تشكو الفتاوى
تشكو الفتاوى في زمانك حالها *** من بعدما سَلبَ الفضاء جمالِها
صارت مُبَلْبلة الفؤاد, أتشتكي *** علماءها, أم تشتكي جُهّالها؟
قابلتُها يوماً على درب الأسى *** تُلقي على باب الأنين رِحالها
فسألتها عمّا جرى فاستعبرت *** ورمت إليّ مع الدموع سُؤالها
قالت: أتسألني كأنّك لا ترى *** رمضاءَ بيداءِ الهوى ورمالها؟
فأنا الفتاوى صِرتُ في أرجوحةٍ *** أبلت أيادي الراحلين حبالها
أولست تبصر في الفضائيات ما *** يلقي عليّ من الهموم ثقالها
يتسابقون على انتهاك كرامتي *** ويقلِّبون حرامها وحلالها
يتخّطفون القول من فم سائلٍ *** متجاهلين من الأمور مآلها
يتجرّأون على الفتاوى بعدما ***كسرت لهم أوهامهم أقفالها
كم ليلةٍ قطعوا عليّ هُدوءها ***حتى أزاحوا نجمها وهلالها
هذا يجوّز للفتاة سفورها *** ويُبيحُ أن تلقى النساء رِجالها
ويبيحُ للأنثى الذكورة َ ناسياً *** أن المهيمنَ حرَّم استرجالها
وهناك من عشق الظهور فزاده *** رهقاً, وأعطى نفسه استرسالها
راقت له الشاشات حتى أصبحت *** في النفس غايته التي يسعى لها
يا من تحمّلتم أمانة علمكم *** ما كلُّ من حَمَلَ السيوف أجالها
ما كلُّ من راش السّهام رمي بها *** كم من سهامٍ لا تُحِبُّ نِصالها
إنّ التسرُّع في الفتاوى ثغرةٌ *** تتسلُّل الفتن العظام خلالها
كان الصحابة يكبحون جماحها *** ويضّيقون طريقها ومجالها
يتدافعون سؤالها وجوابها *** ورعاً, ولا يستسهلون وبالها
ما بالكم أنتم كسرتم بابها *** كسراً ولم تُبقوا عليها شالها؟
ثوبوا إلى رُشدِ الحكيم وأطلقوا *** تقوى النفوس وحطّموا أغلالها
يا مسرعون إلى الفتاوى, هوّنوا *** فلربَّ فتوى أهلكت من قالها
ولربَّ فتوى شكّكت متديَّناً *** فيما لديه وأحدثت زلزالها
ما بالكم تنسون يوم قيامةٍ *** الله يعلم وحدهُ أهوالها؟؟
عبد الرحمن بن صالح العشماوي
الشاعر المعروف أستاذ النقد الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف: