لغير الأغْبيـــاء فقط !!
بلاريـب لا بوش، ولا مستشاروه، ولا ساسة الغرب، ولا البابا، كانوا
أذكيــاء، عندما قرّروا محاربة الإسلام.
غير أنهم لم يكونوا أغبياء أيضاً، عندما أطلقوا سلسلة التصريحات
المعادية للإسلام، بل الأغبياء هم وحدهم الذين لم يفهموهـا حتى الآن،
فلم يعــوُا أنّ ساسة الغرب الصليبي بقيادة أمريكا، إنمــا يريدون
تهيئة عالمهــم، إلى مرحلة جديدة يصبـح إعــلان أنّ الإسلام نفسـه،
سيكون في مكان الخطر الشيوعي، وفي موضع الفاشية، أي أنّ الإسلام بحـدّ
ذاته، (وليس الإرهاب أو التطرف الإسلامي) هـو الخطـر الأكبر، على
حضارة الغرب، وبالتالي فمحاربته حتميّة، والقضاء عليه ضرورة، كما كان
الحال إبان التهديد الشيوعي أو الفاشي.
وقد وَضعت أمريكا الأكبــر قوةً، والأشدّ صليبيّةً، بيـن العالم
الغربي، والتي حملت على عاتقها حماية مكتسبات خمسـة قرون من الإستكبار
الغربي الصليبي، والحيلولة دون عودة الإسلام قوة عالمية منافسة،
وضعــت استراتيجيتين في هذا الإتجــاه:
1ـ إستراتيجيّـة لما يسمى (الشرق الأوسط)، وتتلخص
فـــي:
جعل الشرق الأوسط، النقطة الرئيسة للإصطدام مع بين قوى الخير (الغرب
الصليــبي) وقوى الشــرّ (الإسلام)، في هذه الاستراتيجية، تعمل أمريكا
مع حلفاءها، الكيان الصهيوني، وبعض الدول العربية ـ لاسيما دول
الخليج، الأردن، مصر ـ على ترتيب أوضاع الشرق الأوسط، لتكون مناسبة
لهذا الإصطـدام، ويدخل تحت هذا:
1ـ الإحتلال وإنشـاء القواعد العسكرية الضخمة.
2ـ تقسيم الدول وتفتيتها، بدءاً من العراق، تمهيداً لتكوين عداءات
جديدة بينها.
3ـ حرق المنطقة بحروب وفتن داخلية، مثــل:
فتنة الصفوية في العراق، ولبنان، وسوريا، وجاري العمــل على نقلهـا
إلى دول الجزيرة العربية، ومصـر أيضا.
فتنة أبومازن ودحلان في فلسطين، هذا على سبيل المثال.
4ـ أما الحركة الفكريّة والثقافيـة، وآلاتها من وسائل الإعلام وغيرها،
فأعدت لها "عظمـة" مكافحة "التطرّف و الإرهاب"، لإشغالها بها،
وإستهلاكها داخلياً، وإبقاءها بعيداً عن مواجهة المشروع الصليبي
الغربي.
2ـ إستراتيجية أخرى أوسع، يدخل تحتها:
إنتشار القوات الأميركية، والقواعد العسكرية، على حدود القوّتين
العُظميين المتضخّمتين بسرعـة، واللّتين تشكلان هاجسا كبيراً، وقلقاً
هائلاً للغرب، أي: روسيا، والصين، وأمريكا تعتمـد هنـا على الحلفاء:
اليابان، كوريا الجنوبية، إستراليا، الهند.
والهدف من هذا الانتشار، السيطرة على الممرّات الإستراتيجية لحركة
مصادر الطاقـة، وطرق المواصلات الجوية والبحرية الهامّة،
ومن المهم هنا، الإنتباه إلى توسيع نطاق عمل الناتو، وتسليمه
أفغانستان، ليكون قريباً بل مطوّقــاً للإتحاد السوفيتي، ومن
الصين.
ولاريب أن أمريكا، تجعل هيمنتها على مايسمّى (الشرق الأوسط)، محور
الإرتكاز، لتنفيذ مشروعها للهيمنة العالمية، والذي يعني السيطرة على
مكامن الطاقة، لاسيما منطقة الخليج، ومنطقة بحر قزوين، أوعلى الأقل
الحيلولة دون سيطرة قوى أخرى عليها، وعلى مفاصل الاقتصاد العالمي،
وعلى احتكار تفوق ما يطلقون عليه (قيمهم الحضارية)، المتمثّلة في
ديمقراطيتهم المزعومة.
