف: "تعقَّد بشكلٍ كبير ويحتاج إلى جهود أكبر مما بذل"، نتيجة خلص إليها أبو حفص، بعد سلسلة من اللقاءات التواصلية مع مجموعة من الجهات الرسمية وغير الرسمية في إطار لجنة متابعة الحالة السلفية.



معيقات وعراقيل:
 

عديدة هي الأسباب التي تتكاثف فيما بينها لتزيد من تعقيد ملف المعتقلين الإسلاميين على خلفية أحداث 16 مايو ، فإلى جانب العوامل الداخلية المتعلقة بالسياسة الداخلية والخوف من تكرار ما حدث بسبب إصرار بعض المعتقلين على أفكارهم المتشددة تجاه الدولة وأجهزتها، عكس ما أعلنه الكثير من الشيوخ والمعتقلين من مراجعات فكرية هامة صححوا من خلالها مسارهم ونظرتهم للواقع.


 

ففي اللقاءات التي جمعت لجنة متابعة الحالة السلفية ومسؤولين في الحكومة، من بينهم رئيسها وزعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عبد الإله بن كيران، الذي أكد أن الملف أصبح معقَّدًا بسبب سفر الكثير من السلفيين الذين غادروا السجون إما بعفوٍ ملكي أو بعد قضاء فترة السجن إلى سوريا للقتال ضد نظام بشار الأسد.


 

أبو حفص، الوجه السلفي المعروف، في تعليقه على موضوع ذهاب السلفيين للقتال في سوريا، قال: "إن كثيرًا من المعتقلين في هذا الملف أبرياء ومظلومون، الذين أُدخِلوا السجن أصلًا ظلمًا وعدوانًا، هؤلاء لا علاقة لهم أبدا بذهاب البعض إلى المناطق المتوترة كسوريا من أجل القتال".


 

كما أكد أبو حفص، أن من بين الأسباب التي دفعت الكثير من المعتقلين السابقين للذهاب للقتال في سوريا، هو "عدم استيعابهم بعد خروجهم من السجن وعدم تقديم المساعدة لهم، مما أغلق كل الأبواب في وجوههم ولم يجدوا إلا طريق سوريا للتنفيس عن شيء من المعاناة التي عانوها في السابق"، في إشارةٍ واضحةٍ منه إلى تحمُّل الدولة نصيبًا من المسؤولية في هذه القضية.



الحكومة تتبرأ من الملف:
 

وزير العدل والحريات الإسلامي، مصطفى الرميد، في تصريح إعلامي مثير قال: "إن وزارته لا تملك معالجة هذا الملف بقرار منها، هذا موضوع ليس من اختصاص الحكومة نفسها، بل اختصاص الدولة بمؤسساتها العليا، وهي التي يجب أن تُقرِّر ما تراه مناسبا"، موقف يأتي ليزكي ما عبَّر عنه رئيسه في الحكومة ويُعلِن فشل الحكومة في إيجاد أي حل لهذا الملف الشائك.


 

تصريح الرميد، شبهه الباحث في علم الاجتماع، رشيد جرموني، بـ"الجمرة" التي ألقيت في وجه الحكومة بسبب الظرفية السياسية التي تحكمه، انطلاقًا من المعطى المحلي والإقليمي، حيث اعتبر ملف المعتقلين السلفيين بالموضوع الشائك والمتوتر، "الوضعية في المغرب والعالم العربي موجهة الأنظار فيها للإسلاميين وتجربتهم في الحكم هي محط انتقادات ومضايقات، وأعتقد أن المغرب ليس استثناء مما يقع في مصر وتونس ولكن بدرجة أقل".


 

وعكس ما ذهبت إليه الكثير من التحليلات، بأن الحكومة تخلت عن المعتقلين الإسلاميين في هذا الملف، رأى الباحث المغربي جرموني، في تصريح للبيان، أن تصريح وزير العدل والحريات "ينم عن نوع من الدهاء السياسي والتعامل بمرونة مع هذا الملف".


 

وأضاف جرموني، أن موقف وزير العدل جاء بناء على أن "كل خطوة في اتجاه الحل ستقرأ في سياق أن هؤلاء يتعاطفون مع هؤلاء المعتقلين السلفيين لأنهم إسلاميون، وأنهم يمكن أن يهيئوا لجبهة معينة في مجال الانتخابات المقبلة"، مذكرًا في هذا السياق بقرار بعض قادة التيار السلفي ودعوتهم التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة التي حصل فيها على 107 مقاعد كرقم قياسي في تاريخ الانتخابات المغربية.


 

قراءة الباحث لم يتفق معها الشيخ أبو حفص، الذي لم يُشكِّك في نوايا الحكومة الصادقة في حل هذا الملف سواءً من جهة رئيس الحكومة أو وزير العدل، ولكن، "تبين أنهما عاجزان لوحدهما للوصول بهذا الملف إلى ما كنا نتمناه، وأن هناك وجود جهات تُعرقِل جهود الوصول إلى حل نهائي للملف"، وتواجه كل المساعي بقضية ذهاب بعض السلفيين للقتال في سوريا والتهديد الأمني الذي سيطرح بعد عودتهم من ساحات القتال للمغرب.



طلب تدخل ملكي:
 

بعد إعلان الحكومة لعدم قدرتها على إيجاد الحل لملف المعتقلين الإسلاميين في السجون، وأن الأمر بيد جهات عليا هي من ستُقرِّر فيه، لم يتأخر التيار السلفي في استثمار الفرصة والتقاط الإشارات اللازمة، حيث وجه الشيخ حسن الكتاني، في الأيام الأخيرة طلبًا للملك محمد السادس، من أجل التدخل لإنهاء محنة المعتقلين الإسلاميين وطي الملف بشكلٍ نهائي.


 

الدعوة التي وجهها الفاعل السلفي للملك محمد السادس اعتبرها الباحث رشيد جرموني، ردة فعل إيجابية، لأن الملك "يبقى الفاعل الرسمي الأول، وهو (حامي الحقوق والحريات الفردية والجماعية)"، مؤكِدًا أن التوجه إليه في هذه المحطة "مهم جدًا وخيار ذكي".


 

كما حث جرموني التيار السلفي على ضرورة مباشرته لعمليات أخرى في التواصل مع القصر ومحيطه من أجل حلحلة هذا الإشكال، محذِرًا من الوقوع في الانتقاد الحاد لهذه الحكومة وإغفال التركيز على الجهات التي بيدها الحل.


 

وبين هذه المبادرة وتلك، ودعوة هنا ومطالبة هناك، يبقى حوالي 600 معتقل إسلامي على خلفية أحداث 16 مايو، يعانون في السجون لأزيد من 10 سنوات، يمكن أن يكون وصول الملف إلى المؤسسة العليا للبلاد مقدمة لحل ملف طال انتظار المعتقلين وعائلاتهم له.


عبد الله التجاني

 

المصدر: مجلة البيان