أزمة تربوية!

منذ 2014-01-09

قد يتصور البعض أن كل إنسان به بعض الصفات الحسنة كالهدوء أو الذكاء أو الرفق، أو حتى شيئا من العلم أنه قادر على القيام بمهمة تربية الأبناء وتوجيههم من خلال تواجدهم مع أقرانهم وفي حلقاتهم، وهو تصور خاطئ إذا أطلق، فينبغي أن يكون هذا الذي نوليه مسئولية صياغة شخصية أبنائنا متصفا بالوصف التربوي المميز له للنجاح في عملهتر


قد يتصور البعض أن كل إنسان به بعض الصفات الحسنة كالهدوء أو الذكاء أو الرفق، أو حتى شيئا من العلم أنه قادر على القيام بمهمة تربية الأبناء وتوجيههم من خلال تواجدهم مع أقرانهم وفي حلقاتهم، وهو تصور خاطئ إذا أطلق، فينبغي أن يكون هذا الذي نوليه مسئولية صياغة شخصية أبنائنا متصفا بالوصف التربوي المميز له للنجاح في عمله. ولا شك أن كثيرا من الخبراء التربويين يميلون نحو تولي المختصين التربوين والدارسين في العملية التربوية هذه المهمة، خصوصا إذا انضم إلى ذلك التخصص بعض الصفات المطلوبة في الداعية إلى الله كالرفق وحسن الخلق والتقوى وغيرها من محاسن الصفات.

الأزمة هنا أن قصورا حادثا بصورة جلية قد تسرب بكل وضوح إلى حقل الدعوة الإسلامية أيضا، فرأينا كثيرا من الدعاة العاملين في حقل الدعوة إلى الله إذا أرادوا إبلاء مهمة تربية أبنائهم لأحد فيبحثون عن قليل العلم قليل الخبرة، ثم يطلبون منه الابتداء بتحفيظهم القرآن مثلا أو تعليمهم حديثا أو غيره. ثم كذلك في حلقات التحفيظ، نجد أن الاختيار يقع على الأقل خبرة والأقل علما والأقل ثقافة، بحجة أنه سيقوم بعمل يرونه سهلا بسيطا وهو تحفيظ الأولاد القرآن.. وعليه يتم استيراد بعض المحفظين من أماكن متفرقة ممن لا علم لهم ولا خبرة ولا دراسة ولا... إلخ.

ثم تعدى الأمر ذلك إلى القيام بتربية طلاب العلم أيضا، فوجدنا الاهتمام في كثير من حلقات العلم قاصرا على تحفيظ المادة العلمية وتدريسها وإتقانها، مع ضعف بالغ في بث المادة التربوية التي على أساسها تتم عملية بناء طالب العلم ليصير داعية ناجحا ومؤثرا.

وللأسف ها نحن نجني ثمارا سلبية من كل ما سبق.. فقد نجد من أبنائنا من هو متميز في دراسته وناجح متقدم في صفه، وهو فاشل على المستوى الشخصي والنفسي، وقد يكون بعضهم متكبرا معجبا بنفسه، وآخر عدائيا شرسا، وآخر حسودا غيوظا، وآخر منحرفا، وآخر منطويا متقوقعا... وغيرها. بل قد تعدى الأمر لبعض طلاب العلم، فخرج علينا طلاب علم يسيؤون الأدب مع مشايخهم، وآخرون يتعصبون لهم مهما كان الحق خلافا لهم، وآخرون يغتابون وينمون في مجالس علمهم، وآخرون وقعوا فريسة للحقد والحسد على بعضهم، وآخرون تهافتوا على الأموال وجمعها والزينة ورونقها وسقطوا في بئر عميق من الشهوات.

إن ممارسة العملية التربوية هي ممارسة صياغة لشخصية الأبناء والطلاب التي ستتكون لديهم فيما بعد ويتعاملون بها ويتسمون بسماتها، ومن ثم لزمنا جميعا أن نولي أكبر اهتمام بها خصوصا في المراحل العمرية التي لا تكون قادرة على التمييز في الانتقاء فتنتقي الحسن والقبيح معا، والتي لا تزال تفقد البوصلة التوجيهية بعد، فتراها تتوجه إلى حيث يوجهها موجهها وتتربى كيفما شاء لها مربوها، وكذلك فيما يخص الذين يتربون ليصيروا دعاة أو علماء أو قادة. ولكأن الظرف الذي نعيشه يدفعنا دفعا نحو تخريج مجموعات تربوية متخصصة في العملية التربوية، يعتمدون في أعمالهم على العلم الدقيق والفهم العميق للنفسية والشخصية والسلوك.

ولا شك أيضا أن هذا يحتاج منا إلى إيلاء الاهتمام نحو إنشاء مؤسسات تربوية متخصصة لهذا المجال وعدم الاعتماد على مجرد المتخرجين الذين يتلقون المعرفة التربوية عن التلقي العام أو عن طريق التلقي العام، أو الآخرين الذين يتعرفون عليها من طريق دورة أو دورتين.

خالد روشه