ولهذا كان القضاء على الإسلام، الجزء الأهمّ من هاتين الإستراتيجيتين،
لأنّـه وحـده سيكون العائق الأكبــر لهما.
ولسنا هنا نهوّن من عبقرية ـ إن صح التعبير ـ الخُبث الأمريكي، ولا
نستهين بدهاء أبالستهــم المدهش، الذي يترجم في كلّ لحظة، إلى أعظم
حركة استعمارية في التاريخ، لاتهمل أدقّ التفاصيل، وتستغل كلّ الأحداث
لإبقاء التفوق الغربي الصليبي، ووضع أسس استمراره أطول مدة ممكنة، في
طموح كوني يُشبه المعجزة.
لكن ما يُبهـر المــرء حقــاً، أنّ هذا كلّه، رغم هالته الأسطورية،
بـدا في غاية الحيرة، والركاكة، والضعف، والمهانة، في مواجهة الجهاد
العالمي، لاسيما في قاعدتيه العراقية، والأفغانية.
وقـد استطاع هذا الجهاد، أن يُظهـر للعالم، بكلّ سهولـة، معادلة في
غاية السهولــة، هـي :
أنّ هذا الطموح الأمريكي الأسطوري نفسه سيكون سبباً في هلاكــه.
ولهذا قد اعترف قادة الحملة الصليبية العالمية ـ وما كانوا يودُّون ـ
أنّ الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة (الإرهاب) ـ أيْ الإسلام ـ تحولّت
إلى أكبر مولّد لــه، فكلّما كبرت، كبر معهــا، وكلّما أنفق عليها من
الجهد والمال، فكأنّه ينفق على (الإرهاب) نفسه!
وهذا وإن بدا شيئــاً يعسـر تفسيره، لكنّه هــو، لايزيد عليه قيد
أنملة، الواقع المشاهـد بالعيان، فلا يحتاج إلى إشارة بالبنان.
وفي الختام، فالمرحلة القادمـة ستشهد تصاعد الوضوح في تسمية الإسلام
عدوّاً، واحتدام الصراع بين الصليبيّة، والإسلام، ولو طلب منّي سائل،
أن أُسدي نصيحة ـ وماكنت لأفعل ـ للأمريكيين، وهم متورطون الآن في
حبال مكرهم، قـد أحاطت بهم، فهم حيارى كيف الخروج، مبيّنــاً لهـم
الخطأ الأكبر القاتل الذي وقعوا فيه، فسأقول:
إنـّه كما قاله أحد عقلاءكم قديماً، الحرب تبدأ في عقول الرجال،
فالخطأ القاتل بدأ في عقولكم عندما فكرتم بحرب الإسلام، وظننتم أن
القياس على هزيمتكم للدب الروسي، قياس صحيح، وأنساكم الشيطان الذي
يقودكم إلى الخزي في الدنيا والآخرة أنّ هذه الحضارة الإسلامية غير
قابلة للهزيمة أصـلاً، كما أنـّه لايمكن احتواؤها، بيـد أنّ ســراً
يكمن فيها، هـو من أهـم أسباب انتصارها، وهو أنها تُزلف عدوّها إليها،
حتى إذا ظـنّ أنـّه غالب لامحالة، اكتشف أنـّه كان يهـوي في حفـرة كان
يحفرها لنفسه لا للإسلام.
فلهذا أقول لهم: استمرُّوا في حرب الإسلام، واجتهدوا في ذلك غاية
الجهد، وابذلوا فيه كلّ ما في وسعكم، وامكروا به حتى تعجزوا، وأرسلوا
عليه الأمواج المتلاطمة من الفتن، وارموه بسهامكم المسمومة، في كل حين
وزمـن.
فهذا هو الذي سيعجّل بنصــره.
{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ
إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ، إِنَّ الَّذِينَ
يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ كَتَبَ
اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ
عَزِيزٌ }
حامد بن عبد الله العلي
أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية
- التصنيف: